مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستؤدي شبكة الإنترنت إلى موت الأدب؟
مستقبل الكتاب ..
نشر في اليوم يوم 08 - 03 - 2004

كان هذا المكان في الماضي، كما هو في الحاضر، وكما سيكون في المستقبل، مكرسا للحفاظ على الكتب، وبالتالي فإنه يعتبر، وسيعتبر كذلك في المستقبل، معبدا للذاكرة النباتية. فالمكتبات كانت عبر القرون وسيلة مهمة للحفاظ على الحكمة الجماعية. وكانت ومازالت نوعا من العقل الكوني الذي يمكننا من خلاله استعادة ما نسيناه أو معرفة ما نجهل من الامور أو المعلومات. ولو سمحتم لي أن استخدم هذه الاستعارة، فإن المكتبة هي أفضل ما صممه العقل البشري، حيث تري فيها الكون بأكمله وتفهمه في ذات الوقت، فالإنسان الذي سيستطيع أن يخزن في عقله كل المعلومات التي تقدمها له مكتبة عظيمة يمكنه بصورة ما أن يفهم الكون. أي إننا قد اخترعنا المكتبات لأننا نعرف أننا لانتمتع بقدرات إلهية ولكننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نحصد المعرفة.
وان عملية بناء، أو لنقل إعادة بناء، واحدة من أعظم المكتبات في العالم قد تبدو تحديا كبيرا، فالمقالات التي تنشرها الصحف والأبحاث التي يقدمها بعض الباحثين الاكاديميين تتحدث كثيرا عن احتمال موت الكتاب وذلك في مواجهة عصر الكمبيوتر والإنترنت.
فلو كان لزاما علي الكتب أن تختفي، مثلما حدث لألواح الطين والمسلات التي تنتمي لحضارات عصور سحيقة لكان هذا سببا وجيها لإلغاء المكتبات. ولكن العكس صحيح فالكتب يجب ان تحيا كمتاحف تحفظ انتاج الماضي، تماما مثلما نحتفظ الآن في أحد المتاحف بحجر رشيد فقط لأننا لم نعد نحفر وثائقنا ونصوصنا على أسطح معدنية، كما أن الإعجاب الذي أكنه للمكتبات سيحمل قدرا كبيرا من التفاؤل، وذلك لأنني أنتمي إلى تلك الحفنة من الناس التي مازالت تعتقد أن للكتاب المطبوع مستقبلا، وأن جميع المخاوف المتعلقة باختفائه ما هي إلا مثال آخر لبعض المخاوف المرعبة المتعلقة بانتهاء شيء ما، بما في ذلك انتهاء العالم.
ولقد كان لزاما علي في العديد من المقابلات أن أجيب عن أسئلة مثل: هل ستؤدي الوسائط الإلكترونية الجديدة الي موت الكتاب أو انقراضه؟ هل ستؤدي شبكة الإنترنت إلي موت الأدب؟ هل ستقضي حضارة النصوص ذات الروابط التي نجدها علي شبكة الإنترنت (hypertexts) على فكرة (التأليف)؟ وكما ترون حضراتكم، لو كنتم تتمتعون بعقل طبيعي متزن فإن هذه أسئلة مختلفة، واذا أخذتم في المرء يشعر أن المحاورين في هذه المقابلات أو اللقاءات يشعرون بالطمأنينة اذا كانت الاجابة صلا، اطمئنوا، الأمور علي ما يرام'. ولكن هذا خطأ، فلو أخبرتهم أن الكتب والأدب ومفهوم صالتأليف' لن تختفي، فسيبدو عليهم القلق. أين إذن السبق الصحفي والإثارة الصحفية؟ والواقع إنك اذا نشرت أن أحد الحاصلين علي جائزة نوبل قد توفي فإنك تصنع خبرا. أما اذا قلت إنه بخير ومازال علي قيد الحياة، فهذا الخبر لايهم أحدا إلا الشخص ذاته فيما أعتقد.
ودعونا نبدأ بقصة مصرية علي الرغم من أن من يرويها أحد اليونانيين، فكما قال أفلاطون في Phaedrus عندما قدم هرميس الذي يقال انه قد اخترع الكتابة، هذا الاختراع إلى الفرعون أثنى الفرعون على هذا الاسلوب غير المسبوق الذي من المفترض أنه يسمح للانسان أن يتذكر ما قد ينساه اذا لم يتم تسجيله كتابة. ولكن الفرعون لم يكن سعيدا للغاية وقال صيا هرمس الماهر، إن الذاكرة هبة عظيمة يجب ان نحافظ عليها عن طريق التدريب المستمر، أما طبقا لاختراعك فان الناس لن يضطروا إلى تدريب ذاكرتهم بعد الآن، لأنهم سيتذكرون الأشياء بسبب مساعدة اداة خارجية لابسبب جهد داخلي يقومون به.
ويمكننا أن نفهم قلق الفرعون هذا، فالكتابة، مثلها في ذلك مثل أي اختراع تكنولوجي جديد، يمكن أن تؤدي إلي تقليص القدرة البشرية التي تتظاهر أنها تحل محلها أو تدعمها. فلقد كانت الكتابة تمثل خطرا ما لأنها قلصت قدرة العقل البشري عن طريق تقديمه للإنسان كروح مجمدة في صورة كاريكاتير، أو على شكل ذاكرة معدنية.
وبالطبع فإن نص أفلاطون نص ساخر، فلقد كان أفلاطون يعبر عن رفضه للكتابة، ولكنه كان يتظاهر بأن هذه الرؤية قد قدمها سقراط الذي لم يكتب (وذلك لأنه لم ينشر أعماله حيث انه لقي حتفه في اثناء معركته الأكاديمية.
ولايحمل أحد اليوم الهم الذي أرق الفرعون وذلك لسببين بسيطين. أولا، إننا نعرف أن الكتب ليست وسيلة تجعل الآخرين يفكرون نيابة عنا، فالعكس هو الصحيح لأن الكتب عبارة عن آليات تؤدي إلي إثارة المزيد من الأفكار. فإنه فقط بعد هذا الاختراع الذي يسمي صالكتابة' لا اعتبار للشعور بالخوف الذي نتجت عنه مثل هذه الأسئلة، فإنه أصبح من الممكن أن تتم كتابة عمل رائع يصور الذاكرة العفوية مثل رائعة بروست (البحث عن الزمن الضائع)
أما السبب الثاني فيتمثل فيما يلي، لو كان الناس قد احتاجوا في توقيت ما أن يدربوا ذاكرتهم علي تذكر الكتب، فالكتب تتحدي الذاكرة وتزيد من حدتها ولاتدمرها.
ولكن الفرعون في تلك القصة كان يعبر عن خوف أبدي: الخوف من أن يؤدي أي نجاح تكنولوجي جديد إلي قتل شيء كنا نعتبره في الماضي غاليا ومثمرا.
ولقد استخدمت الفعل (يقتل) هنا عمدا، وذلك لأنه منذ أربعة عشر قرنا قدم لنا فيكتور هوجو في روايته (أحدب نوتردام) قسا يدعى كلود فرولو وهو ينظر بحزن إلى أبراج كاتدرائيته، وتدور أحداث هذه الرواية في القرن الخامس عشر بعد اختراع الطباعة. وقبل هذا التاريخ كانت المخطوطات تحفظ لتستخدمها الصفوة من المتعلمين، وكانت الوسيلة الوحيدة لتعليم العامة قصص الكتاب المقدس وحياة المسيح والقديسين والمباديء الاخلاقية بل وأحداث التاريخ القومي وبعض المفاهيم الأساسية في الجغرافيا والعلوم الطبيعية (مثل طبيعة الشعوب المجهولة بالنسبة لهم أو خصائص الأعشاب والصخور) تتمثل في صور الكاتدرائية، فلقد كانت الكاتدرائية في العصور الوسطي بمثابة برنامج تليفزيوني ثابت منوط به تعريف الناس بكل الأمور التي لاغني عنها في حياتهم اليومية وكذلك في سعيهم نحو الخلاص الابدي.
وفرولو لديه الآن كتاب مطبوع أمامه علي الطاولة ويردد هامسا: سيقتل هذا ذاك (أي سيقتل الكتاب الكاتدرائية، ستقتل الأبجدية الصور) فالكتاب سيصرف أنظار الناس واهتمامهم عن القيم المهمة كما أنه سيشجع وجود المعلومات غير الضرورية والتفاسير الحرة للكتاب المقدس وكذلك الفضول المجنون.
وفي الستينات كتب جالكسي مارشان (مجرة جوتنبرج) الذي أعلن فيه أن التفكير الأفقي الذي كان قد دعم وجوده اختراع الطباعة قد أصبح مهددا بالاستبدال بوسيلة أخرى للإدراك والفهم أكثر عالمية تقدمها الصور في التليفزيون والآلات والأجهزة الإلكترونية الأخري. واذا كان ل (ماكلهان) لم يشر بإصبعه إلى جهاز التليفزيون ثم إلى كتاب مطبوع ولم يقل: (هذا سيقتل ذاك) فإن الكثيرين من قرائه قد فعلوا ذلك.
ولو كان ل (ماكلهان) أن يبقي معنا وقتا أطول لكان أول من يكتب عملا يحمل عنوانا مثل: Gutenberg Strikes Back (جوتنبرج يرد). حقا ان الحاسب الآلي (الكمبيوتر) هو جهاز يستخدم لانتاج صور ثم تعديلها، وحقا يقدم هذا الجهاز التعليمات عن طريق أيقونات، ولكن هذا الجهاز قد أصبح كذلك أداة أبجدية، أكثر من كونه أي شيء آخر. فعلى شاشته تجد الكلمات والسطور، كما أنك يجب أن تكون على دراية بالقراءة والكتابة حتى تستطيع أن تستخدم جهاز الحاسب الآلي.
فهل هناك فرق بين مجرة جوتنبرج الأولي ومجرته الثانية؟ نعم، هناك العديد من الفروق. أولا، لقد كانت مجرة جوتنبرج أول معالج كلمات أثري ينتمي إلى الثمانينات من القرن التاسع عشر ويقدم نوعا من التواصل المكتوب الأفقي. ولكن أجهزة الحاسب الآلي التي نراها اليوم تقدم ما هو أكثر من التواصل الأفقي، وذلك لأنها تقدم تركيبا لنصوص ذات روابط.
ومن الأمور الجديرة بالذكر هنا أن الحاسب الآلي عندما ظهر في الوجود لأول مرة كان عبارة عن آلة تستطيع فقط أن تقوم بخطوة واحدة تلو الأخرى. وفي واقع الأمر فان هذا الجهاز مازال يعمل بنفس الطريقة على مستوى لغاته الأساسية، أي يعمل على أسس ثنائية، عبارة عن صفر واحد ثم صفر واحد وهكذا. ولكن مخرجات هذا الجهاز ليست مخرجات أفقية، فهي عبارة عن انفجار ألعاب نارية سميوطيقية، ونموذج هذه المخرجات ليس نموذجا أفقيا ولكنه عبارة عن نموذج مجرة حقيقية يمكن لكل فرد أن يصنع روابط غير متوقعة بين نجومها لتكوين صور سماوية جديدة مع كل بحث جديد.
وعند هذه النقطة بالضبط يجب أن تبدأ عملية الكشف التي نهتم بها هنا، وذلك لأننا نعني ظاهرتين مختلفتين تماما عندما نتحدث عن تركيب النصوص ذات الروابط الإلكترونية.
استخدام الروابط في داخل النص التقليدي ففي كتاب تقليدي على المرء أن يقوم بالقراءة من اليسار إلى اليمين (أو من اليمين إلى اليسار أو من أعلى إلى أسفل وذلك طبقا للثقافات المختلفة) في شكل أفقي. ويمكن للمرء بالطبع أن يقفز عبر الصفحات فبعد أن يصل إلي الصفحة رقم 300 يمكنه أن يعود لقراءة شيء ما أو للتحقق من أمر ما في الصفحة رقم 10 ولكن مثل هذا العمل يتضمن مجهودا بدنيا. أما النص الذي يحتوي علي روابط إلكترونية فهو عبارة عن شبكة متعددة الأبعاد أو متاهة يمكن لكل نقطة فيها أو لأي طرف أن يلتقيا مع أي نقطة أخرى أو طرف آخر.
النصوص ذات الروابط التي توجد في إطار ما: وتعد شبكة الإنترنت العالمية (www) أم جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية، فهذه الشبكة عبارة عن مكتبة تغطي العالم وتنتشر فيه بأسره، ويمكنك عن طريقها وفي وقت قصير أن تحصل علي كل الكتب التي ترغب في الحصول عليها. فشبكة الإنترنت هي النظام العام الذي يحوي في إطاره جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية الموجودة في العالم.
وإن هذا الفرق بين (النص) و(النظام) هو فرق مهم للغاية، وسنعود للحديث عنه بعد لحظات، أما الآن فدعوني أتعامل مع أكثر الأسئلة التي تطرح في هذا الصدد سذاجة حيث ان هذا الفرق غير واضح بعد في هذا السؤال، ولكن الإجابة عن هذا السؤال الأول ستمكننا من توضيح النقطة التالية التي نعنى بها.
ولكن حتى هذا السؤال قد يؤدي إلى شيء من الخلط. حيث إنه يمكن صياغته علي نحوين مختلفين: أ) هل الكتب كأشياء مادية ستختفي؟ ب) هل الكتب كأشياء افتراضية ستختفي؟
ودعوني أولا أجيب عن السؤال الأول.
إنه حتي بعد اختراع الكتابة لم تكن هي الوسيلة الوحيدة التي نحصل منها على المعلومات.. فلقد كان هناك كذلك اللوحات والصور المطبوعة المنتشرة والتعليم الشفهي و غيرها، ولكن الكتب قد أثبتت أنها أكثر المصادر ملاءمة لنقل المعلومات.
وهناك نوعان من الكتب: تلك التي نقرأها وتلك التي نرجع إليها، وبخصوص تلك الكتب التي نقرأها فإن الاسلوب الذي نتبعه معها يمكنني أن أصفه على أنه يشبه قصة بوليسية، فإنك تبدأ قراءة الصفحة رقم 1 التي يخبرك فيها الكاتب أنه قد تم ارتكاب جريمة، ثم تتتبع جميع مسارات البحث حتي النهاية، وفي النهاية تكتشف أن المجرم هو كبير الخدم، وهذه هي نهاية الكتاب كما أنها نهاية عملية القراءة . ولتلاحظوا هنا أن مثل هذه العملية تحدث حتي عندما تقرأ مقالا فلسفيا، فالكاتب يريد منك أن تفتح الكتاب على صفحته الاولى وأن تتتبع سلسلة من الأسئلة التي يطرحها لترى ما إذا كان قد خلص إلى إجابات محددة عنها، وبالطبع فإن الباحثين يمكنهم أن يعيدوا قراءة هذا المقال عن طريق القفز من صفحة إلى أخري في محاولة لتحديد العلاقة بين مقولة طرحت في الفصل الأول وأخرى قدمت في الفصل الأخير. كما يمكنهم أيضا أن يحددوا جميع الأماكن التي ورد بها ذكر كلمة (أفكار) مثلا في عمل ما، وبالتالي فإنهم بذلك يقفزون عبر مائة صفحة من أجل أن يركزوا فقط على الأجزاء أو الفقرات التي تتناول هذا المفهوم، ولكن أسلوب القراءة هذا اسلوب قد يعتبره العامة اسلوبا غير مألوف أو مفتعل.
ثم هناك الكتب التي نرجع إليها، مثل المراجع والموسوعات، فالموسوعات قد تم إعدادها لنرجع إليها دائما لا لنقرأها بأكملها. فالشخص الذي يقرأ الموسوعة البريطانية قبل أن يذهب إلي النوم مثلا يعد بالقطع شخصية كوميدية، فعادة ما يختار المرء أحد مجلدات الموسوعة ليعرف أو ليتذكر تاريخ وفاة نابليون أو كيفية تركيب حمض الكبريتيك، أما الباحثون فيستخدمون الموسوعات بطريقة أكثر تعقيدا، فمثلا لو كنت أريد أن أعرف ما إذا كان ممكنا لنابليون أن يكون قد إلتقي بكانط، يكون علي أن أذهب إلي المجلد (كاف) والمجلد (نون( من مجلدات الموسوعة، وعندئذ سأكتشف أن نابليون قد ولد في 1769 وتوفي في 1821، أما كانط فقد ولد في 1724 وتوفي في 1804 اي عندما كان نابليون امبراطورا بالفعل.. وبالتالي فإنه ليس من المستحيل ان يكونا قد التقيا، وربما يكون علي ان اراجع سيرة حياة كانط او نابليون ولكن في سيرة مختصرة لحياة نابليون الذي التقى بالعديد من الشخصيات ربما لايأتي ذكر للقاء يكون قد تم بينه وبين كانط، اما في سيرة لحياة كانط فيجب ذكر لقائه بنابليون، لو ان هذا اللقاء كان قد تم بالفعل. وفي هذه الحالة يجب علي ان اتصفح كتبا كثيرة فوق ارفف عديدة في مكتبتي، ويجب ان اقوم بكتابة بعض النقاط لاقارن لاحقا بين جميع البيانات التي قد جمعتها، وبالتالي فإن مثل هذا العمل سيكلفني مجهودا بدنيا مؤلما.
اما لو كان لدي نص ذو روابط الكترونية فإنني أستطيع أن أبحث واتجول في جميع أنحاء الموسوعة، ويمكنني أن أربط بين حدث يأتي ذكره في البداية وأحداث اخرى مشابهة له يأتي ذكرها عبرالنص، ويمكنني ان أقارن بين البداية والنهاية، كما يمكنني أن أعطي أمرا بتكوين قائمة بجميع الكلمات التي تبدأ بحرف (ألف) أو بجميع المواقف والأحداث التي يأتي فيها ذكر اسم نابليون مرتبطا باسم كانط، ويمكنني أن أقارن بين تاريخ ميلاد كل منهما وتاريخ وفاته، اي انه يمكنني القيام بمهمتي في غضون ثوان أو دقائق معدودة. وإن النصوص ذات الروابط الإلكترونية ستؤدي حتما الى اختفاء الموسوعات والمراجع، فبالأمس كان من الممكن الحصول على موسوعة كاملة في قرص مضغوط، اما اليوم فقد اصبح من الممكن الحصول على هذه الموسوعة على شبكة الانترنت عند الاتصال بها، مع ميزة انها تسمح لنا بالقيام بالربط بين اجزاء في داخل النص وباستعادة المعلومات في صورة غير افقية، وان جميع الاقراص المضغوطة الي جانب جهاز الحاسب الالي ستحتل مساحة تصل الى 5 /1 المساحة التي تحتلها الموسوعة المطبوعة، كما انه لايمكنك ان تنقل الموسوعة المطبوعة من مكان الى اخر بسهولة مثلما تنقل قرصا مضغوطا، هذا الى جانب انه لايمكن تحديث الموسوعة المكتوبة بسهولة. وان الارفف الموجودة في بيتي وكذلك تلك التي تجدها في المكتبات العامة تحتلها امتار وامتار من مجلدات الموسوعات التي يمكن الاستغناء عنها في المستقبل، ولن يكون هناك سبب يجعلنا ننعي اختفاءها ودعونا نتذكر هنا ان امتلاك موسوعة متعددة المجلدات يعد حلما صعب المنال بالنسبة لكثير من الناس ليس فقط لارتفاع ثمنها ولكن ايضا لتكلفة المكان المطلوب لاقامة الارفف التي ستستقر عليها هذه المجلدات فانا شخصيا اتمني ان يكون لدي في منزلي المجلدات التي يصل عددها الى 221 مجلدا من عمل الموسوعي الذي يحمل عنوان petrologic latino وذلك بما انني بدأت كمتخصص في دراسات العصور الوسطي. وبالرغم من تكلفة ذلك فإنني استطيع ان ادفع ثمنها، ولكنني لا استطيع ان اقوم بشراء شقة جديدة لاخزن فيها 221 مجلدا ضخما بدون ان اضطر الي التخلص مما يقرب من 500 كتاب اخر.
فهل يمكن لقرص يحمل نصا ذا روابط الكترونية او لشبكة الانترنت العالمية ان يحلا محل الكتب التي نقرأها؟ مرة اخرى يجب ان نحدد ما اذا كان السؤال يعني بالكتاب كشيء مادي او كشيء افتراضي. ومرة اخرى دعونا نناقش الجانب المادي اولا.
الخبر السار هو ان الكتب ستبقي ولن نستغني عنها، ليس في الادب فقط بل في جميع الحالات التي يحتاج فيها المرء للقيام بقراءة دقيقة لنص ما، ليس فقط ليحصل منه على معلومات ولكن ليفكر في المعلومات التي يقدمها له الكتاب ويتأملها. وان قراءة شاشة جهاز الحاسب الآلي تختلف عن قراءة كتاب. ولننظر مثلا الى عملية تعلم برنامج جديد للحاسب الالي (كمبيوتر)، وعادة مايكون البرنامج قادرا على ان يعرض على الشاشة كل التعليمات التي تحتاجها. ولكن المستخدمين للجهاز الذين يودون تعلم البرنامج عادة يطبعون التعليمات ويقرؤونها كما يقرؤون اي كتاب مطبوع او يشترون دليل استخدام هذا البرنامج ومن الممكن ان نتخيل برنامجا مرئيا يشرح جيدا كيفية طباعة كتاب وتغليفه، ولكن للحصول على تعليمات بخصوص كيفية كتابة برنامج كمبيوتر او تعلمه نحتاج الي كتاب ارشادات مطبوع.
وبعد قضاء 12 ساعة امام جهاز الكمبيوتر (الحاسب الالي) تتحول عيناي الي كرتي تنس واشعر انني في حاجة الى ان اجلس مسترخيا في مقعد وثير لاقرأ جريدة او ربما قصيدة جيدة وانني اعتقد ان اجهزة الحاسب الالي تنشر نوعا جديدا من التعلم ولكنها لاتستطيع ان ترضي الاحتياجات الفكرية التي تثيرها لدى الانسان.وارجو ان تتذكروا ان الحضارة العربية الاولى كانت تقوم على كتاب، وهذا لا ينفصل عن الطبيعة البدوية ولكن المصريين القدماء استطاعوا ان يحفروا نصوصهم وسجلاتهم على مسلات من الحجر في حين ان موسي ومحمد عليهما الصلاة والسلام لم يكن في استطاعتهما ذلك. كما انك اذا اردت ان تعبر البحر الاحمر او تهرب من شبه الجزيرة العربية الي اسبانيا او تتجه شرقا، فان اللفائف تعد بالقطع طريقة افضل من المسلة او الاحجار لنقل كتاب. ولذلك فإن هاتين الحضارتين اللتين قامتا علي كتاب مكتوب فضلتا الكتابة على الصور. وللكتب ميزة اخرى عن اجهزة الحاسب الالي، فحتى لو كانت هذه الكتب مطبوعة على الاوراق الحمضية الحديثة التي تعيش لمدة سبعين عاما فقط او مايقرب من ذلك، فان هذه الكتب تفوق عمرها الافتراضي كثيرا العمر الافتراضي للأدوات الممغنطة كما انها اي الكتب المطبوعة لاتتأثر بنقص التيار الكهربائي او انقطاعه، وتقاوم الصدمات بشكل افضل، والى الان مازالت الكتب اكثر وسائل نقل المعلومات مرونة ومتانة كما انها اقلها تكلفة.وان المعلومات التي تنتقل عن طريق اجهزة الحاسب الالي تسبقك، اما الكتب فتسافر معك وفقا لسرعتك، ولو حدث ان تحطمت بك السفينة في جزيرة منعزلة، لا تستطيع فيها ان تجد مصدرا للتيار الكهربائي لتشغيل جهاز الحاسب الالي، فإن الكتاب يعد اداة لاتقدر بثمن فحتى لو كان جهاز الحاسب الالي الخاص بك به بطاريات تشحن بالطاقة الشمسية فإنك لاتستطيع ان تقرأ بسهولة وانت تتمدد فوق شبكة معلقة بين شجرتين، فالكتب مازالت افضل رفيق اذا تحطمت سفينتك على شاطيء جزيرة منعزلة او في اليوم التالي. فالكتب تنتمي الى مجموعة الاشياء التي لم تتعرض للمزيد من التطوير بعد اختراعها وذلك لانها في احسن حال على ماهي عليه منذ اختراعها مثلها مثل المطرقة، السكين والمعلقة والمقص.
ولكن حتي هذه اللحظة لم يثبت الكتاب الالكتروني نجاحه بصورة تجارية كما تخيل من اخترعوه، كما انه قد نمى الى علمي ان بعض قراصنة الحاسب الالي (الكمبيوتر)، هؤلاء الذين نموا وترعرعوا في عصر الحاسب الالي (الكمبيوتر)، والذين لم يعتادوا تصفح الكتب، قد قرؤوا امهات الاعمال الادبية في صورة كتب الكترونية، ولكن في ظني مازالت هذ الظاهرة محدودة للغاية، فيبدو ان الناس يفضلون قراءة قصيدة او راوية مطبوعة بالصورة التقليدية. وربما تحقق الكتب الالكترونية نجاحا كمصادر للبحث عن معلومات ما، شأنها في ذلك شأن المعاجم او الوثائق المميزة، وربما تعين الطلاب الذين يكون لزاما عليهم ان يحملوا عشرات الكتب عندما يذهبون الى المدرسة، ولكن الكتب الالكترونية لن تصلح كبديل للكتب التي نحب ان نصطحبها معنا الى الفراش عند النوم. كما ان هناك العديد من الاختراعات التكنولوجية التي لم تؤد الى انقراض ما سبقها من اختراعات، فالسيارة مثلا اسرع من الدراجة ولكنها لم تتسبب في انقراض الدراجة، كما انه ليست هناك تكنولوجيا لتطوير الدراجة عما كانت عليه من قبل. وان هذه الفكرة القائلة بأن التكنولوجيا الجديدة تمحي من الوجود كل ماسبقها فكرة بسيطة وساذجة. فبعد اختراع التصوير الفوتوغرافي مثلا، لم يشعر الرسامون ان عليهم تقديم تصوير دقيق للواقع، ولكن هذا لايعني ان اختراع شجع الرسم المجرد فقط، فهناك اتجاه فني حديث بأكمله لايمكن له ان يوجد بدون النموذج الفوتوغرافي، ولنتذكر هنا مثلا hyper-realism حيث تري عين الفنان الواقع من خلال عين فوتوغرافية.
وهذا يعني انه في تاريخ الثقافة لم يحدث ان قام شيء مابقتل شيء اخر، ولكن كان هناك شيء يغير بصورة جذرية شيئا اخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.