في خضم الانشغال الشعبي؛ العربي بأحداث العراق حيث اشتداد قبضة الاحتلال التأديبية الانتقامية في الفلوجة؛ تهوي بخبرة شارونية يتطاير معها الدم والأشلاء والقبور ومناظر الدمار التي تغطي الشاشة على مدار الساعة، ونتعجب من أن عيوننا لا تزال صامدة تتحمل هذا النزيف الدموي فيما خرقة الصمت تلف المنابر الرسمية التي لم يقر قرارها بعد على لقائها السنوي بنتائجه المنتظرة المثمرة البناءة!!.. في هذا المشهد المتناثر يقفز خبر فني طريف من الخليج، يتصدر الواجهة الصحفية والنشرة الفنية الفضائية عن المولود السعيد الذي طال انتظاره للفنانة المشهورة ذات الهمة العالية في التنقل من عاصمة الى عاصمة تطل من برنامج وتحيي الحفلات رغم تقدمها في شهور الحمل (!!).. الطرافة أن خبر الولادة ليس صحيحا؛ مما اقتضى التنويه والتصويب من أخيها لخطأ وكالات الأنباء (!!) فالفنانة لم تلد حتى الآن (والكل يعلم أنها في الشهر السابع، مما يعني أنه يتبقى شهران على موعد الولادة). الحمد لله على هذا التصحيح لنا باعتبارنا من (الكل يعلم) ومن المرابطين على جبهات الفضائيات (نعد الأيام والأشهر) نحرق شموع الأمل والانتظار للطفل المعجزة؛ ليضاف رقم جديد ومميز بجوار تيا وصوفي وعمرو و.. و.. وعاشوا!!! هذه هي مفارقات الفضاء العربي. مدن تندك وينهكها الحصار وتنتشر في طرقاتها الجثث تنتظر الدفن، والأحياء في رعب القصف وشح الموارد الغذائية؛ لا يجدون عونا ولا أذنا تستمع الى صرخاتهم ولا يدا تخف الى نجدتهم أو مواساة جراحهم المفغورة حتى بالكلام.. وأحبابنا في الفن؛ مركز الكون ومحط الاهتمام الاعلامي مشغولون بأمور الحمل والولادة وجنس المولود السعيد؛ ذكر أم أنثى!! الرسالة الاعلامية في وقت الأزمات الطاحنة، ألا ينبغي لها أن تتحرر قليلا من التفاهة واللامبالاة ازاء واقعة مضرجة بالدم تقض المضاجع وتعيد ترتيب الاهتمامات وسلم الأولويات.. لا يمكن أمام هذا التدفق المر من الدم والجثث أن تكون الأشياء على حالها، كأنه لا شيء يحدث.. لا شيء يمر. قد يذكر القراء قبل سنوات عندما كانت اسرائيل تصب حممها على الجنوب اللبناني وترتكب مجزرتها البشعة في قانا؛ ان المطرب عاصي الحلاني ومن منبر فضائي عربي وفي بث مباشر يصهل في الاستوديو في حضرة المذيعة السمراء ويهدر بالهوارة فيما وطنه في بث مباشر ومتزامن يتلقى النازلة الصهيونية!! إذا، لم تلد الفنانة حتى الآن.. لكن جنين الاعلام المشوه اكتمل، ونزل يجر حبل سرته على موائد الفضاء؛ ينتظر من يقطعها!