كنت أتجول في أحد أروقة معرض الكتاب وتعجبت من كمية الكتب والمطبوعات التي تنشر سنويا، فبالرغم من التطور الحادث في وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فإن الورق ما زال الوسيلة المفضلة لدى الكثيرين في نقل المعلومات والاستزادة من المعرفة بشتى أشكالها ومن كافة مشاربها ومضاربها. ووقف الكتاب الورقي المطبوع وما زال صامدا وشامخا أمام كل التحديات وأمام موجة الوسائط الإلكترونية التي تحاول أن تحل محله. وبالرغم من انتشار الكتب الرقمية والموسوعات الإلكترونية وإتاحتها على أجهزة الحاسب الآلي الشخصية من أجهزة سطح مكتب (Desktop)، وأجهزة حاسب آلي محمولة (Laptops) ، وأجهزة كفية (Handheld)، وأجهزة الهاتف الذكية، ومواقع الإنترنت، إلا أن الكتاب الورقي المطبوع ما زال محتفظا برونقه وجاذبيته وشغف الكثيرين على اقتنائه، كما أنه ما زال الوسيلة التعليمية الأولى في أغلب المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات. وقد حاول البعض الاستغناء عن الكتاب الورقي والاستعاضة عنه بتصفح الكتب الرقمية والموسوعات الإلكترونية. وبالرغم من المميزات والخدمات الكثيرة التي وجدوها في الكتب الإلكترونية وغير المتوافرة في نظيرتها الورقية مثل خدمات البحث والفهرسة وتكثيف النصوص إلا أنهم لم يستطيعوا الاستغناء نهائيا عن الكتاب الورقي، فقراءة الكتب عن طريق الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة مقارنة بالقراءة من الكتب الورقية يرهق العين، كما أن الأجهزة الإلكترونية لا تستطيع العمل لفترة طويلة بدون مصدر طاقة، وهي أيضا ما زالت مرتفعة الثمن وتحتاج لدراية ومهارة في استخدامها مما يعزز فرص سيطرة الكتاب الورقي على سوق المعرفة. ولكن على ما يبدو فإن الكتاب بشكله التقليدي الورقي سوف يواجه تحديا حقيقيا خلال السنوات القليلة القادمة ينذر بأن يهتز عرشه من خلال بديل بات أقرب للواقع منه للحلم، هذا البديل هو «الورق الإلكتروني»، فقد راود العلماء منذ عقدين من الزمان فكرة اختراع ورق إلكتروني خفيف الوزن يقوم بتخزين النصوص عليه ولا يفقدها مع انقطاع مصدر الطاقة عنه. وقد تحول الحلم من مجرد فكرة كامنة في أذهان العلماء إلى واقع فعلي مع اختراع أول ورقة إلكترونية، وهي عبارة صفحة رقيقة من البلاستيك الشفاف لا يتعدى سمكها 1 ملليمتر، ومطبوع عليها شبكة أو مصفوفة من الحبيبات الدقيقة المملوءة بسائل داكن اللون، ويحمل هذا السائل جسيمات بيضاء متناهية الصغر تطفو فوق سطح السائل داكن اللون، وترتفع هذه الجسيمات في السائل مما يعطي الحبيبة لونا أبيض، وتنخفض هذه الجسيمات في السائل مما يعطي الحبيبة لونا داكنا وذلك على حسب قوة الشحنة الكهربية التي تصل لكل حبيبة من حبيبات شبكة الورقة الإلكترونية، ومع تباين ألوان الحبيبات من الأبيض إلى الأسود يتم تشكيل النص وعرض المحتوى، وكلما زاد عدد الحبيبات زادت دقة عرض الورقة. وتحتاج الورقة الإلكترونية إلى محول عرض (Display Adapter) وظيفته نقل النص الناتج من وحدة المعالجة (وليكن جهاز الحاسب الآلي المحتوي على النصوص والمطلوب نقلها منه للورقة الإلكترونية) وتحويله إلى شحنات كهربية تصل لكل حبيبة ومن ثم تتحكم في درجة لونها من الأبيض إلى الأسود. وتتميز الورقة الإلكترونية باحتياجها الضئيل من الطاقة اللازمة لتلوين الحبيبات مما يمكن الورقة من الاحتفاظ بالنصوص عليها لأطول فترة ممكنة، فلست في حاجة لإيصال الورقة بمصدر طاقة دائم مثلما الحال مع شاشات العرض وشاشات ال LCD، مما يسهم بقدر كبير في الحفاظ على الطاقة وتقليل مصادر الانبعاث الحراري. كما تتميز الورقة الإلكترونية بخفة وزنها ودقة سمكها وسهولة طيها مما يسهل على القارئ حملها والتنقل بها من مكان لآخر ووضعها في الحقائب. وعلى الجانب الآخر فإن تقنية الورق الإلكتروني مقارنة بتقنيات شاشات العرض الأخرى ما زالت في بدايتها، لذا فإن بعض السلبيات تشوبها مثل ارتفاع سعرها، ودقة العرض المنخفضة (Low Resolution) وعدم وجود ألوان حتى الآن (حاليا أبيض وأسود وتدرجاتهما)، كما أن الورق الإلكتروني غير مهيأ بعد لعرض الصور المتحركة والفيديو وأي نصوص متحركة. ويطمح العلماء إلى تصنيع ورقة إلكترونية تتيح إمكانية عرض كتاب كامل على ورقة إلكترونية واحدة صفحة صفحة. كما يسعى العلماء لتطوير إمكانية الكتابة المباشرة على الورق الإلكتروني من خلال قلم إلكتروني يبث شحنات كهربية على حبيبات سطح الورقة مما يؤدي إلى تلوين الحبيبات التي لامست سن القلم باللون الأسود، وهذا هو ما يطلق عليه «الحبر الإلكتروني». وهذا القلم الإلكتروني سوف يساعد مستخدمي الورق الإلكتروني على إضافة الملاحظات والتعليقات على نصوص الورقة مما يعطي المستخدم نفس التأثير والانطباع كما لو كان يستخدم قلما وورقة تقليديين. ونتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي نستغني فيه عن طباعة ونشر وتوزيع الجرائد والمجلات الورقية، والاكتفاء بأن يمتلك كل مواطن ورقة إلكترونية، ويمكنه من خلال حساب إلكتروني خاص به على الموقع الإلكتروني لكل جريدة أن يغذي الورقة الإلكترونية بعدد اليوم، ثم يقوم بمطالعة العدد في أي وقت وفي أي مكان. وبالرغم من تقنية الورق الإلكتروني لم يتم الترويج لها بعد بكثافة وما زال الغموض يكتنفها لكن كافة الإرهاصات تشير إلى أن الورق الإلكتروني سوف يلعب دورا هاما في العقود القادمة، ولن يقتصر دوره فقط على عرض الكتب الإلكترونية والجرائد والمجلات ولوحات الدعاية بل سوف يتعداها إلى أن يحل محل شاشة الحاسب الآلي التقليدية. والسؤال الذي يجول في ذهني الآن، من ومتى ستطلق رصاصة الرحمة على الكتاب الورقي التقليدي؟. * عضو مجلس الشورى أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود