تتضافر العديد من الإشكاليات ما بين اقتصادية و سياسية و عرقية لتتعقد مشكلة إقليم « آبيي « ما بين سودانيين « شمالا» و الوليد « جنوبا» ، لتتخلق مشكلة « كشمير « أخرى في السودان ، و مع العد التنازلى زمنيا لحلول موعد الانفصال رسميا ، و الذي لم يتبق عليه سوى نحو شهرين ، حيث ستنطلق رسميا الاحتالفية بالانفصال يوم 9 يوليو المقبل ، يتصاعد النزاع بين الطرفين . و قد شهدت الأيام القليلة الماضية مؤشرات عديدة على التصعيد بين الطرفين ، قد تقود بحسب مراقبين إلى تجدد شبح الحرب الأهلية بين الطرفين ، غير متفائلين بأن تلك الحرب في حال اشتعال فتيلها ستكون أسوأ مما كانت عليه قبل توقيع اتفاق نيفاشا ، و من أبرز تلك التصريحات و التي ردها أكثر من مسؤول سوداني بعد الرئيس عمر البشير ، هو أنه لن يكون هناك اعتراف شمالي بالجنوب السوداني الجديد في التاسع من يوليو المقبل حيث يحل موعد الاحتفال رسميا بالانفصال الذي جاء بعد استفتاء معترف دوليا و إقليما و محليا به. اشتباكات بين الفريقين ولكن حدة التصريحات التي جاءت من الشمال ، وإن أغضبت الجنوبيين، إلا أن مسؤلاً جنوبيا، يقلل في حديث مع « اليوم « من أهميتها ، في حين يرى مراقبون أن الأفدح من ذلك هو فعليا ، شبح الحرب الذي بدأ يطل برأسه على الإقليم ، فالنزاع بدأ يحصد الأرواح هنا و هناك ، فتسقط الضحايا بين القبيلتين الرئيسيتين الدينكا نوق و المسيرية ، و بين فرق عسكرية تابعة للجنوب و فرق تابعة للشمال ، تتسحب إلى الإقليم بغرض فرض السيادة عليه . و كانت أبرز المؤشرات على تلك الحالة من النفير بين الفريقين ما عبر عنه بيان صدر قبل أيام عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، حذر فيه و استنكر اشتباكات بين الفريقين على أرض الإقليم ، و دعا الطرفان إلى عدم إعلان السيادة على الإقليم من جانب واحد ، مشيراً إلى أن ذلك قد يهدم محاولات حل النزاع بينهما سلميا ، و مشدداً على أن المواجهة العسكرية غير مقبولة « . و لا يختلف اثنان على طبيعة النزاع بين الفريقين ، كونه سياسي اقتصادي بالدرجة الأولى بين الشمال و الجنوب ، لكن في الإقليم نفسه هناك حسابات أخرى ، كما يقول الباحث السوداني المتخصص في الشؤون السياسية عبد حماد في مقابلة مع « اليوم « ، إذ يرى أنه « مهما تعددت السياقات المختلف عليها لتسويق النزاع بين الطرفين فإنه لو استمر الحال على ما هو عليه فمن المؤكد أن الحرب هي النتجية المتوقعة «. و يقول حماد في جوهر الإشكالية الاقتصادية إن قبيلة المسيرية لا تنظر إلى عوائد النفط الهائلة و المهولة و التي يعتبر فيها الإقليم – آبيي – من أغنى أقاليم النفط في العالم ، لكن من المؤكد أن ثقافة الرعي وحاجته كمصدر وحرفة أساسية منذ مئات السنوات في مجتمع قبلي عرقي هي أهم من الذهب الأسود « البترول « لديهم . كما لم يكن بين المسيرية و الدينكا أي خلاف في يوم من الأيام قبل بروز هذا النزاع إذ أن التشابك بينهما الذي وطدت له علاقات المصاهرة بين الفريقين ، فضلا عن الملامح الواحدة كانت تجعل من الصعوبة التمييز بينهما ، لكن اليوم انفضت تلك العلاقة و هلت بوادر الحرب لأن الأطراف السياسية الحاكمة تريد توظيف علاقاتها ، كل منهم بمن يرتبط معه لتوظيف تلك العلاقة سياسياً . و لم تفلح محاولات متكررة لطرح حل وسط بين الفريقين لتجاوز الأزمة ، مهما حاولت من تقديم حلول وسط ، كان من بينها أن تحصل تلك القبائل على جنسية مزدوجة من الشمال و الجنوب حتى تتمكن من الحركة و بالتالي يكون هناك خصوصية لهم تحد من تحركاتهم في مواطن الرعي ، أيضاً هناك حالة من عدم الرضا على أن تمر أنابيب النفط إلى البحر الأحمر عبر الشمال مع الحصول على مقابل لذلك للجنوبيين خاصة و أن الشمال فقير نفطيا مقارنة بالجنوب . حق الجنوب و بين تلك السياقات المتعددة يتوقع حماد المزيد من التصعيد ، و يقول هناك محاولات لتقديم تنازلات تتعلق بملفات أخرى ، فدخل على الخط ملف المياه الذي في حال حدوث تصادم سيؤثر في الحصة الشاملة ، و الدولة التي ستنشأ فى الجنوب ستطالب بحصة من المياه التي تقدر بما يزيد عن 18 مليار متر مكعب ، رغم وجود مياه كثيرة في مستنقعات الجنوب و تميزها طبيعيا بالأمطار عن الشمال ، و لكن في حالة الخلافات ستسخن تلك الملفات أكثر . و يتهم ميجور ديج السكرتير السياسي فى الحركة الشعبية في مقابلة « اليوم « حكومة المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم في الشمال – بتأجيج الخلاف ، و يقول إن الأوراق السياسية و التاريخ يجعلان إبيى من حق الجنوب ، ويضيف « الهم الأكبر لهم في الشمال هو النفط ، ومن المعروف أن إبيى كانت تحت راية الشمال إدرايا فقط بالنظر لقربها من دوائر العمل مثل الضرائب و غيرها لقربها من رئاسة الشمال «.
طاولة المفاوضات ضرورية في الوقت الراهن من جانبه دعا السفير سمير حسني مدير إدارة أفريقيا بالجامعة العربية شريكي اتفاق السلام الشامل السوداني، حزب المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، لاحتواء قضية ابيى المتنازع عليها والاحتكام إلى المرجعيات القانونية التى تسهم فى حل القضية بصورة سلمية. موضحا حرص الجامعة العربية على دعم كل من الشمال والجنوب، ان تكون العلاقة بين الشمال والجنوب علاقة اخوية وجوار تقوم على اساس المصالح المشتركة والامن المتبادل وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية على النحو الذى يعزز فرص الامن والاستقرار وامكانية ان يكون هناك علاقات طبيعية يساند كل منهما الاخر ويتكامل كل منهما مع الاخر لما فيه مصلحة البلدين. وأعرب حسني عن امله فى ان تكون التوترات فى ابيى بين الشريكين مؤقتة وان يتم التوصل لحلول من شأنها ان تنهي هذه التوترات وان تكون المرجعية في اي خلاف هي بروتوكول ابيى واتفاق السلام الشامل على النحو الذى يكرس عدم اللجوء الى الحرب ويكرس الالتزام بالسلام والتوافق، ولابد من بذل جهود لاحتواء هذه المواقف والتهدئة والاحتكام الى المرجعيات القانونية. فيما دعا الدكتور محمد إبراهيم منصور مدير وحدة دراسات المستقبل بمركز معلومات مجلس الوزراء المصري طرفي النزاع السوداني الجنوب والشمال الى الاحتكام لطاولة المفاوضات بشأن النزاع حول منطقة أبيي، وعدم لجوء أي من الطرفين لإعلان السيادة على المنطقة الغنية بالنفط من جانب واحد. موضحا أن الحديث عن حشود عسكرية باسلحة ثقيلة من الجانبين جنوب وشمال السودان غير مقبول ويثير القلق بشدة من احتمالات تجدد مواجهة عسكرية ربما تحرق الأخضر واليابس هذه المرة. أضاف الدكتور منصور أنه يجب على قيادات حزب المؤتمر الوطني (الشمالي) والحركة الشعبية لتحرير السودان (الجنوبية) الكف عن اي اعلانات من جانب واحد فيما يتعلق بملكية منطقة ابيي لانها تهدد البحث عن حل سلمي، وأن على الجانبين الامتناع عن استفزاز بعضهما البعض او الاشتباك في اي مواجهة عسكرية في ابيي تجنبا للقتال وسقوط ضحايا ربما تؤثر بشدة على العلاقة المستقبلية بين الشمال والجنوب، مشيرا إلى أن الحل الأمثل يكمن في ضرورة اللجوء لخيار المفاوضات بشأن ابيي والاتفاق النهائي بشأن مصيرها يجب ان يكون وفقا للحلول السلمية. من جانبه أكد نصر الدين كشيب رئيس مكتب الحركة الشعبية لجنوب السودان في القاهرة أن الحركة ملتزمة باتفاق السلام، ومتمسكة بتنفيذ بروتوكول ابيي، وإنه في حال رفض حزب المؤتمر الوطني في شمال السودان تنفيذ بروتوكول أبيي واراد الحرب فمرحبا بها. موضحا أن حزب المؤتمر الوطني يراوغ للتهرب من التزامات تنفيذ بروتوكول ابيي، وأن الوضع الانساني في ابيي سيئ للغاية، خاصة وأن المنطقة الغنية بالنفط قد تعرضت للنهب والحرق، ولم يرق الدعم الإنساني من الخرطوم للمتضررين للمستوى المقبول. وقال كشيب إن موقف الحركة الشعبية واضح وأعلنه الرئيس سلفا كير بأنه (لا تفاوض ولا مساومة) بشأن النزاع في منطقة ابيي، محذرا من استمرار حكومة حزب المؤتمر الوطني في تأجيج الاشتباكات داخل أبيي واحتمالات تفاقم الوضع الإنساني بالمنطقة. موضحا أن الحركة لا تسعى لإشعال نار الحرب، لكنها بالمقابل سوف تدعم حقوق المواطنين في ابيي. واضاف كشيب أن الحركة ترفض بشدة ما جاء في خطاب الرئيس البشير رئيس المؤتمر الوطنى بولاية جنوب كردفان وتضمنت تهديدات بعدم الاعتراف بالجنوب حال ضم منطقة أبيي، موضحا أن كلام البشير يعد تنصلا من تعهداته السابقة في الاعتراف بدولتهم.
الدولة الجديدة ستولد علاقات شائكة بين الطرفين أما القنبلة التى فجرها الرئيس البشير بأنه قد لا يعترف بالجنوب السوداني خلال الأسابيع المقبلة في الاحتفال الرسمي ، ما يعني أن الدولة الجديدة ستولد بعلاقات شائكة بين الطرفين، فيرى ديج أنه «في حالة حدوث ذلك فهذا سيكون قرارهم وإما ، سيكون هذا الاعتراف مسألة برتوكولية أكثر منها سياسية. فالاعتراف جرى بنتائج الاستفتاء التي جاءت بنسبة ساحقة تؤيد استقلالنا في الجنوب ، وعدم الاعتراف لن يؤثر .. انتهى الامر، وهناك أكثر من 40 دولة اعترفت قانونا بالاستفتاء وبالدولة الجديدة، لكنها ستبقى نظرة شؤم من الشمال سيتحمل هو عواقبها». الدكتور أكرم حسام الباحث المتخصص في الشئون السودانية في المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط الذى قدم أكثر من ورقة بحثية حول تلك القضية، فيقول تعقبيا في مقابلة مع «اليوم» الأمر سيضيف المزيد من الصعوبات بالنظر الى صعوبة عملية التسوية بين الجانبين رغم الحلول التي عرضتها الأممالمتحدة والعديد من الأطرف الدولية ، وفعليا ستكون لدينا مشكلة مع تأجيل الحل الى ما بعد 9 يوليو المقبل ، فكل طرف منهما يحاول الرهان في المرحلة الحالية على سياسية فرض الأمر الواقع من خلال السيطرة على الأرض وهو ما يفسر ظهور قوات عسكرية ومليشياتية من الجانبين فى ابيي. ومن المنتظر عدم الاتفاق على سحب تلك القوات وفقا للنداء الأخير بسحبها.
الواقع يقول: إن الطرف الرئيس في الأزمة وهم المسيرية والدنيكا نوق مهمشون من الحل الحقيقي للأزمة ويشير حسام الى أن الواقع يقول : إن الطرف الرئيس في الأزمة وهم المسيرية والدنيكا نوق مهمشون من الحل الحقيقي للازمة ويتم توجيههم من الصراع. فعلى سبيل المثال ترى قبيلة المسيرية أنها ترفض فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2009 وترى ان حق الرعي أولى لها من أى شيء ، وتقول: إن القبيلة لم تمثل في الوفد الذي ذهب الى لاهاي. كما لم يتم الدخول في أي حوار أو مفاوضات مع مشايخ القبيلة ، وبالتالى لم يؤخذ برأيها ومن المنتظر رفض أي قرار مستقبلي لتسوية الصراع من جانب المسيرية الموجودين على الأرض وهو ما يعقد اى حل سياسي. الشمال يلوح بعدم الاستقرار في الجنوب خوفا من استقواء الأخير بدول أفريقية تجعل لديه أوراقا أفضل في يديه من الشمال، وعليه لا يرى المؤتمر الوطني أن استقرار الجنوب مطلوب، لأن تلك الأوراق التي ستكون في يد الجنوبيين ستجعل منها أكثر نفوذا في الصراع. كما يضيف الباحث الذى يرى أن قراءة مستقبل الصراع ومعظم التقارير التي أعدت تشير إلى أن أبيي ستتحول الى كشمير هند باكستان. ومن المتوقع ان تبقى نقطة خلاف بين الطرفين والثمن المدفوع من اى طرف لن يكون مقبولا لدى الآخر. فالتقسيم جعل جنوبا غنيا بالنفط والمياه، وشمالا لن يرضى بهذا الحرمان، خاصة أن معظم الآبار التي تضخ عبر البحر الأحمر معرضة للنضوب خلال ال « 20» سنة المقبلة، وهو ما يجعل من الجنوب متخوف من نضوب ثروته، ويرى في أبيي خزان الثروة المستقبلى وليس حقيقا القول: إنهم لا يريدون والا لما تعقدت الامور الى هذا الحد. على صعيد متصل دعا عدد من السفراء والدبلوماسيين وخبراء استراتيجيين عرب إلى ضرورة احتكام طرفي النزاع السودان الجنوب والشمال إلى طاولة المفاوضات بشأن منطقة ( ابيي)، حيث يحذر السفير عبد الرحمن سر الختم سفير السودان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية من اتخاذ أية خطوة أحادية الجانب لضم أبيي إلى جنوب السودان، تجنبا لما قد تؤدي إليه من اندلاع حرب، موضحا أنه لا يوجد هناك أحد يريد الوقوع مجددا في الحرب، مشيرا إلى أن حكومة البشير أعلنت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال ضم الجنوبيون منطقة أبيي المتنازع عليها وربما أدى الأمر إلى رفض الاعتراف بجنوب السودان كدولة مستقلة.