اما وقد كشف النقاب عما يسمى بكوبونات صدام, التي كانت تدفع كرشاوى مقنعة لبعض اهل الاعلام والسياسة, فانني انتهز الفرصة واعود مرة اخرى الى ملف تقاليد مهنة الصحافة التي اصابها العبث والتآكل. ذلك ان (أصوليي المهنة) من امثالي يستهولون ما اصابها, حتى اصبحوا على موعد يومي مع الدهشة, حين تفرض عليهم العادة المستحكمة ان يبدأوا يومهم بقراءة صحف الصباح, فيما غدا استفتاحا لا يسر الخاطر, ويذهب بقسط غير قليل من بهجة اليوم. (1) من لم يدفع ومن لم يقبض؟ كان هذا هو السؤال الذي خطر لي حين قرأت في ذلك الصباح ان صحيفة (المدى) العراقية نشرت اسماء 262 شخصا وجهة, باعتبارها (وجبة اولى) في قوائم اسماء الذين تلقوا رشاوى من الرئيس العراقي السابق على شكل (كوبونات) تقدم الى الشخص او الجهة المستفيدة, متضمنة كمية معينة من البترول العراقي, كي يبيعها ويحصل على عائدها لنفسه. وحين تابعت الاصداء القوية التي ترددت في جنبات العالم العربي من جراء ذلك الاعلان, وجدت انها اتسمت بالمبالغة والمراوغة. ذلك انني لم ار في الخبر جديدا الا في امور ثلاثة, هي الاشهار وكم المبالغ المقدمة, والابتكار في نوع الرشاوى. فيما عدا ذلك فخبر الدفع مألوف لا ينافسه سوى خبر القبض. اعني ان كل قادر على الدفع لم يتردد في الدفع. واعرف بعضا من غير القادرين كانوا يقتطعون من قوت الفقراء لكي يدفعوا. وبالمقابل فان كل الذين تعاملوا مع تلك الجهات - مع استثناءات قليلة جدا - قبضوا شاكرين وممتنين. واذا كان الامر كذلك, فما وجه الغرابة اذاً فيما حدث؟ ثمة لغط اثير حول الاسماء التي اعلنت, لست في وارد المشاركة فيه, وانما الذي يعنيني في الامر هو ثبوت مبدأ الدفع من جانب والقبض من جانب آخر في الصحافة العربية. كما انني لست مؤهلا للتحقيق فيمن اغرى الآخر واغواه, هل الانظمة والحكومات الغنية هي التي ابتدعت حكاية شراء الاقلام الصحفية. ام ان اصحاب المؤسسات الصحفية هم الذين اضطروا تلك الحكومات الى الدفع بعدما ابتزوها بوسائل عدة. وهي المعادلة التي تستدعي الى الذاكرة سؤال البيضة والدجاجة وايهما جاء اولا. ذلك ان هناك حقيقة لا مفر من الاعتراف بها, وهي ان الدفع حاصل على نطاق واسع, كما ان القبض حاصل ايضا على نفس النطاق. على صعيد آخر فلست مشغولا بتاريخ الدفع ومتابعة اطواره. وما اذا كان الدفع يتم في سياق الدفاع عن مشروع سياسي, ام انه لتجميل صورة بعض الانظمة والتستر على فساد اخرى, ام انه يتم لقاء تسويق اشخاص معينين لمآرب سياسية واقتصادية, ام انه من باب التعبير عن الكرم ولوجه الله. ذلك ان الحقيقة الماثلة الآن هي الاهم. اذ في ظل ثورة الاتصال وتعاظم الدور الذي تقوم به وسائل الاعلام. بحيث لم يعد يهم كثيرا ما اذا كانت على حق او باطل, انما الاهم ما يقوله عنك الاعلام. هذه الملابسات وفرت لوسائل الاعلام قوة دفعت كثيرين الى استرضائها ومحاولة شرائها بمختلف السبل المشروعة وغير المشروعة. اما (فقه الدفع) فانه قد يحتاج الى حديث مستقل, لان بحره واسع والاجتهاد والابتكار فيه لا حدود له. اذ طالما ان الممارسة مستمرة. فان ذلك يتيح للعملية ان تنضج وتتطور بسرعة. سواء فيما يخص الدفع الذي يدخل جيوب الاشخاص, وصوره بلا حصر, او ذلك الذي بات يتم عن طريق توريد الخامات او توزيع حصص الاعلانات. وعن الاخيرة حدث ولا حرج, لان بعض كبار الصحفيين اصبحوا لا يتورعون عن مد الايدي لاستجلابها, ولا يترددون في التسابق على كتابتها, والظهور مع المعلنين في الصور, من باب اشهار الفعل المهني الفاضح. (2) كنت قد تحدثت في مقام آخر عن صفقات شراء الاقلام على المستوى المحلي, لكن الكشف عن الدور الذي كان يقوم به النظام العراقي السابق في عملية الشراء يفتح ملف انتشار وباء شراء الاقلام على المستوى العربي, ويثير اكثر من سؤال حول الضوابط والتقاليد الحاكمة لعلاقة الانظمة العربية بالصحافة. اذ من الاسف ان العملية لا تحكمها اية ضوابط, الامر الذي لم يشوه موقف الصحافة فحسب, وانما شوه وعي القارئ ايضا. فالذين يدفعون اصبحوا منزهين عن النقد, واصبحت الاقلام تتسابق في امتداحهم وتجميلهم, ليس في المواد الاعلانية ولكن في المقالات والتحليلات التحريرية التي لم تعد محل استنكار من جانب احد, وتلك فاجعة كبرى. ثم كانت النتيجة ان الاضواء القوية اصبحت مسلطة في الصحافة العربية على الدول الغنية بالدرجة الاولى, في حين جرى تجاهل الدول الاخرى, من المغرب العربي الى السودان واليمن ولا تسأل عن الصومال. وهي الدول التي لم تعد تذكر في الصحافة العربية المشرقية الا اذا شهدت كوارث من اي نوع. ومن المفارقات المضحكة والمبكية في هذا الصدد ان التحيز لدول النفط طال مجالات الادب والفن, حيث صارت اغلب الصحف والمجلات المشرقية تتابع انتاج وتثابر على تلميع صغار الكتاب والفنانين ومتوسطي الموهبة في الدول النفطية, في حين لا تأتي على ذكر احد من فطاحل الشعراء وكبار الادباء والفنانين في المغرب العربي مثلا. كانت النتيجة ان المعالجات الموضوعية بل والاخبار الحقيقية التي تساعد المرء على فهم ما هو حاصل في منطقة الخليج خاصة, اصبحت تنشر اما في الصحافة الغربية او على مواقع الانترنت. ولا يستطيع المرء ان يخفي شعوره بالدهشة ازاء ما يقرؤه في الصحف الغربية وفي تلك المواقع عن كم التفاعلات المهمة والمثيرة التي تحدث في الوقت الراهن, في حين يلاحظ ان تلك الامور مسكوت عليها بالكامل في الصحافة العربية. ليست هناك تقاليد حاكمة للعلاقة بين الصحفيين والمصادر في العالم العربي. ومن ثم فالابواب مفتوحة لكل الممارسات المشروعة منها وغير المشروعة. ولذلك فاني ازعم بأن القائمة التي سربت عن رشاوى النظام السابق للاعلاميين والسياسيين, لها نظيرها في كل عاصمة عربية في موقف يسمح لها بالدفع. وكل ما حدث ان الظروف في العراق ساعدت على تسريب بعض اسماء الذين يقبضون, في حين احتفظ الآخرون بقوائمهم دون اعلان. لا نريد ان ننتظر حتى يتغير اي نظام لكي نطلع على بعض القوائم الاخرى, الا اذا كنا نترقب لحظة الشماتة في اعداد جديدة من الصحفيين. كما لا يتمنى المرء ان يكون سبب استنكار ما جرى ان هؤلاء قبضوا من صدام حسين, ولو انهم قبضوا من غيره لكان الامر مقبولا, ولتحولت الرشوة الى (هدية).. والهدية لا ترد عند كرام الناس كما يقال. ليس عندي حل للاشكال, بل يساورني شعور بأن الامر صار مستعصيا على الحل, لان تقاليد العطاء والقبض استقرت وانبنت عليها روابط ومصالحها اكبر واعمق من ان يتم تفكيكها, خصوصا في ظل التداخل المتزايد بين التحرير والاعلان. وهو تداخل ازداد (تفاقما) في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الصحف الآن. لكن ما يهمني امران اولهما الاعتراف بأن هناك مشكلة عامة في مسألة شراء اقلام الصحفيين, وان ما فعله النظام العراقي السابق هو عين ما يفعله الآخرون, وان اختلفت التفاصيل. اما الامر الثاني فان المشكلة لا يمكن ان تحل, وبالتالي لن تستعيد الصحافة ثقة القارئ واحترامه, الا اذا كان هناك موقف حازم من جانب المؤسسات الصحفية اولا, ونقابات الصحفيين ثانيا, يمنع الصحفي منعا باتا من الاشتغال بالاعلانات, ومن تقبل هدايا غير رمزية والا تعرض للجزاء. وللعلم فقط صحيفة (نيويورك تايمز) تلزم محرريها بأن يوقع كل واحد منهم اقرارا كل عام بألا يتلقى هدية من اية جهة تتجاوز قيمتها خمسة دولارات.. فقط لا غير! (3) واذا تلوك افواه الصحفيين العرب سيرة الذين قبضوا كوبونات النفط او غيرها, فان الصحفيين في انجلترا مثلا مشغولون بما خصهم في تقرير القاضي البريطاني اللورد هاتون, في وقائع انتحار عالم الاسلحة البيولوجية الدكتور ديفيد كيللي. وهو التقرير الذي ادان بشكل لافت للنظر محطة الاذاعة البريطانية والعاملين فيها, وافتى بتبرئة رئيس الوزراء توني بلير من اية مسؤولية عن حادث الانتحار. وكانت الاذاعة قد بثت تقريرا لاحد مراسليها (اندرو جليجيان) ذكر ان الحكومة البريطانية بالغت بشكل فج في خطر اسلحة صدام حسين الكيماوية والبيولوجية وتهديدها لبريطانيا خلال 45 دقيقة. وقد اعتمد المراسل فيما ذكره على معلومات اسر بها اليه الدكتور كيللي, وهو خبير مسؤول وثقة, وبعدما نفت الحكومة البريطانية مقولة المبالغة, وتبادلت مع ال (بي بي سي) اتهامات بالتلفيق والكذب, احيل الامر الى لجنة التحقيق التي رأسها اللورد هاتون. وبعد دراسة الموضوع خلص الى النتيجة التي اشرت اليها - لماذا؟ لان الصحفي خصوصا بعد انتحار الدكتور كيللي لم يستطع ان يثبت صحة كلامه. ذلك انه اكتفى بكلام الخبير, في حين لم يكن بين يديه دليل مادي يؤيد ما قاله. بسبب من ذلك فان اللورد هاتون وضع مبدأ جديدا, حيث اوصى بالزام الصحفي بعدم نشر او اذاعة معلومة حصل عليها من مصدر, الا اذا كان بمقدوره اثبات تلك المعلومة بشكل مستقل عن ذلك المصدر, كأن تكون لديه وثيقة تثبت المعلومة, او شهود يقرون بصحتها. توجس الصحفيون خيفة من هذه النصيحة لانها تعني وضع قيود تؤرق الصحفي وتخيف مصادره, التي غالبا ما تتردد خصوصا في الامور المهمة والحساسة في ان تقدم الى الصحفي وثيقة تثبت المعلومات التي تدلي بها, وعادة ما لا تصرح المصادر بتلك المعلومات امام شهود يقرون بصحتها. لذلك فانهم اعتبروا النصيحة من قبيل الاغلال التي يكبل بها صحفيو العالم الثالث. ثمة مناقشة اخرى في الولاياتالمتحدة تعطينا درسا مهما في تدقيق المصطلحات, محورها كيفية تغطية صحيفة (واشنطون بوست) للصراع العربي الاسرائيلي. فقد اتهمها بعض القراء بأنها تصف الذين يقومون بالعمليات الاستشهادية بأنهم (مقاتلون) وليسوا (ارهابيين) وقال هؤلاء في رسائل بعثوا بها أن الصحيفة بذلك تشجع على الارهاب, مضيفين ان الخارجية الامريكية تصنف حركة (حماس) باعتبارها منظمة (ارهابية), بينما تقول عنها (البوست) انها منظمة (مقاتلة). وكان رد الصحيفة انها لاتريد ان تستخدم مصطلحات في الصراع العربي الاسرائيلي تتسم بالتميز (ذلك حاصل في مقالات الرأي وليس في الاخبار) وفي (مرشد الاسلوب الداخلي) الذي عممته على المحررين ذكرت ان من الافضل الاعتماد على الحقائق المحددة, وليس على التشخيصات العامة. وتساءلت لماذا نشير مثلا الى هجوم (ارهابي) في تل ابيب, اذا كان من الممكن ان نختار تعبيرا اغنى معلوماتيا واكثر دقة؟ - كأن نتحدث مثلا عن تفجير ناد ليلي يؤمه الشباب في تل ابيب. اضاف التعميم: يجب الا نحسم الجدل حول ما اذا كانت حماس منظمة ارهابية ام انها منظمة سياسية تؤيد الارهاب.. بالصاق وصفة معينة بها, وعلينا بدلا من ذلك ان نزود القراء بالحقائق, وان نعطيهم في الوقت نفسه مقتطفات مما تردده الاطراف المتخاصمة حول الطريقة الافضل لتوصيف المنظمة. في هذه النقطة ذكر محرر الشؤون الخارجية بالصحيفة (ديفيد هوفمان) في مرشد الاسلوب الداخلي: (اذا قال الاسرائيليون انهم اغتالوا ارهابيا, فعلينا الا نتبنى مقولتهم بصورة آلية. فبوسعنا ان نقول انه مشتبه بكونه ارهابيا. او انه شخص يقول الاسرائيليون انه ساهم في عمل ارهابي. بمعنى آخر, يجب ان ننظر بصورة مستقلة فيما اذا كان الرجل ارتكب عملا ارهابيا ام لا. وان نحدد ما اذا كانت لدينا الحقائق الكافية لنقول ما اذا كان قد ارتكب هذا العمل ام لا, وما الحقائق التي نملكها في هذا الصدد؟ - اذ من واجبنا دائما ان نبذل قصارى الجهد لاستيفاء مقاييسنا المهنية الخاصة., وألا نسمح للآخرين بفرض مقاييسهم علينا). (4) ينتاب المرء شعور بالحسرة حين يقرأ هذا الكلام النفيس ويقارنه بالفلتان الذي تعامل به الاخبار في الصحافة العربية. خصوصا ان صحافتنا لا تعرف فكرة (مرشد الاسلوب الداخلي) وانما هي في الاغلب معنية بمراعاة حدود الحدود الحمراء والخضراء, وتلوين الحقائق طبقا للهوى السياسي, بأكثر من عنايتها بتسجيل الحقائق كما هي. تتضاعف الحسرة حين يطالع المرء ما ينشر من مقالات على صفحات الرأي, التي كثيرا ما يبلغ التفلت والشطط فيها حدودا لا تخطر على البال, خصوصا حينما يتداخل الخاص بالعام ونجد ان الكاتب لم يعد يقدم شيئا يهم القارئ, وانما هو غارق في ذاته على نحو يسقط من الاعتبار بأن ثمة قارئا اصلا. كأنما يحدث نفسه واسرته, الامر الذي يحول المقالة الى رسالة خاصة جدا ارسلت بالغلط الى المطبعة وعرفت طريقها الى النشر دون اي مراجعة. قبل ايام قليلة قرأت لأحدهم مقالا تحدث فيه عن مرضه والحوار الذي دار بينه وبين زوجته في هذا الصدد, وكيف انه نقل الى مستشفى ولم يجد مكانا فدخل مستشفى ثانيا وثالثا. ثم قرأنا قائمة زواره من علية القوم, وتابعنا شكره لاخوته الذين قاموا بالواجب, وللاطباء الذين اعتنوا به في مشفاه. وعرفنا انه قضى كذا اسبوع في المستشفى, وانه انتقل الى البيت بعد ذلك, ووعد القراء بأنه سوف يملي مقالاته على ابنته بعد حين, لكي لا يحرم الجماهير منها! مع التقدير للجانب الانساني في الموضوع, الا انه من الناحية المهنية فان المرء لا يكاد يصدق ان هذا كلام يمكن ان تنشره حتى صحف الحائط المدرسية. ومن الاسف ان هذه نماذج متكررة تعكس مدى تدهور مستوى الكتابة في بعض الصحف العربية. ولدي من هذه العينة الكثير, منها نص افدح اطالعه مندهشا بين الحين والآخر, واعرضه على الاجيال الجديدة من الصحفيين باعتباره نموذجا للكتابة المرضية التي تحتقر القارئ وتغرق في الذات. النص نشرته احدى المجلات المحترمة, لكاتب يعتبر نفسه مفكرا خطيرا جاد به الزمن علينا, ولكننا لم نقدر (النعمة)!. صاحبنا هذا دعي الى مؤتمر في المانيا, فلم يقل لنا ما حدث فيه وبالتالي لم يفدنا بكلمة, ولكنه شغلنا بالحفاوة التي قوبل بها من جانب من مضيفيه الى جانب المدائح التي سمعها منهم. فقال في سياق مقال طويل: فوجئت بأن الفندق اختصني بالجناح الملكي لكي اقيم فيه, بنفس السعر الذي يدفعه المؤتمر لاية غرفة اخرى من الغرف التي يقيم بها الاعضاء. صعد معي مدير الفندق ونائبته ليفتحا لي الجناح وهو رقم 334 وسعر الاقامة فيه لليلة واحدة مبلغ 24120 ماركا المانيا (اي حوالي 5000 جنيه مصري). الجناح له مدخل, وبه غرفتا نوم, وثلاثة حمامات, وقاعتان للجلوس (صالون), وغرفة للملابس. وهو افخر من الجناح الملكي بفندق والدورف استوريا بنيويورك, الذي كانت قد حجزته لاقامتي لجنة المحامين الدولية بمناسبة منحي جائزة عام كذا عن حقوق الانسان وحكم القانون. واروع من الجناح الملكي بفندق برلين, الذي كانت قد انزلتني به الرئاسة الالمانية. واكبر من الجناح الملكي الذي اقمت به في فندق شيراتون دمشق, عندما دعيت لالقاء محاضرة بجامعة دمشق ومقابلة كبار المسؤولين, وافخم من الجناح الملكي الذي كان قد حجزه لاقامتي ناشري الفرنسي, في فندق جورج الخامس بباريس. ورغم كل ذلك لم اشعر في داخلي بالارتياح. انني ما زلت افضل واحن الى الغرف البسيطة التي شغلتها في الايام الخوالي بالفنادق الصغيرة بباريس ولندن وميونيخ وفيينا (!!). لاتبتئس كثيرا, لان الصحافة العربية لم تعدم اناسا مازالوا قابضين على اصول المهنة وتقاليدها. طمأنني الى ذلك ما قرأته في خطاب استقالة الاستاذ انسي الحاج رئيس تحرير جريدة (النهار) البيروتية - وهي من اهم الصحف العربية - حين قال انه امضى احد عشر عاما في منصبه لم ينشر مقالات باسمه, لانه آثر وهو الاديب والشاعر الكبير ان يكرس جهده طيلة تلك المدة لكي يقدم الى القراء صحيفة جيدة ومتميزة, وهو مانجح فيه. اضع هذه المعلومة تحت عنوان (صدق او لا تصدق) - واضيف اليها ان رئيس تحرير احدى المجلات المصرية اقام حفلا لمناسبة ما, فنشرت له المجلة 27 صورة ضاحكة وهو يصافح الضيوف ويرحب بهم - وانوه للعلم فقط الى ان صحيفة النهار تصدرها شركة مساهمة خاصة, وان المجلة المذكورة (قومية) جدا!!.