عانت بعض المجتمعات الاسلامية ممن تترس بتروس الشهادة وهم أبعد ما يكونون عن معانيها اما تحت شعار قومية عمياء او شبهة نكراء او ايهام مضلل وجدوا من يصفهم بهذا الوصف لتعمية الانظار حولا اهدافهم ووسائلهم غير المشروعة. وكم ذاقت الان مرارة ذلك لبعد هؤلاء عن سمو الشهادة الكبرى (شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول) وفي بيان بليغ مدعوم بالتطبيق يفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوضح ما في نفسه الشريفة الطاهرة من حب للشهادة والاستشهاد بما يرسخ جذورها في نفوس الامة, فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله قال: (والذي نفسي بيده لوددت ان اغزو في سبيل الله فأقتل، ثم اغزو فأقتل، ثم اغزو فأقتل) اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وانها لأمنية انبعثت من قلب طهور معبرة عن حب عميق وشوق غامر للشهادة وسبيلها الموصل لرضا الرحمن واعلاء كلمته لذا فقد بين في مجال اخر فضل الشهادة وطلبها. فعن مروان انه قال: سألنا عبدالله عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فقال: اما انا قد سألنا عن ذلك رسول الله فقال: (ارواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)، الحديث اخرجه مسلم في صحيحه، ومنها ان للشهيد عند ربه ست خصال جاءت مبينة في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في اول دفقة والدفقة بضم الدال المهملة هي الدفعة من الدم وغيره ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الاكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من اقاربه وفي لفظ من أهل بيته) اخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما باسناد صحيح. ومنها انه يخفف عنه مس الموت حتى انه لا يجد من المه الا كما يجد احدنا من مس القرصة. فقد اخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن حبان في صحيحه باسناد صحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد احدكم من مس القرصة)، ومنها ان دار الشهداء في الجنة احسن الدور وافضلها، اخرج البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الليلة رجلين اتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي احسن وافضل لم ار قط احسن منها قالا لي: اما هذه فدار الشهداء). ومن الوان كرامة الشهيد ايضا ان الملائكة تظله باجنحتها، فقد اخرج الشيخان وغيرهما عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما كان يوم أحد جيء بأبي مسجى وقد مثل به قال: فأردت ان ارفع الثوب فنهاني قومي ثم اردت ان ارفع الثوب فنهاني قومي فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فرفع فسمع صوت باكية او صائحة فقال: من هذه فقالوا: بنت عمرو او اخت عمرو فقال: ولم تبكي فمازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)، ولهذا كله كان الشهيد وحده من اهل الجنة هو الذي يحب ان يرجع الى الدنيا كما في حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحد يدخل الجنة يحب ان يرجع الى الدنيا، وان له ما على الارض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى ان يرجع الى الدنيا فيقتل عشرا مرات لما يرى من الكرامة)، وفي رواية: (لما يرى من فضل الشهادة) اخرجه البخاري ومسلم. وهاهم شهداء المسلمين على مختلف العصور والدور يسطرون لنا "نباريس مضيئة" في مجال التضحية والجود واي جود أعز واثمن من الجود بالنفس في سبيل الله، وها نحن اليوم نرى بأم اعيننا، نرى ويرى العالم كله معنا هذه الصورة العظيمة على ارض بيت المقدس، وعلى كل ارض فلسطين المسلمة الصابرة، قد يخرج المجاهد منهم من مكانه قد حمل روحه على كفه واهبا اياها لربه في سبيل اعلاء كلمته وطرد الغاصب من الارض المباركة وتطهير الرجس والدنس منها غير آبه بما يترصده من قاذفات العدو وطائراته وعتاده لعلمه بما عند الله ويقينه بموعود الله له بنيله احدى الحسنيين اما النصر واما الشهادة. وفي الاسبوع الماضي يخرج بطل من ابطال الانتفاضة ومجاهد من مجاهدي الاسلام كما نحسبه ونحتسبه. الشيخ احمد ياسين، يخرج من بيته قبل صلاة الفجر متوجها الى بيت من بيوت الله ليناجي مولاه في ذكر وصلاة ويسأله رحمته ورضاه ثم بعد انتهاء الاجتماع الرباني واللقاء الايماني يخرج ديدنه ديدن المسلم الذي يسأل ربه ان يفتح له ابواب فضله، وما يدرج بكرسيه الا وسهام الغدر ترميه، وترمي معها حقد اليهود وقد رامو برميه ان يخرسوا لسانه ويهدوا اركانه ويكسروا سهامه لكننا امة الشهداء ونحسبه منهم باذن الاله. فالقتل في سبيل الله شرف لنا، هم استهدفوا موته بقتله ولكن الشهيد يموت ليحيا، يقتل ليعيش، واي عيش واي حياة، (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم). فرحم الله الشيخ احمد ياسين رحمة واسعة وانزله منازل الشهداء فقد كان بطلا من ابطال الامة ترجل عن جواده بحسب ما تمناه، وأي موت يكون في سبيل الاله ليس موتا بل حياة مبتغاة، يقتل الطاغية الغلام ليعلن الناس من بعده "آمنا برب الغلام" فتجيء على رؤوس البغاة الطوام، يقتل الشهيد لتنطلق مع روحه معاني الحياة الله اكبر ايها المجاهد كم حركت فينا حب الجهاد وقد كنت مقعدا، كم دربت على طريق الحق مشاة وركبانا وقد كنت مشلولا، صدقا الامور ليست بمسمياتها ولا بصورها اي كساح يحرك الملايين واي شلل يسبق معه صاحبه كل المعافين اي موت ذاك الذي تنطلق منه الحياة قل لي بربك اقل لك: انه بأفعال المخلصين المجاهدين ممن طلبوا الموت لا لذواتهم ولا لان الموت مصيرلابد منه ولكن طلبوه ليزرعوا في الأمم من بعدهم زرعا يؤتي ثماره باذن ربه، طلبوا الموت ليرفعوا لواء الحق ولاعلاء كلمة الله في العالمين، طلبوا الموت لما بعد الموت لانهم لا يرون ارواحهم الا امانات قد ائتمنوا عليها من الله. اننا ايها الاحبة لفي حاجة الى مواقف وصور تحيي في ضمير الامة معاني الشهادة الحقة، وتبعث في روحها حب الاستشهاد من جديد سيرا على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم والانبياء من قبله والسلف الصالح من بعده نصرا لدين الله ودحرا لاعداء الله. اللهم الحقنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير خزايا ولا نادمين ولا خارجين ولافاسقين ولا مبدلين ولا مرتابين واجعلنا من الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا آمين آمين آمين. مدير فرع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد بالمنطقة الشرقية