منذ سنوات طويلة والحديث يتوالى عن تجارة التجزئة وما يمكن أن تجلبه من فرص لتوظيف السعوديين والسعوديات، حتى أصبح الحديث مكروراً، والسبب أننا نتحدث عنه ولا نفعل الكثير للسيطرة على هذه الأسواق حتى يكون بوسعنا التوظيف فيها على نطاق واسع. والسيطرة هنا تعني ليس فقط «سعودتها» أو «توطينها» بل مراقبتها بصرامة أولاً وقبل أي شيء. فكل يوم نسمع عن قصص فظيعة تدور في الدهاليز الخلفية لهذه الأسواق، تهدف للايقاع بالمستهلك وإيهامه والتغرير به وغبنه لتحقيق أعظم ربح باستغفاله وكأن جيبه «سبيل»! لعل فيما عرض برنامج الثامنة عما نأكله من أسماك عبرة وعظة ودرس، لكن لم يحدث أي تغيير! قبل نحو سنتين عرضت عليكم هنا «نشاطات»، بأن نضبط كل الحلقات الواصلة بين دكان بيع التجزئة والمورد الرئيس أو المصنع؛ فكل حلقة من تلك الحلقات تولد قيمة وفرصا للربح والتكسب الذي قد يكون مشروعاً أو قائماً على الغش ومخالفة النظام. كل هذه الأمور تتطلب مراقبة وجهداً لا يفتر لجمع المعلومات بصورة دقيقة ومستمرة عن الأسواق من يتردد على أسواق الخضار المركزية سيشعر بان ثمة يدّا خفية تسيطر وتربط بين أصحاب البسطات (أو بعضهم)، وأن هناك ترتيبا للأسعار وتمريرا للبضائع المتقادمة، ومن يدري ما يحدث في أسواق اللحوم بأنواعها عندما يدعي «القصاب» أن هذا اللحم محلي وانه طازج؟ هذا أمر بحاجة لثلة من الأطباء المتخصصين للتأكد منه، ثم انك لا ترى أثراً لا لختم ولا لتاريخ واضح، وكأن هذه أمور من مخلفات الماضي. مراقبة الأسواق مهمة أساسية ارتكازية، فإما أن تقوم بها البلديات والأمانات كما ينبغي وفق أسس ومعايير عالمية، أو أن نقبل بالغش، وهو أمر لا يُقبل. أعود لأقول إن حماية المستهلك تتحقق في أفضل صورها عندما تكون وقائية مبادرة؛ أي لا تسمح للغش بأن يقع ابتداء، بحيث يجد من يريد أن يعرض سمكاً فاسداً في مطعم أو محل.. يجد أن الأمر مكلف من حيث الغرامات والعقوبات فلا يقدم عليه. والأمر لا ينتهي عند مراقبة جودة البضائع، بل كذلك مراقبة أسعارها بآلية لا تتطلب إعادة اختراع العجلة بل بانتداب بعض مسئولي البلديات للأسواق المجاورة حيث تعلن عن أسعار الخضار واللحوم والأسماك عبر الراديو وفي الصحف السيارة، وكذلك يتطلب الأمر مراقبة للمؤامرات التي يحيكها بعض الباعة من ترتيب للأسعار لرفعها بصورة غير مبررة. كل هذه الأمور تتطلب مراقبة وجهداً لا يفتر لجمع المعلومات بصورة دقيقة ومستمرة عن الأسواق، لكن كيف؟ هناك من الموظفين المسئولين من لا يقدر الدافع الهائل لدى بعض الباعة لتحقيق أرباح متعاظمة عبر خفض التكلفة ورفع السعر في آنٍ معاً؛ بالسعي لخفض التكلفة بشراء بضائع معيبة لرخص تكلفتها، ومن جانب آخر التلاعب بالعرض لرفع سعر البيع، والممارسة السائدة في أسواق التجزئة لدينا خفض للتكلفة ورفع السعر.. وهي ممارسة توجع جيب المستهلك، وتعيق المنافسة العادلة، وتحدّ من توطين العمالة ورأس المال وتعزز التستر. تويتر @ihsanbuhulaiga