قبل أيام انطلقت قناة (الحرة) الفضائية، تخاطب العرب والمسلمين لتعلمهم الحرية والديمقراطية، وترشد سلوكياتهم العدوانية تجاه الآخر، وتحسن صورة أمريكا الجميلة! غير أن أقلامنا على نبل هذه الأهداف المعلنة مازالت تتحدث عن الأهداف (الخبيثة) لهذه القناة وقبلها اذاعة (سوا) ومجلة (هاي)... كل الأقلام تسب البوق الأمريكي الجديد، بل وتلعنه أحيانا، كما تستعرض صحافتنا أبرز رموز القناة وتاريخهم المهني والاستخباراتي! والحقيقة انني من منطلق الحرية والديمقراطية أيضا لا أستطيع أن أطلب ممن يلعنون أمريكا أو يسبونها أن يتوقفوا عن ذلك، فجرائم أمريكا المباشرة وغير المباشرة بحق الشعوب استفزازية في أقل أحوالها ولا تدع للحليم ذرة عقل، ومع هذا فإن لعن الظلام وحده لا يجلب نورا ولا يغير في الواقع شيئا! وكان جديرا بنا أيضا أن نخصص، جنبا الى جنب مع السباب والشتائم، وقتا آخر للتفكير في التعامل مع الواقع و معالجة أزمتنا التي كسبناها بأيدينا، وأن نتساءل هل لدينا مناعة طبيعية كافية لمثل جرعات الحرة، أم أن جسدنا العربي هش وقابل لنفاذ الفيروسات والأمراض؟ فالمسألة اذن قابليتنا للمرض وليس المرض نفسه؟ لم تغزونا أمريكا بقناتها (الحرة) لأنها أكثر منا أموالا، ولا أقدر على التمويل المادي، فنحن لدينا أموال نستطيع بها أن نشتري أمريكا برمتها لو أردنا! ولكن المال ليس كل شيء في الحرب الاعلامية، كما ان أمريكا لم تطلق قناتها (الحرة) لنجاح سياساتها الداخلية والخارجية مثلا، ولكنها تعرف بالضبط ما تريد من عرب قد عجزوا عن استثمار ثقلهم التاريخي والجغرافي، لذا نجحت أمريكا في أن تسخر الكثير من طاقات العقول العربية المهاجرة وتغريهم بالديمقراطية وممارسات حياتية وأنظمة متطورة تحترم الى حد كبير عقول البشر، كما عرفت كيف تصنع من نفسها جنة للهاربين والمطاردين من كبت وسجون ومصادرات متنوعة ثم تغزونا بهم بعد حين!