استقال العضو فى مجلس سياسة الدفاع وهو هيئة استشارية تابعة للبنتاجون الامريكى تقدم النصح لوزير الدفاع الامريكى فى مسائل السياسة ريتشارد بيرل من منصبه لاسباب سياسية ولكن تبقى رؤية المراقبين والمحللين مختلفة اذ يرى منهم انها بداية لنهاية نفوذ ما عرف بالمحافظين الجدد بينما يرى البعض ان مستشار رامسفيلد اعتاد الاخرون عليه بانه من الرجال الذين تتوقع ان يقدم تنازلات لاهداف اسمى. بيرل الصهيوني النزعته والمؤيد لاسرائيل قال فى خطاب استقالته الذى قدمه لوزير الدفاع الامريكى بتاريخ 18 فبراير الحالى ونشره مساء امس الاول اننى استقيل لاننى لم أرغب لوجهات نظرى المثيرة للجدل أن تنسب اليك أو الى الرئيس فى أى وقت خاصة خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية. وأوضح بيرل أنه عمل فى مجلس سياسة الدفاع لمدة 17 عاما.. وقال انه يشعر بالاسف لان دوره أسىء فهمه على نطاق واسع من جانب الرأى العام، مما ادى الى جعل الناس الذين يقرأون أو يسمعون عن وجهات نظره فى مسائل الامن الوطنى يربطون هذه الاراء بالبنتاجون أو بادارة بوش. واستطرد بيرل قائلا: الحقيقة أن مجلس سياسة الدفاع ليس جهاز صنع قرار لكنه ببساطة منتدى لتمكين وزير الدفاع من سماع وجهات نظر وملاحظات متباينة.. وغالبا ما تكون متعارضة مع بعضها البعض.. وهذا ليس مفهوما للعامة . وكان بيرل قد تعرض العام الماضى للانتقاد بسبب علاقات عمل له أثناء رئاسته لمجلس سياسة الدفاع مع شركات خاصة لها عقود مع وزارة الدفاع الامريكية. وقد استقال بيرل من رئاسة المجلس بسبب خلاف فى شهر مارس من العام الماضى ولكنه ظل عضوا فى المجلس. وفى شهر نوفمبر الماضى خلص المفتش العام للبنتاجون الى أن بيرل لم ينتهك أية قوانين أخلاقية بتمثيل شركات كانت لديها عقود ضخمة مع البنتاجون اثناء رئاسته للمجلس ويعتبر بيرل من الذين دفعوا الادارة الامريكية لشن الحرب على العراق. وقد أصدر بيرل في الفترة الاخيرة كتاب نهاية للشر: كيف نربح الحرب على الارهاب دعا فيه إلى القيام بعمل جريء ضد إيران وكوريا الشمالية وجهات أخرى تدعم الارهاب والف بيرل كتابه بمساعدة متشدد اخر هو صديقه ديفيد فروم والمعنون ب (نهاية للشر). وقد يكون امرا مفتقدا للدقة تفسير استقالة بيرل من عضوية مجلس سياسات الدفاع الامريكي الملحق بالبنتاغون والتى اعلنت على انه مؤشر ما على خفوت صوت المحافظين وعدم سلاسة سير الحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش والرغبة فى تجنيبها عوامل التأزيم والخطاب غير القابل للحلول الوسط لسببين بسيطين هما ان التيار الذى يمثله بيرل (المحافظون الجدد) لايزال ممثلا فى الادارة بقوة حتى فى مجلس سياسات الدفاع الذي حرص بيرل على التأكيد فى كتاب استقالته انه مجلس استشارى فقط لا يقوم بصنع قرارات ولكن المجلس يقوم بصنع الاراء التي تقدم لصناعة القرارات. اما السبب الثاني فهو ان جزءا من قوة هذا التيار لا تنبع فقط من مواقعه الرسمية بل فى تواجده فى اكثر المواقع تأثيرا خارج الادارة فلا تزال مراكز البحث ذات النفوذ الواسع للمحافظين الجدد مثل (امريكان انتربرايز انستتيوشن) و(مشروع القرن الامريكي الجديد) ومركزي (سياسات الامن) و(المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي) اللذين ساهم بيرل فى انشائهما ومركز (هدسون) مراكز ذات كلمة مسموعة ومؤثرة فى صنع القرار. وتوجد صحف ومجلات مثل ويكلي ستاندر والناشونال ريفيو والنيوريببلك وكومنتري والواشنطن تايمز والنيويورك بوست تمثل تأثيرا قويا. ويقول مراقبون ان امثال بيرل الملقب في امريكا ب (امير الظلام) لايهربون والدليل على ذلك ان كتابه / نهاية الشر/ وضع فى الفترة التى كان البعض يعتقد ان المحافظين قد خففوا من نبرة خطابهم الحاسم بسبب تعثر سير خطة العراق بالشكل السلس الذى كانوا يروجون ويسوقون له وسط اخفاقات تتعلق بملف اسلحة الدمار الشامل وتداعياتها وملف الامن والانتقال السياسي فى العراق والكلفة البشرية والمادية وتوقع اضطرار الادارة الامريكية الى التخلى عن الكثير من الامور التى ساهم المحافظون الجدد فى الادارة الامريكية فى تسويقها والتأكيد والتمسك بها ومنها اغفال دور الاممالمتحدة او الاحجام عن الاستعانة بدول رئيسية لتحمل عبء العراق مثل فرنسا وروسيا والمانيا. وعليه يقول المراقبون ان بيرل ليس من الاشخاص الذين يحسبونها بتلك الطريقة فما عرف عنه انه يهاجم فى الوقت الذى يتوقع فيه الاخرون ان يقدم تنازلات ما لصالح السياسة وادواتها مذكرين بفترة ما بعد حرب العراق عندما كانت دوائر رسمية امريكية (وزارة الخارجية ومستشارية الامن القومي بشكل خاص) تحاول اعادة الاعتبار للعمل الدبلوماسي خاصة فى التعامل مع دولة مثل فرنسا كان بيرل يهاجمها فى كل فرصة ممكنة . ويضيف المعلقون السياسيون هنا ان بيرل خطا خطوة اوسع من تلك ليوصل رسالة واضحة مفادها ان مقولات تيار المحافظين الجدد باقية ولن يسمح بتهميشها ولذلك جاء كتابه المتعلق بدول (محور الشر) الرئيسية والثانوية كما تمت تسميتها خلال عهد بوش او محور (الدول المارقة) كما كانت تسمى ابان حكم بيل كلينتون تأكيدا على ان (المعركة ضد الارهاب) اولوية تتعدى على كل الاولويات. ويضيف المراقبون ان استقالة بيرل التى سبقتها قبل عام تقريبا استقالة من رئاسة مجلس سياسات الدفاع لاسباب تتعلق بشبهات الانتفاع من وضعه الرسمي ورئاسته لاحدى الشركات المتعاملة مع البنتاغون لايمكن حسابها نقطة تسجل ضد نفوذ المحافظين الجدد وتيار الصقور داخل الادارة الامريكية بل على الارجح تحرر من قيد يمهد لطرح مواقف واراء اكثر وضوحا وحسما فى مجال مكافحة (الارهاب) وخاصة فيما يتعلق بمسألة اعادة النظر فى عمل وتنظيم الادارات الرسمية والامنية على وجه الخصوص والتى اشار اليها فى كتاب استقالته المؤرخ فى 18 فبراير والتى سوق لها كثيرا فى كتابه الاخير (نهاية للشر). ويختتم مراقبون بقولهم ان التحدث عن نفوذ المحافظين وانحساره على خلفية استقالة بيرل امر سابق لاوانه فاصحاب بيرل موجودون فى الادارة بدءا من نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد مرورا ببول وولفويتز وجون بولتون ودوغلاس فيث انتهاء بلويس ليبي واليوت ابرامز وغيرهم.