هناك من يقول إن السمسرة سبب من أسباب تضخيم البعض منا صورة الآخر، لكن هناك سببا آخر رغم ضآلته ورخصه إلا أنه يتحكم بقيمة التراث والتاريخ بل قد يؤدي إلى جرف أمة بأكملها وينحصر هذا السبب في الخوف و الرعب من زوال منفعة ترتبط بمنصب أو رتبة أو كرسي . إن منحى كهذا يعني بالضرورة غلبة الأنانية والمصلحة الشخصية على المصلحة العامة التي صُودرت ولمدة عقود طويلة من قِبَل أمزجة ونزعات فردية، واستطاعت تلك النزعات بتسلطها تكريس الاستبداد، بل وأدت عبر التاريخ إلى ارتكاب افظع المجازر في حق الأبرياء الذين سيظلون تحت نفس المطرقة مادام البعض النخبوي يجند الوطن لخدمته بدلا من خدمة الوطن بمن فيه احتمى وترعرع، ومادامت الأنانية هي المحرك الأساسي للذين قال فيهم أبو العلاء المعري : يسوسون الأنامَ بغير عقلٍ فينفذُ أمرُهُمء ويُقالُ سَاءسَةء. لا شك في أن هذا القول ينطبق على الكثيرين ممن نعرفهم جيدا من وُلاة امورنا وهم بالكاد يعرفوننا! والشاهد على ذلك هو الكم الهائل من الهزائم والنكسات التي تعج بها ذاكرتنا ، وكذلك يعج بندوبها العميقة وجه الوطن الذي شوهت ملامحه خيانات يندى لها الجبين. أَ لَمء يَقُمء ابنُ عطير الذي كان يتقاسم مع نصر الدولة بن مروان السلطة على مدينة الرها ببيع حصته إلى ملك الروم (أرمانوس) بعشرين ألف دينار ليدخل الروم البلد ويقتلوا المسلمين ويخربوا المساجد ؟ ألم يستجر (شاور) وزير "العُبيديين": "الفاطميين" بالصليبيين طالبا مساعدتهم خوفا على منصبه أن يذهب لو أصبحت مصر خاضعة للسلطان نور الدين محمود زنكي؟ . بسبب هؤلاء وأمثالهم اكتسحتنا الحملات الصليبية والتي مازالت براثنها مغروسة في قلب الأمة، وبسبب تخاذلهم وضعفنا قُسِّم العالم العربي وسرقت فلسطين ، وها هو العراق يغرق بدماء أبريائه بسبب أحلام مريضة لدعاة الحرية والديمقراطية . إن ما يرتكب اليوم بحق الشعب العراقي يذكرنا بالممارسات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني المحتل، فالجيشان أي الإسرائيلي والأميركي هما وجهان لعملة واحدة لا تصرف إلا في مصارف خرابنا و دمارنا، والذين توحدوا حولهما لينتقلوا بنا من مرحلة تكسير العظام إلى مرحلة طحن وهرس وفكفكة التراث والتاريخ والجغرافيا ولم يبقَ لنا سوى توحيد أهدافنا مهما اختلفنا، على الأقل ليصعب على عدونا بلعنا وتفتيت ما تبقى من فتاتنا وهضم ثرواتنا، وإذا استطاع ذلك ربما عندها نتحول إلى شوكة في حلقه وخنجر في خاصرته وحجر عثرة في طريق توغله، بل رُبَّما سيصاب بالتُّخمة التي نأمل أن تكون القاضية عليه.