قال تعالى: (فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) النساء آية 19.. ان من طبع بني آدم الاستعجال والضجر مما يكدره، والجزع مما يكره، ولا يعلم الانسان ان مكارهه ومواجعه قد تسفر عن خيرات وفضائل وبركات اذا صبر واحتسب، بل قد لايكون وراء المكروه خيرا فحسب بل (خيرا كثيرا) يجني بركته وفضله وحسنته في الدنيا ويجني في الآخرة جزاء صبره واحتسابه واحتماله ولذلك كم تمر على المسلم في الحياة من امور تجمع الخير والشر والحسن والسيء والواجب عليه الصبر والاحتمال وعدم الجزع. قال عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة ان سخط منها خلقا رضي منها آخر) ومعنى يفرك اي يبغض. قال ابن عباس في هذه الآية: هو ان يعطف عليها (اي الزوج على زوجته) فيرزق منها ولدا يكون في ذلك الولد خير كثير. وقد يمرض المسلم وفي مرضه تكفير لسيئاته ورفعه لدرجاته وقد تصيبه ضائقة او يعسر رزقه وفي ذلك خير كثير له وهو لايشعر. ان المسلم الحق يعلم علم يقين ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ويعلم ان ما قدره الله في هذا الكون انما هو لحكم بالغة علمها من علمها وجهلها من جهلها ومن هذا الباب فقد ذكر العلماء وتعلموا بعض تلك الحكم مما يصيب المسلم من الاذى والتي منها: اولا: معرفة عز الربوبية وقهرها وان ما اراده الله كائن لامحالة. ثانيا: معرفة ذل العبودية وكسرها يقول تعالى: (الذين اذا اصابتهم مصيبة قالو انا لله وانا اليه راجعون) اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده وانهم راجعون الى حكمه وتدبيره لامفر لهم منه ولا محيد لهم منه. ثالثا: الاخلاص لله تعالى اذ لا مرجع في رفع الشدائد الا اليه، وان يمسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. رابعا: التفرغ والدعاء قال تعالى: (واذا مس الانسان ضر دعانا) ولو لم يكن من فوائد المحن الا هذا لكفى، اذ تظهر فيه حاجة العبد الى ربه. خامسا: تمحيص الذنوب والخطايا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه، والشوكة يشاكها الا كفر بها عن سيئاته) رواه مسلم. سادسا: مافي طيها من الفوائد الخفية التي لايعلمها الا الله ولذلك لما اخذ الجبار سارة من ابراهيم عليهم السلام كان في طي تلك البلية ان اخدمها هاجر فولدت اسماعيل لابراهيم عليهم السلام فكان من ذرية اسماعيل خاتم النبيين فأعظم بذلك من خير في طي تلك البلية. سابعا: ان المصائب الشديدة تمنع من الاشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر. ثامنا: الرضا الموجب لرضوان الله تعالى فان المصائب تنزل بالبر والفاجر فمن سخط فله السخط ومن رضي فله الرضا. ولهذه الفوائد وغيرها ينبغي للمسلم ان يتحلى بالصبر ويتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم ان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم امته ان يقولوا عنه الكرب (لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السموات السبع ورب الارض ورب العرش الكريم). @@ عبدالهادي محمد المطيري