هل يثق القارئ بما ينشر في الصحافة من أخبار أو أفكار ثقة مطلقة؟ في أمريكا أوضح استبيان أن ثقة القارئ بما ينشر في الصحافة الأمريكية لا تتعدى 70%، وفي الوطن العربي أظن أن الرقم أقل من ذلك بكثير.. وقد جاء انعدام الثقة بسبب الصحافة ذاتها التي ظلت زمنا طويلا تمارس الكثير من الزيف والخداع ضد القارئ العربي حتى فقدت المصداقية.. تذكرون حرب 1967أكبر كذبة في التاريخ!!. ومع تطور وسائل التكنولوجيا وتعدد وسائل الإعلام بين المحطات الفضائية والصحافة الالكترونية والمدونات، لم يعد أمام الصحافة العربية سوى الصدق لأنها تعرف أن أكاذيبها ستنكشف في التو واللحظة ولن تحتاج الى زمن طويل حتى يكتشف القارئ العربي أنه وقع في مصيدة الخديعة.. في حرب 1967هللت الصحافة العربية للانتصارات التي حققتها الجيوش العربية بسحق الجيش الإسرائيلي وإسقاط طائراته في البحر.. وحين أفقنا من الصدمة وجدنا أن جاكيت الوطن العربي ناقص كُم!!. لقد استغلت الصحافة استغلالا كبيرا من قبل السلطات، حتى فقدت طعمها ولونها ورائحتها، وظلت ردحا من الزمن فاقدة للاحترام بسبب ذلك الاستغلال، وكانت الصحافة ولا زالت أداة توجيه فاعلة خاصة حينما لم يكن في الساحة الإعلامية سواها، الأمر الذي جعل طاغية مثل هتلر يصف الصحافة بقوله (على الدولة ألا تفقد جادة الصواب بسبب الخزعبلات التي تسمى حرية الصحافة.. وعليها أن تقبض بيد من حديد على أداة تكوين الشعب - الصحافة ). وبسبب ذلك الدور السلبي الذي كانت تلعبه الصحافة تعرضت لانتقادات شديدة وصد من قبل كافة المفكرين والمثقفين في العالم الذين كانوا يرون ان الصحافة تلعب دورا في التأثير السلبي على الرأي العام وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بقوله (ما الصحيفة ؟ إنها ليست سوى نشرة عابرة لا فضل لها ولا افادة فيها.. لا تفيد قراءتها المهملة والمحتقرة من قبل الرجال المثقفين الا في إعطاء النساء والأغبياء غروراً فوق غرورهم). كذلك فقد نعت المفكر الفرنسي ديدرو في موسوعته الصحف بقوله ( هذه الأوراق جميعها غذاء الجهلة ومورد الذين يريدون التحدث والحكم بدون قراءة).. لذلك لم يكن غريبا أن أغلب الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين الذين وجدوا قبل الثورة الفرنسية مثل (فولتير) و(روسو) و(منتيسكيو) و(ديدرو) لم يكتبوا قط في الصحف التي كانت تصدر في عصرهم.. لكن الثورة جاءتهم بالديموقراطية وإرساء قواعد الحرية وأطلقت شعار ( الصحافة حرية ومسؤولية ) وهو الشعار السائد إلى اليوم لدى كافة الصحف والجمعيات والنقابات الصحفية المهنية.. الأمر الذي جعل الصحافة تحتل مكانة مرموقة، وتحقق سمعة مختلفة لدى القارئ. لم يكن الاستغلال الذي تتعرض له الصحافة من قبل الحكومات فحسب، بل هناك جهات وأطراف أخرى استطاعت اختراق الصحافة، والتلاعب بمصداقيتها، وبث الأكاذيب وحجب الحقائق عن طريق شراء الملاك وإغوائهم بسلاح التمويل.. وكانت مصادر التمويل كثيرة ومتعددة.. دول وأحزاب ورجال أعمال وأصحاب مصالح، الأمر الذي دفع بظهور ما يعرف بالصحافة الصفراء التي بدأت تاريخيا مع إصدار (جوزيف بيليزر) ملحقاً كرتونياً يصدر مع صحيفته يوم الأحد من كل أسبوع. وكان أشهر شخصية كرتونية في تلك القصص التي تنشر في الملحق يدعى (الطفل الأصفر) ومن هنا جاء اسم الصحافة الصفراء. بالطبع ما سبق لا يعني أن لا وجه مشرقاً للصحافة.. بالتأكيد لا يمكن قول ذلك، فالصحافة كانت ولا زالت وستظل تلعب دورا كبيرا وايجابيا في كشف الزيف ومطاردة الظلم والقهر ونشر الحقيقة.. كما تلعب دورا كبيرا في التثقيف والتنوير على كافة الأصعدة والميادين.. لكنني أحببت أن أستعرض بعض حالات الإخفاق التي تعرضت لها الصحافة حتى نتعظ.. وكي نستطيع الاستمرار في الحفاظ على حالة الثقة مع القارئ.. ودمتم سالمين. الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي