المطلع على ديوان (حينا من الضوء) للشاعر مسفر الغامدي , يخرج بتصور أولي يحمل شيئا من التلقي , الواضح , والتفاعل الجاد , والتواصل الشاعري , فالديوان يحمل مؤشرات شاعرية تتيح لمن يقرؤه أن ينشد مع صاحبه: يكفيني من هذا البحر الاعمق أن أتملس وهج الشاطئ وأزيح ستار الماء قد أبصر قافية راجعة تتأرجح ما بين الغيم وبين الصحراء !! (فاكهة ص 76 ) فجميع القصائد التي يضمها الديوان تنتمي الى أجواء القصيدة القصيرة والتي تعطيك مفاتيح بنيتها من أول وهلة, فضاءاتها جميلة ومفرداتها عميقة , وموسيقاها جذابة. ويمكن لي أن أتداخل مع هذه الفضاءات الشعرية عبر مجموعة من المحاور التي أعتبرها مفاتيح للدخول الى اجواء النصوص وملامسة فضاءاتها ودلالاتها , بل اعتبرها قراءة اولية تحتاج الى متابعة متأنية للوقوف عند جماليات النصوص , وآفاق الشعرية فيها. أولا: البعد التربوي / المدرسي في الديوان: التعليم , حجرة الفصل , الشنطة المدرسية , المدرسة, الطباشير , الكتاب , المقاعد , الحروف , المعجم اللغوي , الحائط المدرسي, الادارة , تتهجى , الحقيبة , الدفتر .. كل هذه المفردات يوظفها الشاعر في نصوصه توظيفا يستحق الاشادة ففيها الكثير من الشاعرية , والاعتزاز بهذا المنجز التربوي: (أذكر.. ان الطريق الى المدرسة كان يرفل في الاغنيات ولكنني لم أكن لأراها لأن عيوني مثقلة بالنعاس!! الآن أذكرها جيدا وهي تغسلني بغبار الطباشير .. وأنا غارق في البياض !!) (حجرة الفصل 13 14 ثانيا: تجليات الضوء: منذ عنوان الديوان( حينا من الضوء) الذي هو في الاصل عنوان لنص داخل الديوان(ص 59 61) وهو مهدى لابنه ضياء , منذ ذلك ومفردات الضوء تتقافز من الدويوان وعبر نصوصه) , مما يجعل الناقد متحفزا لمتابعة الانبثاقات الضوئية ودلالاتها في هذا الديوان , حيث بلغت احصائيا ثلاثا وثلاثين مفردص (33) تتأرجح معانيها ما بين ضوء النار , وضوء القمر , وضوء ثالث لا يدرك فهمه لأنه مجازي. ويمكن مقاربة ذلك على النحو التالي: ضوء النار الموقد الجمر نارين مدفأة فانوي جمرة جمرة الطفولة نارها ضوء النور الفجر فجره النور النجوم النهار (2) الصباح الضوء(3) المصباح الشمس مفرق الشمس ضياء (2) مطلع الفجر اشراقة برق ضوء ينكسر الضوء المجازي ومضة تعلم بياض ابيض الخبر المضيء الصفحات البيض ومن خلال ذلك يمكن المقارنة على أن البياض , والوضوح والاشراق سمات يشعر بها القارئ عند قراءته الديوان , فلا يشعر بالغموض , ولا النشاز ولا العبارات الغليظة , فكل قصائد الديوان تحيلك الى فريد من الشفافية والبساطة والوضوح والضوء. ثالثا: مطاردة الشعر والبحث عن القصيدة: ومن خلال النصوص القصيرة التي تملأ صفحات الديوان , واختزال اللغة وتكثيفها , واللجوء الى بحرين أو ثلاثة من البحور الخليلية واقتصار الديوان عليها , يجعلني كقارئ أتلمس قدرة الشاعر على مد حبال الشعر الى اقصى مداه , ولكن مداه قصير جدا , مما يحفزني على القول إن النفس الشعري لدى الشاعر قصير , والقضية الشعرية التي يتداخل معها لا تحتاج الى المطولات ولا الاسراف اللغوي , فيكتفي الشاعر , بالتكثيف اللغوي ويبني عبارته السهلة الواضحة ليصبح الى ما يريد (نص شعري مكتمل لكنه شعري)!! وهذا يجعلني اميل الى القول بان الشاعر هنا يبحث عن الشعر يطارد القصيدة , يتوسل المفردات , يلح في طلبها فلا تجيب الا بالقدر اليسير. وهذا ما تؤكده بعض الرموز والدلالات المنشظية في نصوص الديوان مثل ما يلي: تتقافز الحروف هاربة من المعاجم .. خارجة للقصائد خرجت من المعجم اللغوي لألهو منفردا في مدار القصيدة. وعكفت أهيىء أمنية الشعر .. وأوالف بين الحروف. وأن سفن الاشعار الى مطلع فجر لا يأتي. قد أبصر قافية راجعة. يتوسل برقا لأمطاره. يرسل الطير والخيل والليل في طلب الشعر حين تجفل منه القصيدة حتى تجيء القصيدة أولا تجيء !! وفي الختام: أشعر وأنا اقرأ هذا الديوان الأنيق الرفيق ، الرشيد , اللطيف , الخفيف بمتعة شعرية لا متناهية , ففيه لغة شعرية منسوجة بحرافة وفنية , لغة راقية فيها كثير من اللطف والبهاء يعج بالانسيابية والمرونة وسهولة المعنى , ليس فيها غموض يستحيل على التواصل والتأويل. قصائد تشعرك بالحميمية فمعجمها وأسلوبها يفتح بين القارئ والناس حميمية تفضي الى القراءة الماتعة.