أرامكو السعودية شركة رائدة بكل المقاييس، وهي من أفضل شركات البترول العالمية إدارة وكفاءة. لا أقول هذا تزلفا، فليس من طبعي ذلك، ولا أقوله مجاملة فليس في ذلك مصلحة، ولكني أقوله اعتمادا على معرفة وثيقة بالشركة، أولا من خلال التفاعل الخلاق بينها والجامعة التي حظيت بالعمل بها على مدى أربعة عقود تقريبا، وثانيا من خلال عضويتي السابقة بمجلس إدارتها التي امتدت ست سنوات. اضافة الى ذلك سمعت العديد من رؤساء سابقين لشركات بترولية عالمية يشيدون بكفاءتها العالية. ولكن أرامكو مثقلة بمهمات خارجة عن نطاق عملها الرئيس وهو استكشاف واستخراج البترول. سأشير الى واحدة من هذه المهمات لأني أجدها الأكثر اثقالا، ووجودها ضمن مهمات الشركة يأتي على حساب كفاءة أداء هذه المهمة وجدواها الاقتصادية. هذه المهمة هي تكرير البترول، التي وإن كانت في السابق تعتبر امتدادا طبيعيا لاستخراج البترول إلا أن شركات البترول العالمية أدركت منذ زمن أن من الأجدى اقتصاديا أن يكون تكرير البترول، الذي هو عادة قليل العائد، جزءا من الصناعات البتروكيميائية، التي كثيرا ما تكون ذات ربحية عالية، وأنه يتطلب ثقافة وهيكلية ادارية أقرب الى تلك السائدة في هذه الصناعات. ثم ان الهدف من ملكية الدولة الكاملة لشركة أرامكو هو من أجل أن تقوم باستكشاف واستخراج البترول نيابة عنها نظرا لكون هذه المادة الاستراتيجية ملكا للدولة، ومن ثم فقيامها بمهمة تكرير البترول لا يتوافق مع هذه الاستراتيجية إذ يضيف عبئا ماديا على الدولة وإن كان غير ظاهر، وقد يشغل الشركة بعض الشيء عن مهمتها الأصلية. ستقوم الشركة بمشروع ضخم وهو منظومة مصفاة رابغ التي ستكلف البلايين من الريالات. ولربما ترى الدولة مناسبة تحويل هذه المنظومة الى شركة مساهمة مستقلة، كبداية لتخليص أرامكو من عبء التكرير، خصوصا ان هذه المنظومة ستشتمل على صناعات بتروكيميائية تعزز كثيرا جدواها الاقتصادية، وان الجمهور متعطش الى المزيد من الأوعية الاستثمارية المجدية. وقد تعقب هذه الخطوة خطوات أخرى تتمثل في تخصيص مصانع التكرير الأخرى مثل رأس تنورة والرياض أو اضافتها الى الشركة المساهمة الوليدة. بهذا تتفرغ أرامكو لعملها الأساسي الذي يحتاج الى المزيد من الجهد منها.