من الأفكار السائدة لدى كثير من الباحثين والاقتصاديين في عالمنا العربي وبينهم السعوديون، أن منظمة التجارة العالمية لا تخدم إلا الدول الصناعية الكبرى والشركات متعددة الجنسية أو عابرة القارات، مستندين في ذلك التصور إلى أن المنظمة تجبر الدول النامية وغير عادلة، مع منتجات هذه الدول في أسواق وطنية لا تستطيع منتجاتها وصناعاتها أن تصمد أمام تفوق الصناعات المقبلة من الدول الكبرى، الأمر الذي يهدد الصناعات الوطنية للدول النامية أو دول العالم الثالث، ويشكل خطراً على مواردها الطبيعية. ومن الثابت أن مثل هذا التصور نوع من الوهم الذي لا يقوم على أساس، ولا ينطلق إلا من انعدام الثقة بالذات لدى أغلب القائلين بذلك، إذ أن اتفاقية الجات التي تمثل الوثيقة الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، ومبادئ إنشاء المنظمة، تقوم على ثلاث قواعد هي: 1- عدم التميز بين الدول في التجارة الدولية، بحيث يتساوى الجميع في الدخول إلى الأسواق كافة. 2- تقليل الإجراءات والقيود المفروضة على تدفق السلع والخدمات. 3- فرض جزاءات وعقوبات ضد الدول التي تخرج على قواعد العلاقات التجارية الدولية. ويمكن القول: أن هذه القواعد هي بمثابة ضمانة لحماية حقوق الدول النامية، كما أنها تضعها على قدم المساواة مع الدول الصناعية المتقدمة، بحيث لا يستقيم- والحال على هذا النحو- الإدعاء بأن موقف الدول النامية أضعف من الناحية القانونية من الدول المتقدمة. ومن الناحية الشكلية- على الأقل- فإن وجود منظمة التجارة العالمية يعد عامل قوة للدول النامية، خصوصاً في ظل "صياغة" قانونية وتحت مظلة مبادئ التجارة الدولية التي وضعتها المنظمة، التي يمكن الاحتكام إليها من حيث انها تمثل إطاراً للعلاقات التجارية الدولية. ولنفرض أن منظمة التجارة العالمية غير قائمة،ولنسأل: ماذا يمكن أن يحدث بين الطرفين في ضوء اختلال ميزان القوى الاقتصادية بينهما؟ الإجابة طبعاً لن تكون في صالح الطرف الأضعف، بل إن الدول النامية هي الخاسرة في غياب المنظمة "الحكم". كذلك فإن القيود على تدفق السلع والخدمات بين كافة دول العالم، وإلغاء الإجراءات الحمائية على المنتجات والخدمات الوطنية وهو ما يسمى تحرير التجارة الدولية، هو بهدف حماية مصالح الدول النامية، كما يهدف إلى المحافظة على مصالح جميع الدول الأعضاء في المنظمة. ولعل هذا التصور لدور التجارة العالمية في حماية مصالح جميع الدول ومدى إمكانية الاستفادة من الانضمام لهذه المنظمة، هو ما دفع الكثير من الباحثين السعوديين إلى التساؤل عن فائدة الانضمام الحقيقية على المدى القريب والبعيد، إذ يرى بعض هؤلاء الباحثين أن هناك قطاعات في السعودية ستستفيد من الدخول إلى نادي المنظمة. وعلى الرغم من هذه الرؤية التي تتفهم حاجة هذه القطاعات السعودية إلى الاستفادة من عضوية المنظمة، إلا أن هناك تياراً بين باحثينا لا يزال يتأرجح بين قبول الانضمام للمنظمة وعدم الانضمام إليها. وهو نوع من الذبذبة والتردد الذي يعكس عدم ثقة في المنظمة من ناحية، وانعزالاً أو عزلة عن المتغيرات العالمية وعدم تقدير أو فهم طبيعة هذه المتغيرات التي لن تدع أحداً يعيش في عزلته دون أن يدفع ثمن هذه العزلة غالباً من حاضره ومستقبله أيضاً، الأمر الذي يعكسه تساؤل جديد يستدرك السؤال السابق عن استفادة قطاعات سعودية من الدخول للمنظمة. وهو تساؤل أو استدراك من نوع "ولكن هل تلك الاستفادة لن تتحقق إلا بالدخول في المنظمة؟ وهل تلك الاستفادة تعادل ما قد نخسره إجمالاً". ولاشك في أن السؤال الأخير ينطلق من إغفال تام للظروف الموضوعية التي تفرض على جميع دول العالم الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية مهما كانت خسائرها، إذ أن الخسارة الأكبر هي في الابتعاد عن هذه المنظمة وقواعدها التي ستكون "القانون الدولي" السائد في العلاقات التجارية، الأمر الذي يجعل من رفض الانضمام للمنظمة، دعوة إلى الوجود خارج المجموعة الدولية أو على هامشها، والبقاء خارج مجموعة "اللاعبين". ويمكن القول: إن الشروط التي تفرضها الجات ومنظمة التجارة العالمية، والالتزامات التي تضعها على حكومات الدول النامية، ليست مبرراً كافياً أو سبباً معقولاً لرفض الانضمام للمنظمة، ذلك أنه لا يجوز تقييم النظام التجاري العالمي بالتركيز على ما يفرضه من التزامات على الدول الأعضاء، بما فيها البلدان النامية، دون النظر إلى ما يقرره من حقوق، وإنما يتعين أن نأخذ النظام في مجموعة. نظرة موضوعية ولاشك في أن النظرة الموضوعية والمنصفة لنظام التجارة العالمية وقواعده، سوف توضح لنا أن هذه القواعد بقدر ما تضع من التزامات على الدول النامية، فإنها لا تنكر على تلك البلدان الحق في حماية صناعتها الوطنية أو حماية ميزان المدفوعات. كما لا تنكر عليها الحق في تشكيل تكتلات إقليمية. ولا يقل أهمية عن كل ذلك أن النظام التجاري العالمي لا يمنع على البلدان النامية حماية اقتصادها القومي من المنافسة غير العادلة في صورة إغراق أو دعم غير مشروع، ولا يمنعها من اتخاذ إجراءات مناسبة حماية لاقتصادها من المنافسة الضارة، ولو لم تكن غير عادلة. وليس صحيحاً ما يروج له بعض الاقتصاديين والباحثين من أن نظام التجارة العالمية يقف منحازاً إلى الدول الصناعية والمتقدمة، على حساب الدول النامية والضعيفة اقتصاديا. كما أنه ليس صحيحا أن الجات ومنظمة التجارة العالمية يعملان على استغلال موارد الدول النامية وسلبها ثرواتها، ونهب المواد الخام التي تزخر بها أراضي تلك الدول من معادن وبترول. فإذا دققنا النظر في مقررات النظام التجاري العالمي، وما يرتبه من حقوق لمصلحة البلدان النامية بصفتها مصدرة للسلع، نجد أنه يمنحها الحق في نظام الأفضليات الجمركية الذي يعفي صادراتها المتقدمة النمو. كذلك فإنه يفرض على البلدان المتقدمة النمو ( فيما لا ينطبق عليه نظام الأفضليات الجمركية) التزاماً بالمساواة في المعاملة، سواء بمقتضى شرط الدولة الأكثر رعاية أو بمقتضى مبدأ المعاملة الوطنية. ثم إنه يعطيها الحق في الاستفادة من عملية تحرير التجارة، وذلك عن طريق ما حدث من تخفيض كبير في الضرائب الجمركية للبلدان المتقدمة النمو مع زيادة نسبة الربط وتخفيف حدة التصاعد. ويمكنها أيضاً الاستفادة مما حققته جولة أوروجواي من تخفيض القيود الكمية في قطاع الزراعة وقطاع المنسوجات والملابس، وهما قطاعان على أكبر جانب من الأهمية للبلدان النامية. ويضاف إلى ذلك أن النظام التجاري العالمي يفرض على البلدان المتقدمة النمو ألا تلجأ إلى سلاح الضريبة المضادة للإغراق أو الضريبة المضادة للدعم أو الشرط الوقائي إلا بناء على قواعد دقيقة في الجات والاتفاقات الخاصة بكل منها، فضلاً عن أنه يمنعها من استخدام " الإجراءات الرمادية". وأخيراً فقد وضع النظام التجاري العالمي تحت تصرف البلدان النامية نظاماً فعالاً لحسم المنازعات التي تنشأ عن تطبيق كل الاتفاقات المشمولة. ويمكن القول: إن هناك قدراً كبيراً من التوازن بين الحقوق والواجبات أو الالتزامات، تنطوي عليه الاتفاقيات التجارية الناتجة عن جولات المفاوضات التي تمت في إطار اتفاقية الجات، إذ أسفرت جولة أوروجواي عن 22 اتفاقيا دولياً، بما فيها الجات بالإضافة إلى سبعة تفاهمات. وقد جاءت كل هذه الاتفاقات والتفاهمات في صورة ملاحق للاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية المعروف باتفاق مراكش، ويرجع وضعها في هذه الصورة إلى الأخذ بمبدأ الارتباط صفقة واحدة single undertaking ومعناه أن الدولة التي توافق على اتفاق مراكش، تصبح مرتبطة بالاتفاقات والتفاهات الملحقة كافة دون حاجة إلى التوقيع على كل اتفاق على انفراد. ومن ثم فليس للدولة الموقعة على اتفاق مراكش أو التي تنضم فيما بعد إلى منظمة التجارة العالمية أن تختار من هذه الاتفاقات ما يناسبها وترفض مالا يناسبها، فهي ترتبط بها جميعاً صفقة واحدة. ويمكن القول: إن الالتزام بتطبيق اتفاق مراكش وما يترتب عليه من التزام بتطبيق كافة الاتفاقات التجارية (كصفقة واحدة) إنما يعني الارتباط بها جميعا بما في ذلك الجات 94 واتفاق التجارة في الخدمات واتفاق الملكية الفكرية وغير ذلك من الاتفاقات والتفاهمات الملحقة وإلا فهي لا تستطيع أن تكون عضواً في منظمة التجارة العالمية . وهنا قد يكون من الضروري أن نلفت الانتباه إلى أن الترتيبات التي تكلفها منظمة التجارة العالمية تعد مؤسسا لوضع يختلف تماما عن الوضع الذي كان سائداً قبلها في ظل الجات 47، من حيث أنه كان يجوز لأي دولة وقعت على الجات 47، أن ترفض الانضمام إلى بعض الاتفاقات المتفرعة عنها . وفي ضوء هذا الحق، كانت الأهمية النسبية لتلك الاتفاقات تختلف من دولة إلى أخرى، وفقاً للظروف الخاصة بكل دولة، وتبعا لما تتفوق فيه من الأنشطة الاقتصادية (فاتفاق الزراعة مثلا، هو أكبر جانب من الأهمية بالنسبة إلى البلدان المصدرة لسلع زراعية مثل الأرجنتين وأوروجواي وشيلي، أو المستوردة لمواد غذائية على نطاق واسع مثل مصر. ولكنه ليس بهذه الأهمية بالنسبة إلى دولة مثل هونج كونج أوسنغافورة وكذلك الحال بالنسبة إلى اتفاق مثل اتفاق المنسوجات والملابس. فهو على جانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى دول مثل تايلاند وتونس والجمهورية العربية السورية ومصر، ولكن ليس ذا أهمية بالنسبة إلى دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت . المعيار الحقيقي من هنا يتضح أن هيكل التجارة الخارجية لكل دولة، هو المعيار الحقيقي الذي تبني عليه الدولة موقفها من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وفي ضوء ما يمكن أن تجنيه من مكاسب أو تحصل عليه من مزايا، نتيجة عضويتها في المنظمة، الأمر الذي يتوقف بشكل أساسي على أحكام الاتفاقيات التي تلائم أو تواكب هيكل التجارة الخارجية الذي تعتمده هذه الدولة أو تلك، والواقع أن كل دولة إنما تقبل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بناء على تقديرها أن ما تحصل عليه من مزايا ناجمة عما تتمتع به من حقوق تفوق ما عسى أن يصيبها من آثار سلبية من جراء ما يقع على عاتقها من التزامات . وعلى الرغم من أن اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية تضعان المصدر على قدم المساواة، حيث يعد المصدران هما الأكثر استفادة بطبيعة الحال، إلا أن الدول المنتجة للبترول والمصدرة له، لن تستفيد من أي مزايا في الوقت الحالي، وهو ما يمكن أن نرجعه من منتجين ومستوردين دون تمييز بينهما، أجنبياً كان أو محليا. كذلك يوجد استثناء في ميثاق المنظمة يجيز فرض إجراءات استثنائية على بعض السلع، مثل تعريفة جمركية أو ضريبة عالية، إذا كان القصد منها، مثلا، حماية الصحة العامة، على أن يخضع الجميع له أجانب ومواطنين .هذا الاستثناء يمكن للدول المستوردة استخدامه بفعالية للحد من استهلاك كمية البترول لأن التلوث الناتج عن المنتجات البترولية في طليعة القائمة التي تستوجب حماية الصحة العامة . مزايا للمملكة وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه لا يمكن القول: إن الانضمام للمنظمة، عمل لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، ذلك أن المملكة من الدول المصدرة للمنتجات البتروكيماوية التي يمكن أن تشكل أساسا للحصول على مزايا في هذا المجال . وعلى أي حال، فإن الانضمام للمنظمة إذا لم يكن يتيح للمملكة في الوقت الحالي مزايا إضافية، بحسب هيكل تجارتها الخارجية، إلا أن احتمالات الاستفادة من مثل هذه المزايا، تبقى مفتوحة وقائمة في المستقبل، كما تبقى مفتوحة إذا ما وفرت المملكة لنفسها مزايا بالنسبية وزادت من قدراتها التنافسية في العديد من المجالات، وفي العديد من السلع والمنتجات . وعلى سبيل المثال فإن من أبرز المجالات التي توفر الجات من خلالها قدراً كبيراً من المساواة بين الدول المتقدمة والدول النامية أو دول العالم الثالث، مجال صناعة الخدمات (البنوك والمقاولات والاستشارات الهندسية وغيرها) إذ أن اتفاق الخدمات الحالي لا يجيز التمييز في المعاملة بين الدول المصدرة للخدمات في سوق دولة مستوردة. فإذا أعطت المملكة حقا للبنوك الأمريكية في أن تنشئ فروعا في المملكة، فإن عليها منح الحق نفسه للبنوك الفرنسية والبريطانية، ولا شك في أن التزاما غير مجحف بحقوق الدول النامية. ومع ذلك فقد أجاز الاتفاق طلب الإعفاء من مبدأ الدولة الأكثر رعاية بشروط معينة تم النص عليها في ملحق الاتفاق العام للتجارة في الخدمات. كذلك، وعلى الناحية الأخرى، فإن اتفاق الخدمات لا يفرض على الدول النامية أو المتقدمة أن تعامل مقدم الخدمة الأجنبي على قدم المساواة مع مقدم الخدمة الوطني. وفي هذه الحالة مثلا، فإن المملكة العربية السعودية تكون غير ملتزمة بأن تعامل البنك الأمريكي في المملكة على قدم المساواة مع بنك الرياض أو الراجحي. ولها أن تميز بين البنك الأجنبي والبنك الوطني كما تشاء بل إن الاتفاق لا يلزم أحداً بالسماح لمقدم الخدمة الأجنبية بممارسة أداء الخدمة في إقليمها إلا إذا ارتضت ذلك. وهذا هو ما نعنيه عندما نقول: إن اتفاق الخدمات لا يفرض مبدأ المعاملة الوطنية (أي المساواة بين الأجنبي والوطني) كما لا يفرض حق النفاذ إلى أسواق البلدان الأعضاء إلا في الحدود وبالشروط التي ترتضيها. أي أن القاعدة العامة في ظل اتفاق الخدمات هي الالتزام بالمساواة في المعاملة فيما بين مقدمي الخدمة الأجانب، إلا إذا طلب الدولة المعنية الإعفاء من مبدأ الدولة الأكثر رعاية . ويمكن القول: ان اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية تفتحان أمام الدول النامية أبوابا واسعة تمنحها فرصا لزيادة صادراتها إلى أسواق الدول الصناعية والمتقدمة، وفي الوقت نفسه فإنهما تصنعان قواعد للانضباط والسلوك التجاري وتعرضانها على الأطراف الأقوى في العلاقات التجارية بحيث لا تستطيع هذه الأطراف أن تخالفها أو تخرج عنها، وفي حالة الخروج عليها أو مخالفتها، فإن هناك نظاما لتسوية الخلافات والنزاعات التجارية يرغم الطرف القوي على احترام حقوق غيره من الأطراف. وفي الوقت نفسه يجيز نظام الجات للدول النامية أن تتخذ من الإجراءات ما تراه ضروريا لحماية حقوقها وكفيلا بحماية منتجاتها. أبعاد متداخلة وخلاصة القول: إن قضية الجات والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وهي قضية ذات أبعاد عديدة متداخلة ومتشابكة، تتطلب عملاً دؤوباً من أجل بناء مناخ محلي قوي، وبنية اقتصادية، تستطيع المنافسة، وتحسين نظمنا ومناخنا الاستثماري بشكل خاص، والبيئة الاقتصادية بشكل عام، كما تتطلب إنشاء البنية التحتية اللازمة لدخول المنظمة والتي تتمثل في الخبرات المؤهلة التي ستقود البلاد للدخول في معمعة المنظمة. ويجب أن يتم تأسيس عدة هيئات تعنى بأمر المنظمة، فمثلا، لابد من إيجاد هيئة اتصال تستقبل شكاوى الشركات، ودراستها، ومن ثم تفعيلها، بشكل يمنح الشركات الطمأنينة بوجود من يتفهم شكواها.أيضا لابد من وجود خبراء فلي الاقتصاد والعلوم المالية لدراسة آثار السياسات المالية للدول الرئيسية التي تتعامل معها على منتجاتنا ولابد من وجود خبراء بأنظمة المنظمة. وهو أمر ليس بالسهل إذا تذكرنا أن الاتفاقات يتجاوز عدد صفحاتها عشرين ألف صفحة(26000) والانضمام للمنظمة يستلزم وجود خبرات محلية تقاتل لأجل مصلحة البلد. المكاسب ويمكن القول: إن المكاسب التي سوف تحصل عليها المملكة , من خلال انضمامها الى منظمة التجارة العالمية , تستحق بالفعل أن تسعى المملكة بل أن تبذل كل جهد , للحصول على هذه العضوية. ويرى أكثر الباحثين أن هذه المكاسب ستتحقق على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال ومن أبرزها ما تشير اليه الدراسات من أن منظمة التجارة العالمية سوف تثمر عن زيادة كبيرة في الانتاج العالمي والتجارة العالمية , نتيجة لاطلاق الطاقات المعطلة بسبب القيود الجمركية وغير الجمركية , وعلى الرغم من ضعف العائد المتوقع للدول النامية مجتمعة , إلا أن الدول النامية ذات الاقتصاديات الكبيرة ومن بينها المملكة سوف تحقق فائدة كما هو متوقع أكبر من غيرها , من حيث الناتج المحلي وحجم التجارة الخارجية. ومن هذه المكاسب ايضا زيادة الإنتاج الصناعي وهي زيادة متوقعة من قبل الدول المتقدمة , ومن شأن هذه الزيادة في الانتاج الصناعي ان تؤدي الى زيادة الطلب على النفط ومشتقاته , مما يؤدي بالتالي الى زيادة العوائد والقدرات الاستثمارية في المملكة. وكذلك فان تأمين الدخول الى الأسواق تحت مظلة منظمة التجارة العالمية التي تقضي بتقييد الرسوم الجمركية وعدم زيادتها مستقبلا الا في اطار تعويضي للدول المتضررة سوف يضمن استمرار فرص المملكة في الدخول الى الأسواق الخارجية , كما يضمن ايضا عدم تغير هذه الفرص بشكل مفاجئ. ومن هذ المكاسب , ان تطبيق قواعد موحدة عند الحدود تحكمها اتفاقيات مثل قواعد التثمين الجمركي وإجراءات الفحص قبل الشحن , للتأكد من مطابقة المواصفات وإجراءات ترخيص الواردات سوف يعزز من استقرار فرص النفاذ او الدخول للأسواق العالمية. ومنها أيضا خفض الرسوم على واردات البتروكيماويات في الدول الصناعية من 2ر7 % الى 8ر3 % الأمر الذي يؤدي إلى تشجيع صادرات المملكة من هذه المنتجات. كذلك فإن تشديد الشروط في إطار منظمة التجارة العالمية على استخدام القيوم غير الجمركية مثل السقوف الكمية وقوائم السلع الحساسة وقاعدة القيمة المضافة , واشتراطات المواصفات والمقاييس سوف يعزز من فرص المملكة في التصدير وخاصة تصدير المنتجات البتروكيماوية التي تواجه معاملة تمييزية في السوق الأوروبية. واضافة الى ذلك فإن تحديد القواعد المتعلقة بإجراءات الوقاية مثل تقييد الواردات اذا كانت تشكل خطرا على الإنتاج المحلي والحد من إمكانية استخدام الحصص الكمية وتقليص فرص استخدام الاتفاقيات الثنائية مثل فرص القيود الطوعية على الصادرات كل ذلك سوف يؤدي الى مزيد من الانفتاح في الأسواق الأوروبية والأمريكية واليابانية أمام المنتجات السعودية , خاصة البتروكيماويات. وتشير دراسات عدة الى توقعات بارتفاع أسعار المواد الغذائية , نتيجة لإزالة او تخفيض الدعم الحكومي في الدول المصدرة , مما ينتظر معه أن يؤدي الى تحسين فرص تسويق المنتجات السعودية محليا , وتحسين دخول العاملين في القطاع الزراعي. ومن المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها المملكة أن التعرفة الجمركية الحالية في المملكة منخفضة مقارنة بمعظم دول العالم (أكثر من 90 % من السلع الخاضعة للضريبة , تخضع لرسوم جمركية لا تتجاوز 12%) الامر الذي يعني توافر أرضية ملائمة ومناخ انفتاحي في المملكة , حتى قبل انضمامها الى منظمة التجارة العالمية , مما يعمل على تسهيل اندماجها للمنظمة , ويوفر شروطا موضوعية وتربة خصبة لهذا الاندماج هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن ذلك يقلل من مخاطر ازدياد حدة المنافسة بعد الانضمام. ويمكن القول: إنه حتى في القطاعات الاقتصادية التي يتوقع ان تتأثر سلبا بالانضمام للمنظمة يمكن المملكة انفاذ تدابير الوقاية التي تكفل حماية مؤقتة للانتاج المحلي لتأهيل قدراته التنافسية. ويمكن للمملكة ايضا تثبيت رسومها الجمركية على بعض السلع عند حدود اعلى من المعدلات السائدة حاليا , وذلك لتوفير الحماية لهذه السلع , دون أن يتعارض ذلك مع مبادئ المنظمة. ومع زيادة انفتاح الاقتصاد السعودي بعد الانضمام للمنظمة وزيادة فرص دخول المنتجات الأجنبية الى السوق السعودية , فإن الفرصة سوف تتهيأ للمنتجات السعودية , لتطوير قدراتها بعيدا عن الحماية والدعم الحكوميين. ومن الفرص التي يتيحها انضمام المملكة الى المنظمة أنه سوف يمكنها الاستفادة من الامتيازات التي تسمح بها اتفاقيات المنظمة للدول النامية مثل فترات السماح الأطول في تطبيق الالتزامات لتطوير قدراتها التصديرية. كذلك سوف تستفيد المملكة من تقييد استخدام إجراءات مكافحة الإغراق التي تلجأ إليها الدول المتقدمة كثيرا لحماية منتجاتها , كما يمكنها اللجوء لهذه الإجراءات بهدف مجابهة الواردات التي يشتبه أن تكون إغراقية. واذا كانت اقتصادات الدول المتقدمة تعرف بكفاءة موردي الخدمات , فإنه يتوقع أن يؤدي انضمام المملكة للمنظمة التي تشتمل اتفاقيتها على اتفاقية لتحرير التجارة في الخدمات الى الإضرار بالمورين المحليين في المدى القصير إلا أن ذلك سوف يسمح في الوقت نفسه بزيادة المنافسة في قطاع الخدمات , كما سيوفر خدمات أجنبية متطورة , مما يسهم في تحسين كفاءة منشآت الخدمات المحلية في المديين المتوسط والطويل. كذلك فإن المملكة تستفيد من الإيجابيات التي تتضمنها الاتفاقيات ذات العلاقة , والتي تشكل حماية ودعما للاقتصاد السعودي , ومن هذه الاتفاقيات : اتفاقية مكافحة الإغراق والدعم , اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة , اتفاقية الوقاية , اتفاقية الإعانات والإجراءات التعويضية واتفاقية إجراءات تراخيص الاستيراد. ويمكننا ان نخلص الى بلورة مجموعة كبيرة من المكاسب والأرباح الاقتصادية التي يتوقع كثير من الباحثين والاقتصاديين ان تحصل عليها المملكة , بانضمامها الى منظمة التجارة العالمية (wto ) ونستطيع ان نجملها في العناصر والنقاط التالية: 1. إمكانية تحقيق زيادة في الناتج المحلي الإجمالي السعودي وفي حجم التجارة الخارجية. 2. زيادة الطلب على النفط ,. نتيجة لزيادة الإنتاج الصناعي في الدول المتقدمة. 3. تأمين دخول المنتجات السعودية للأسواق الخارجية في ضوء تقييد الرسوم الجمركية. 4. استقرار فرص الدخول الى الأسواق الخارجية , في ضوء الدول لقواعد استيراد موحدة. 5. تشجيع صادرات البتروكيماويات , نتيجة لخفض الرسوم في الدول الصناعية. 6. تشديد الشروط على استخدام القيود غير الجمركية , الأمر الذي يشجع الصادرات. 7. تحديد قواعد إجراءات الوقاية وتقييد استخدام الحصص الكمية والاتفاقيات الثنائية , بما يساعد على فتح أسواق الدول الصناعية للمنتجات السعودية. 8. تحسن فرص تسويق المنتجات السعودية الزراعية . نتيجة لإلغاء الدعم عن المنتجات الزراعية في الدول المصدرة. 9. انخفاض مخاطر ازدياد حدة المنافسة , نتيجة لانفتاح الاقتصاد السعودي قبل الانضمام للمنظمة. 10.إمكانية تنفيذ وتدابير وقائية لتوفير حماية مؤقتة للإنتاج المحلي. 11.إمكانية تثبيت الرسوم الجمركية عند حدود أعلى من السائدة حاليا لتوفير الحماية لبعض السلع. 12.فرصة للمنتجات السعودية لتطوير قدراتها , بعيدا عن الدعم والحماية الحكوميين. 13.إمكانية الاستفادة من امتيازات الدول النامية لتطوير القدرات التصديرية. 14.الاستفادة من تقييد استخدام الدول المتقدمة لإجراءات مكافحة الإغراق , وتنفيذ الإجراءات نفسها لمواجهة الواردات الاغراقية. 1. تحسن كفاءة منشآت الخدمات في المدين المتوسط والبعيد. 2. الاستفادة من إيجابيات كافة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اطار المنظمة , والتي ستوفر إطارا كافيا لحماية ودعم الاقتصاد السعودي. * أستاذ مشارك في العلاقات الدولية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ليس مطلوب مناهضة العولمة بشكل مطلق تجهيز البنى التحتية ضرورة لمواجهة المنافسة