ان ما سأعرضه عليك هنا، لا يعدو أن يكون محاولة بسيطة للتفكير بصوت عال حول موضوع (رهن) بطاقة الأحوال، تلك البطاقة التي يحملها الرجال وبعض (العيال)، فبعد أن يتجاوز أحد أبنائنا سن الخامسة عشرة، يتشوق الى الحصول على بطاقة الأحوال المدنية، تلك البطاقة الصغيرة التي تخبرنا عن هوية حاملها، وبالفعل يحصل عليها، وهذا الشوق أمر بديهي في طبيعة البشر، وكذلك الحصول على تلك (البطاقة) أمر بديهي في هذه السن المبكرة في بلادنا! إذا جميع أبنائنا الذين تجاوزوا هذه السن يمكنهم الحصول على بطاقة الأحوال المدنية، وبعد حصولهم عليها، يشعرون بنوع من الغبطة والسرور والرضا النفسي، الذي يقع في نفوسهم كوقع الماء على الأرض المجدبة، لأنها أول بطاقة رسمية تثبت شخصيتهم، وتؤكد انتماءهم الوطني، وترفعهم رسميا الى أولى درجات المواطنة الرسمية، ولأنها أولا وأخيرا تمدهم بقدر لا يستهان به من الاستقلالية، والإنسان في هذه السن المبكرة وبهذا النوع من الاستقلالية معرض للخطأ مهما نصح، ويكون الخطأ كبيرا في حال فقدان أو رهن بطاقة الأحوال، لأن ذلك يعرض صاحبها للمساءلة فيما لو استخدمت لأغراض سيئة أو تعرضت للتزوير، فرهن البطاقة يعد استخداما سيئا لها، وهذا أمر خطير يعاقب بسببه الراهن والمرتهن نظاما، ورغم كل ذلك نجد أن هناك من يرهن بطاقته ويدعي أنها فقدت. نحن نحب أبناءنا، ونعطف عليهم بقلوب فاضت حنانا ورحمة، ونخشى أن يكدر صفو حياتهم أي مكدر.. ولكن كم من الآباء قام بمفاتحة ابنه بخطورة رهن بطاقة الأحوال؟!.. وكم من الآباء قام بالتأكيد على ابنه بضرورة المحافظة على بطاقة الأحوال المدنية، لكونها وثيقة رسمية يجب المحافظة عليها مهما كانت الظروف والأسباب؟ وكم منا شرح لابنه انه قد يتعرض للمساءلة في حين رهن البطاقة لأي سبب ولأي كائن كان؟ هناك نظرية جديرة بأن تطرح هنا، مفادها أنه عندما يحترم الانسان شيئا ما، فسيحرص على معرفة المزيد عنه، وهذا هو بيت القصيد.. أعني أن أبناءنا يحترمون بطاقة الأحوال المدنية أيما احترام، لكونها الشيء المميز الذي يبرز شخصيتهم للجهات الرسمية وغير الرسمية، فلماذا لا نعمل على تعليمهم كيفية المحافظة عليها، وان المحافظة عليها هي المحافظة على شخصية صاحبها، وان من يرهن بطاقته كأنه يرهن شخصيته!!. أود أن أنهي هذا الحديث بملاحظة قصيرة: ان بطاقة الاحوال المدنية تحمل رسالة هامة، وعنوانا هاما، هو شخصية حاملها، فهل من المنطق أو العقل أن يقدم عاقل على رهن شخصيته؟!. إلى كل الآباء أقول: هل ترضى بأن يكون ابنك آخر من يعلم بأن رهن بطاقة الأحوال مسألة يعاقب عليها القانون؟!.