عندما بدأ تطبيق دستور اليابان السلمي الذي صاغته الولاياتالمتحدة بعد عامين من هزيمة طوكيو في الحرب العالمية الثانية نظمت احتفالات عزفت خلالها فرقة موسيقية عسكرية يابانية السلام الوطني الامريكي. وفي اليوم نفسه.. الثالث من مايو 1947.. انتحر مسؤول ياباني كبير سابق احتجاجا على وثيقة الدستور التي تنبذ الحرب وتضع السيادة في يد المواطنين لا الامبراطور. وبعد مرور 57 عاما ومع توجه الجيش الياباني الى العراق تحت ضغوط امريكية للقيام باخطر مهامه خارج البلاد منذ عام 1945 بدأ اجماع يظهر بين السياسة للمطالبة بتعديل الدستور الذي لم يتغير منه حرف واحد منذ تطبيقه. وتوجه فريق متقدم من الجيش الى العراق امس الجمعة لتفقد الاوضاع استعدادا لارسال مهمة قد يصل قوامها الى الف فرد. وهذا في حد ذاته تغيير ضخم في دولة فيها الجدل الامني مقيد منذ فترة طويلة بسبب المادة التاسعة الشهيرة في الدستور التي تنبذ حق شن الحرب وتستبعد تماما فكرة تشكيل جيش. وقالت صحيفة (اساهي شيمبون) التي تميل الى الاتجاه الليبرالي هذا الاسبوع خلال أغلب فترات ما بعد الحرب كان مجرد الاشارة الى تعديل الدستور كافيا لاسقاط حكومة. وأضافت: ولكن يبدو الآن ان الخلاف الوحيد بين الحزب الديمقراطي الحر الحاكم والحزب الديمقراطي المعارض الرئيسي يدور حول التعديلات التي يتعين ادخالها وموعد تنفيذها. ويأمل المحافظون الذين يتطلعون منذ عقود لتعديل الدستور ان يؤدي القلق الشعبي المتزايد بسبب التهديدات العسكرية الاقليمية خاصة من كوريا الشمالية الى تأييد المطالب بتعديل الدستور.لكن وضع تعديلات محددة مسألة شائكة للغاية. وقال رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي الذي يؤيد تعديل المادة التاسعة لتسوية الوضع الغامض لقوات الدفاع الذاتي جيش اليابان هذا الاسبوع سيستغرق الامر خمسة اعوام على الاقل. ووافق الحزب الديمقراطي الحر امس الجمعة على برنامج عمل يتضمن خطة لوضع قانون لتعديل الدستور بحلول عام 2005 وتعهدا بالتصديق في أسرع وقت ممكن على قانون يحدد اجراءات تنظيم استفتاء. واقرار التعديلات يستلزم موافقة ثلثي اعضاء مجلسي النواب والشيوخ واغلبية الناخبين في استفتاء عام. لكن حزب كوميتو الجديد الشريك في الائتلاف الحاكم قلق من تعديل الوضع السلمي للدستور.. كما اظهر مسح للناخبين العام الماضي ان 42 في المئة فقط يؤيدون ادخال تعديلات. وفي مؤشر على تغير الاوضاع فقد دعا ناوتو كان زعيم الحزب الديمقراطي المعارض لوضع دستور جديد يصيغه اليابانيون بانفسهم. وقال كان: ان تعديل المادة التاسعة يستلزم الحصول على ثقة الدول الآسيوية التي لا تزال لديها ذكريات مريرة من الحرب العالمية الثانية والاستعمار الياباني. وكان الزعيم المعارض قد قال لرويترز العام الماضي: اذا عدلنا الدستور للسماح بارسال قوات الدفاع المدني الى الخارج فان هذا سيسبب مشكلات كبيرة ما لم نقيم علاقة ثقة مع دول الجوار.. ونطمئنهم ان اليابان لن تقوم باعمال كالتي حدثت في الثلاثينات. ويبدو في حكم المؤكد تقريبا ان الجدل سيتسع لابعد من المادة التاسعة ليتطرق الى مسائل تتعلق بالثقافة والحقوق والالتزامات.فقد قال اوكيهارو ياسوكا رئيس لجنة اصلاح الدستور في الحزب الديمقراطي الحر ان الدستور يركز على السلام والديمقراطية وحقوق الانسان الاساسية والتعاون الدولي. وفي هذا الاطار فهو دستور جيد. ومضى يقول لرويترز لكنه يعمل ايضا على استثناء كل ما هو ياباني مضيفا ان الدستور المعدل يجب ان يتضمن القيم الثقافية والتقليدية اليابانية. ويقول مؤيدو هذه الراي ان مثل هذه التعديلات ستساعد على وقف امراض اجتماعية مثل ارتفاع معدلات الجريمة وتراجع الانضباط الدراسي. لكن المنتقدين يرون ان المحافظين يريدون تغيير الطبيعة الاساسية للدستور من وثيقة تحمي حقوق المواطنين الى اخرى تركز اكثر على واجباتهم. وقال مونيوكي شيندو الاستاذ في جامعة شيبا الدستور في النظم الديمقراطية يستهدف أساسا تقييد سلطة الحكومة لكنهم يريدون ان يجعلوه شيئا مختلفا. وفي ظل هذه الصورة فان النقاش قد يستغرق اعواما. ويقول جيرالد كورتيس الاستاذ في جامعة كولومبيا لا اعتقد ان هذا الخلاف سيحل في هذا العقد.