ظاهرة جديدة تغزو الشوارع العراقية تتمثل في منافسة صيدليات الشوارع لأصحاب الصيدليات دون مراقبة أو رادع. الظواهر الجديدة في العراق المحتل كثيرة وكثيرة جدا. وهي ظواهر أفرزتها مرحلة الاحتلال وغياب السلطة والدولة، ولم تكن معروفة سابقا في المجتمع العراقي. ومن بين هذه الظواهر صيدلية الرصيف، التي دخلت إلى العراق الجديد بقوة، لتعلن عن نفسها منافسا غير شرعي للصيدليات الرسمية، التي يديرها حملة شهادات في هذا الاختصاص. ففي الشوارع والأسواق المكتظة بالمتسوقين، تشاهد تلك الصيدليات التي افترشت الأرض، والتحفت بالسماء، وهي تعرض بضاعتها على مرأى الجميع، دون وازع من رقيب أو ضمير. ولا يقف الأمر عند ذلك الحد، إذ استطاعت تلك الصيدليات الرصيفية، رغم عمرها القصير، أن تنافس الصيدليات الرسمية، والسبب يكمن في أسعارها الرخيصة نسبيا، قياسا بأسعار الصيدليات المعتمدة رسميا. ففي منطقة الباب الشرقي، التي تعتبر قلب بغداد العاصمة، التقى مراسل وكالة قدس برس بعباس رضا، الذي افترش الرصيف عارضا بضاعته من الأدوية، وحين سأله المراسل عن مصدر تلك الأدوية أجابه قائلا: إنه يحصل على بضاعته من أصحاب المذاخر، التي تبيع الأدوية بسعر الجملة ونحن بدورنا نبيعها بأسعار أقل من أسعار الصيدليات الرسمية، لأننا لا ندفع إيجارا ولا ضرائب، لذلك فالسعر أو الربح الذي نحصل عليه نراه مناسبا. وعن الفرق بين سعر أدويته وسعر الصيدلية الرسمية قال: إن السعر عندنا أرخص بكثير من أسعار الصيدليات، فمثلا سعر الشريط الواحد من الباراسيتول لدينا يبلغ 125 دينارا. أما في الصيدلية الرسمية فإنه يبلغ 250 دينارا أو أكثر. أما شريط منع الحمل، فإنه يبلغ في الصيدلية الرسمية 1000 دينار للشريط الإيراني المنشأ. أما نحن فنبيعه بسعر 500 دينار، وهكذا بالنسبة لبقية أنوع الأدوية. وعندما سألت عباس عن تحصيله العلمي، وإذا ما كان يعرف الإنجليزية لتسهل عليه عملية قراءة الأدوية، تبسم وقال: وهل عملية بيع الأدوية بحاجة إلى شهادة. وفي صيدلية رسمية يديرها متخصص التقيت بمحمد عدنان، صاحب صيدلية الشفاء، وسألته عن هذه الأدوية التي تباع على الأرصفة فقال: إن اغلب هذه الأدوية مصدرها الصيادلة الذين سرقوا المذاخر والصيدليات الحكومية، أثناء عمليات السلب والنهب، التي حصلت في العراق، عقب سقوطه تحت سطوة الاحتلال، والبعض الآخر منها مصدره بعض موظفي وزارة الصحة، من الذين يعملون في المذاخر الحكومية التابعة إلى المستشفيات والعيادات الطبية، حيث يقومون بتسريب الأدوية إلى هؤلاء الباعة وبأسعار رخيصة، لأنها مسروقة. ويضيف: ان أغلب صيادلة الرصيف هم من الذين يتعاملون مع هذه الأدوية دون أدنى إحساس بالمسؤولية، مشيرا إلى أن بعضهم كان قد سرق مخازن الأدوية الحكومية، وبدأ ببيعها على الرصيف، لذلك ترى أن أسعار بضائعهم أرخص من أسعار بضائع أصحاب الصيدليات الرسمية. ويقول: للأسف المواطن العراقي يقبل على شراء هذا النوع من الأدوية دون إحساس بالخطر الذي تشكله أدوية تعرض في ظروف مناخية وصحية غير مناسبة، مشيرا إلى كونها معرضة لحر الصيف الذي يتلف أغلب تلك الأدوية. ويعقب صيدلي آخر بالقول: إن المشكلة الآن ليست في حبوب الباراسيتول أو غيرها من المسكنات، وإنما المشكلة في الأدوية الخطرة، التي تسبب الهلوسة مثل الارتين والفاليوم والمكدون والريفوتري، فأغلب الصيدليات المختصة لا تصرف هذه الأنواع إلا بوصفة طبية، مؤكدا أن هناك أنواعا من الأدوية المغشوشة، أخذت تتسرب إلى الأسواق، مثل أدوية علاج الضعف الجنسي (الفياغرا)، إذ تباع هذه الأدوية على الرصيف، وبأسعار رخيصة جدا، لكونها مغشوشة، يشتريها هؤلاء الباعة من مذاخر تقوم بتصنيعها محليا، وفيها مخاطر جمة على صحة المواطن، لأنها صنعت من دون رقابة صحية، والنسب فيها غير متقنة، مما يسبب مضاعفات للذي يستخدمها. كما أكد أن هناك العديد من الأدوية تباع على الأرصفة، وهي مجهولة المنشأ، مشيرا إلى أنها تباع بأسعار بخسة جدا، مثل الولتارين، الذي وصل سعره على الرصيف إلى 100 دينار فقط، قائلا: إنه يخشى أن تكون هناك جهات تعمد إلى تصدير تلك الأدوية لأغراض سيئة، قد تؤدي إلى أمراض مختلفة في المستقبل المنظور، ويتهم الدولة العبرية بأنها تقف على رأس تلك الجهات المعادية، التي تحاول أن تستغل الفوضى الموجودة في البلد، من أجل تحقيق الإضرار بأهله.