في الفترة المعاصرة من تاريخ الشعر الشعبي , بذل الكثير من المحاولات الفردية للخروج بالنص الشعبي , من محيط تواجده في المملكة والخليج , ونظرا ً لأن الكثير من هذه المحاولات كانت تتسم غالبا ً بالفوضى والاندفاع , وبالتزوير و الالتفاف في جزء منها , لذلك جاءت كلها بنتائج عكسية كرست رفض النص الشعبي حتى ممن يتعاطفون معه , ونظرا ً لأن من يمارسون هذه المحاولات كانوا يركزون على الشاعر على حساب الشعر , فإن محاولاتهم العرجاء كانت تفقد قوة دفعها بمجرد خروجها من دائرتها الضيقة , التي لا تتجاوز في أحسن الظروف مطبوعة مسترزقة أو مجموعة منتفعة من صغار كتبة الصحافة الشعبية , المشهود لهم بضعف الرؤية الإعلامية , وبالقصور الفاضح في رؤاهم الأدبية , لذلك بقي النص الشعبي حبيس بيئته الخليجية , وتناثرت حول هذه البيئة الضيقة مؤشرات ضعيفة على تجاوزه لهذه الحدود , ولكنها مؤشرات واهنة لا تتجاوز إشادة عابرة قالها أديب عربي بحق هذا النص أو ذاك على سبيل المجاملة فالتقطتها الصحافة الشعبية و أقامت عليها أهرامات من النفاق والكذب , أو أمسية أقيمت في إحدى العواصم العربية , تحت ظروف ٍ غير أدبية ولأهداف تنظيمية تقع غالبا ً خارج مظلة الشعر . كممارس لكتابة النص الشعري بشكليه الفصيح والشعبي , فقد كان لدي يقين إن العلة ليست في النص الشعبي , لكنها في النص المسوق خارج بيئته لأنه لم يكن النص الأجمل في يوم من الأيام , لذلك بقي هذا النص المسوق خارج الحدود غير قادر ٍ على الوقوف بجانب أشعار الشعوب الأخرى المكتوبة باللهجات الشعبية بالرغم من الإمكانيات الشعرية الهائلة للشعر الشعبي لدينا , بل انه أي النص الشعبي أخذ يفقد الكثير من حضوره المحترم حتى داخل بيئته المتفهمة لأبعاده الجمالية , وأصبح يجرجر إلى الأماكن المسكونة بالجهل و التخلف تحت سطوة وهيمنة الكثير من الممارسات غير المسئولة , حتى أصيب النص الشعبي بانتكاسة كانت متوقعة , وكأن الخروج من هذه الانتكاسة أشبه بالحلم للموجوعين من تردي حال الشعر , والذي جاء بعد طول انتظار و على طريقة ( الفرج بعد الشدة ) من خلال تجربة الأمير / خالد بن سعود الكبير , الذي أقام بينه و بين الإعلام المرتزق سدا ً منيعا ً وبينه وبين الإعلام الملتزم مساحات مكشوفة تتسم بالشفافية والوضوح , مما جعل حضوره في الإعلام الشعبي مقننا ً إلى درجة أن من يعرفون قيمة شاعريته , كانوا يشفقون على نصه المسجون خلف احترامه لذاته وقناعاته الأدبية الرفيعة التي ترى أن الإنصاف من فاقد القيمة لا قيمة له , و أن الإنصاف الحامل للقيمة الأدبية والاعتبارية قادر على نسف الكثير من المغالطات و إعادة ترتيب الأوراق حتى و إن تأخر مجيئه , وهذا ما حدث لنص أوبريت (عرين الأًسد) الذي كتبه الأمير / خالد والذي دخل مكتبة الكونجرس الأمريكي قبل أسبوعين , وهذا الخروج من الإقليمية والدخول إلى فضاء العالمية إنصاف لشاعريته , ورد اعتبار للتجربة الشعبية التي عانت من الدفع بها في دروب الضياع , وهو قبل ذلك إنجاز مهم يجير للمملكة العربية السعودية وللحرس الوطني ولمهرجان الجنادرية , خصوصا ً وان هذا المكسب الأدبي الرفيع يأتي في ظروف ٍ دولية قادرة على تحجيم قبول مثل هذا العمل , ولكنه الإبداع والتميز القادر على تجاوز كل المعوقات التي قد تقف في طريقه . التهنئة لبلدي الحبيب .. وللحرس الوطني ولمهرجان الجنادرية .. وتهنئة خاصة لسمو الأمير خالد بن سعود الكبير الذي كسب الجولة واثبت أن السائر على الطريق الصحيح لابد أن يصل .. التهنئة موصولة للملحن الكبير محمد المغيص ولزملائه الفنانين . ختاما ً هل سيعد المتكالبون على الضوء من شعراء الساحة إعادة منهجية حضورهم في إعلام هو الآخر مطالب بالعمل وفق مبدأ (السيادة للنص) بدلا ً من (نص السيادة ) الذي دمر الشعر وشوه جماله . هل تستفيد التجربة الشعرية وإعلامها المضلل من هذا الإنجاز ويعاد ترتيب المشهد العام , ليعود للشعر وقاره وهيبته , أم أن قطار الإصلاح قد غادر المحطة . شخصيا ً أتوقع أن القطار قد غادر المحطة منذ زمن ٍ طويل وأن المحطة قد هدمت.