حتى يوم أمس، كانت الأوضاع شديدة الرتابة هنا. كان الأمن رائعاً، والاقتصاد كأنه جنة عدن. كانت الحياة بسيطة للغاية، مريحة جداً إلى حد جعل أعضاء الطاقم الوزاري المصغر يعقدون جلسة طارئة لإنقاذ دولة إسرائيل من سباتها. ما الذي سنفعله، تساءل الوزراء. ما الذي سنفعله. (ربما نغتال الشيخ؟)، اقترح رئيس الحكومة، فرد الوزراء معاً، كجوقة وطنية: (هيا). هذه العملية لن تضع حلاً للإرهاب، لكن المؤكد أن الوضع لن يبعث على الملل هنا. وبالفعل، رد المواطنون الإسرائيليون على اغتيال الشيخ باهتمام بالغ. فقد امتنع الناس عن ركوب حافلات الركاب، لم يذهبوا إلى المراكز التجارية، وأمضوا الكثير من الساعات الجيدة مع أولادهم في البيوت. لقد اجتمع شعب بأكمله حول أجهزة التلفاز، منتظراً العملية التي ستكون أماً لكل العمليات. لقد حققت حكومتنا مرادها. أخلاقيًا، لا تنطوي عملية اغتيال الشيخ ياسين على أي شائبة. فكل انتحاري انطلق، في السنوات الأخيرة، لتنفيذ عملية انتحارية كان يحمل في حزامه الناسف تعاليم الشيخ ياسين. كما أن الادعاء بأن اغتياله يشكل خرقاً فظاً للمعايير الدولية ليس مقنعاً. لقد اغتال الأميركيون عدي وقصي حسين، ومثلهما الكثير في العراق وأفغانستان، ويعدون المصير ذاته لأسامة بن لادن ورفاقه. إنهم يقلبون العالم بحثاً عنهم لاغتيالهم وليس لتحذيرهم حسب القانون، وتعيين محامين للدفاع عنهم. هل يستحق الموت؟ طبعا يستحق ذلك، لكن السؤال هو هل نستحق نحن ذلك. يبدو أن هناك وجهتي نظر توجهان الحكومات الإسرائيلية في المسائل الأمنية: الأولى تركز على التسبب بالألم للجانب الثاني، والثانية تركز على تقليص الألم في جانبنا. فالجدار، على سبيل المثال، يستهدف تقليص ألم الإسرائيليين. وهذا هو سره الساحر. إلا أن الحكومة، التي لم ترغب بإقامة هذا الجدار، تعمل على إقامته في مسار يتسبب بالألم لعشرات آلاف الفلسطينيين. ويؤدي هذا الألم إلى صب الوقود على لهيب الإرهاب. والنتيجة هي أن هذا الجدار يتآمر على نفسه. في المقابل، تعتبر سياسة الاغتيالات المركزة نتاج وجهة النظر الثانية، تلك التي تستمد الاكتفاء من آلام الطرف الآخر. وهي سياسة عاطفية، مصدرها الإحباط الرهيب الذي تواجهه الحكومة العاجزة أمام الإرهاب الذي لا ينتهي. إنها تعرف أن عمليات الاغتيال لن تقلص الإرهاب، بل ربما تؤدي إلى العكس، لكنها لا تملك طريقة أخرى. لقد تم في المرحلة الأولى، اغتيال القيادات التنفيذية. وعندما اتضح ظهور (مهندسين) مقابل كل (مهندس) يتم اغتياله، بدأت عمليات اغتيال القيادات السياسية. ومع اغتيال الشيخ أحمد ياسين، تصل الاغتيالات إلى القيادات الدينية. لا يؤمن أحد في الجهاز الإسرائيلي، ولا حتى شارون، بأن عملية اغتيال الشيخ ستقلص الإرهاب. هذا الأمر لا ينطوي على استراتيجية معينة، وإنما هو نتاج الإحباط المرير وازدياد صعوبة النظر في عيون الناخبين. مقابل ذلك كله، هناك الكثير من المخاطر: التخوف من اشتعال هبة شعبية أخرى على شاكلة تلك الهبة التي نزلت علينا بعد قضية النفق، وبعد زيارة شارون إلى الحرم القدسي. وهناك التخوف من وقوع عملية كبرى، والتخوف من اندلاع حرب دينية، إسلامية - يهودية، والتخوف من التعرض للجاليات اليهودية، من إسطنبول وحتى بوينس آيريس. الشيخ ياسين يتحمل المسؤولية عن موت مئات اليهود في حياته، والسؤال الذي يجب أن يقلقنا الآن، هو كم عدد اليهود الذين سيقتلهم بموته؟ * كاتب إسرائيلي (عن يديعوت أحرونوت)