عزيزي رئيس التحرير ولدت محطة "الحرة" الفضائية بعد إذاعة "سوا" ومجلة "هاي" وجميعها تهدف إلى تحسين صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم العربي. كافة وسائل الإعلام هذه تمول من قبل دافع الضريبة الأمريكي ولكنها في الأساس جاءت بناء على رؤية واشنطن الخاطئة التي تعتبر أن مشاكل أمريكا في العالم العربي تأتي من خلال محطات فضائية مثل "الجزيرة" و"العربية" متجاهلة أن السبب الحقيقي لعداء العرب لأمريكا هو سياسة أمريكا الخارجية. فالعرب لا يزالون بغالبيتهم معجبين بأمريكا ونظامها وديمقراطيتها لشعبها الموجود داخل حدودها. ولكن خارج حدود أمريكا يتم تنفيذ سياسية مخالفة للحرية والاستقلالية. وإذا كان هناك أدنى شك في عدم استقلالية " الحرة" فقد جاءت الإجابة سريعة في اليوم الأول للبث عندما أجرى مدير عام المحطة موفق حرب مقابلة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش. وقد بدأ حرب مقابلته بإعطاء الملاحظة للرئيس الأمريكي أن "الحرة" تمشياً مع التقليد الأمريكي الصحفي العريق ستسأله أسئلة صعبة ولن تتردد في إثارة المواضيع الحساسة. ولكن ما جرى في اللقاء جاء عكس ذلك. فمثلاً قال حرب للرئيس الأمريكي ضمن سؤال عن الحرب الأمريكية ضد العراق "عندما دخلنا إلى العراق" وكأن السائل والمجيب طرف واحد. وهو الدرس الأول لأي إعلامي حر ومستقل أن لا يقع فيه. فمبدأ استقلالية وحرية الإعلام مبنية على المسافة بين السائل والمجيب وليس التساوي. أما فيما يخص الأسئلة التي سألها موفق حرب عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وليبيا وكوريا فلم يجرؤ السائل العربي الأصل بالنطق بسؤال واحد حول أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية ناهيك عن الجدار والقمع الإسرائيلي المستمر للشعب الفلسطيني. وعكس التحيز الذي أبداه حرب في طرح كلمة "نحن" عند ذكر العدوان على العراق فقد جاء السؤال الوحيد عن سياسة أمريكا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالحياد الكامل عندما قال حرب لبوش: يقولون في العالم العربي سياستكم غير حيادية. وعندما رد بوش بأنه يدعم الدولة الفلسطينية وأن خارطة الطريق لا تزال قائمة لم يتحد حرب هذا الجواب بل انتقل إلى موضوع آخر. وربما أسوأ ما جاء في المقابلة الحصرية ل "الحرة" مع الرئيس الأمريكي ما جاء على لسان جورج بوش بعد الانتهاء من المقابلة، وهو الأمر الذي سمعه المشاهدون، حيث قال بوش لمدير تلفزيون "الحرة" العبارة الأمريكية " GOOD JOB" أي أنك قمت بعمل حسن. فليس المفهوم من هذه العبارة أن الرئيس الأمريكي كان سعيدا بسهولة المقابلة أو من عمل حرب في "الحرة" بشكل عام أو إذا كانت عبارة مجاملة عابرة. لقد تلا المقابلة مع الرئيس الأمريكي حوار صريح مع محلل لبناني بهدف الالتزام بمبدأ الرأي والرأي الآخر ولكن الضرر كان قد تم. لا يعني هذا أن "الحرة" لن تنجح في بعض الأمور. فبوجود "الحرة" سيحصل المشاهد العربي على قدر أكبر من المعلومات والآراء. ولكن هذا النجاح سيكون متواضعاً جداً بالنسبة لحجم الاستثمار والتوقعات. فالتأثير الحقيقي على الشعوب يأتي من خلال السياسات وليس بتوريد المعلومات والآراء الموجهة التي طالما حارب ضدها من يؤمن حقاً بالديمقراطية. فالتجارب السابقة للإعلام الموجه كفيلة بالإجابة عن أي تساؤل. فالزعماء العرب حاولوا ولا يزالوا يحاولون بث موقفهم من خلال إذاعات أرضية ثم فضائية بدون نتائج تذكر. كما يقوم الإسرائيليون بمحاولات مماثلة دون تأثير. "الحرة" محطة تلفزيونية ستكلف المواطن الأمريكي ملايين الدولارات وستواجه مشكلة شاقة جداً في تغيير القلوب العربية التي سئمت السياسة الأمريكية وليس الأمريكان وحضاراتهم. كان من الأفضل من أمريكا العمل على بث آرائها من خلال إعلام عربي قائم ذي مصداقية ولو أنه ليس مواليا 100% لسياسة بوش- مثلماً الإعلام الأمريكي ليس مواليا 100% بدلاً من ايجاد إعلام جديد يكرس المبدأ الخاطئ فيما يخص الديمقراطية الحقيقية. فقد فعلت " الحرة" ما يجب أن تتوقف أمريكا عن عمله وهو الكيل بمعيارين. فلو كانت "الحرة" موجهة إلى داخل أمريكا لما بقيت على الحياة يوماً واحداً لأن النظام الأمريكي وحرية التعبير وضرورات المنافسة الشريفة الإعلامية تتكفل بعدم بقاء محطة غير مستقلة. إن مبادئ وممارسات الحرية كما هي موجودة في الولاياتالمتحدة أمر مهم وجيد ويتمنى كل عربي مخلص أن يتم تحقيقه في عالم عربي تحكمه أنظمة غير ديمقراطية، ولكن تصدير الحرية لا يتم بالهروب من مواجهة صريحة وحقيقية لأخطاء أمريكا في سياستها. فإذا كانت "الحرة" فعلاً حرة فعليها أولاً الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الغاشم والترويج لحقه في الاستقلال وممارسة السيادة على أرضه. هذا هو التحدي الحقيقي الذي ستواجهه "الحرة" وكل وسيلة إعلام تحاول أمريكا الاحتماء خلفها للتغطية على أخطائها في الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام. داود كتاب صحفي عربي