اود في البداية ان اشيد بكفاءة محامي وزارة البترول والثروة المعدنية الدكتور سعود عبدالله العماري، لا لأني اعرفه شخصيا واعرف مقدار كفاءته، ولكن لانه قاد فريقا من المحامين كلف بالدفاع عن منظمة (اوبك) لنقض حكم قضائي صدر بحق المنظمة لمخالفتها قانون عدم الاحتكار الامريكي، وقد نجح. وكانت احدى المحاكم الابتدائية في ولاية الباما الامريكية قد اصدرت حكما غيابيا ضد المنظمة اعتبر حكما نهائيا وامرا قضائيا. وقد ورد في حيثيات القضية او الدعوى التي رفعها مالك احدى شركات توزيع المنتجات البترولية في الولاياتالمتحدةالامريكية (إحدى مافيات الاقتصاد الامريكي) ان منظمة اوبك توطأت مع بعض الدول غير الاعضاء مثل النرويج والمكسيك وروسيا في خفض الانتاج بهدف رفع الاسعار ومن ثم مخالفة القانون الامريكي. وقد مثل الادعاء في القضية مجموعة من المحامين المدفوعين من قبل اللوبي الصهيوني بهدف المساس بالمنظمة، التي تتمتع حسب القانون الدولي بحصانة قانونية. والغريب ان الحكم الذي صدر تضمن في تفاصيله ان دول المنظمة، والمقصود طبعا هو العربية منها، اصبحت عرضة للملاحقة القانونية كدول، وكذلك الشركات التابعة لتلك الدول حسب القانون الامريكي. ومع ان الدعوى في مجملها تتصف بالكثير من الغرابة كونها رفعت ضد منظمة دولية لها ثقلها الاقتصادي ولها حصانتها القانونية، الا ان نقض الدعوى من قبل احدى محاكم الاستئناف الامريكية كان اكثر غرابة، اذ ان الحصانة الدولية لم تكن هي السبب في رفض محكمة الاستئناف للحكم والتوصية بالغائه، وانما الاستناد الى الاسلوب الخاطىء في التبليغ، اذ ان الخبر الذي اوردته الزميلة صحيفة (الوطن) في عددها رقم 1177 الصادر يوم السبت 20 من شوال 1424ه جاء فيه ما يلي: (وبعد دراسة الخيارات المتاحة لمواجهة الدعوى عبر فريق من الخبراء القانونيين من دول المنظمة برئاسة الدكتور سعود عبدالله العماري، مثل وكيل المنظمة، امام المحكمة وطالب بنقض الحكم مؤسسا طلبه على الاسانيد القانونية الواضحة، الامر الذي دعا القاضي الى الموافقة على ايقاف تنفيذ الحكم ضد المنظمة ودولها لمدة 30 يوما وتمديد فترة الاستئناف. وهنا تقدمت اوبك بطلب آخر وجهه وكيل المنظمة الى رئيس المحكمة الذي امر بنسخ الحكم النهائي والامر القضائي ورفض القضية المرفوعة من بريويت رفضا تاما. ومما ورد في تفاصيل الخبر ايضا ما يلي: (وجاء في حيثيات الحكم بالنقص ان بريويت اختارت محاولة تبليغ اوبك بالاجراءات القانونية وفقا للانظمة الفيدرالية الامريكية للاجراءات المدنية ولكن قانونية ذلك الاجراء لا تكون نافذة الا اذا كان قانون البلد الاجنبي -النمسا - يعتبره قانونيا، وقد وجدت المحكمة ان اسلوب التبليغ الذي تم لاوبك كان ممنوعا في النمسا لان المادة (2) في الاتفاقية بين اوبك والنمسا مقر المنظمة تنص على ان التبليغ بالاجراءات القانونية. لن يحدث في المقر الرئيسي لاوبك الا بالموافقة الصريحة وتحت ظروف يقرها الامين العام) اي ان عدم قانونية التبليغ الذي تم للمنظمة مباشرة دون ان يمر عبر الحكومة النمساوية هو ما ادى الى نقض الحكم. غريب حقا امر هذه الغطرسة الامريكية التي بلغت حدا جعل محاكمها حتى الابتدائية منها تطال دولا ذات سيادة ومنظمات دولية. والحكومة الامريكية وشركاتها تمارس ابشع انواع الاحتكار والمقاطعة لدول يرى القانون الامريكي اوالحكومة الامريكية، ظلما وعدوانا، انها خرقت القانون الدولي حتى لو كانت تلك المقاطعة فردية، اي قد تمت بدون قرار دولي. ومع هذا لم يعمد اي من تلك الدول لمقاضاة الحكومة الامريكية، او الشركات التابعة لها. ولكنها شريعة الغاب، التي استمرأت امريكا ممارستها ضد دول العالم الثالث الضعيفة، حتى ولو كانت تلك الدول تسعى لحماية مصالحها المشروعة. فقيام اوبك مثلا بالسعي لخفض الانتاج لمنع تدهور الاسعار يعد جريمة في عرف القانون الامريكي، الذي يمارس فيه كارتل الشركات الامريكية الاحتكار على مختلف المستويات وبأبشع الاساليب، ولولا شفاعة القانون النمساوي لاوبك لتبنت الحكومة الامريكية ذلك الحكم وقامت بمطاردة اوبك والزامها بدفع التعويضات عن الخسائر التي لحقت بالشركة صاحبة الادعاء. وهذا بالضبط ما جاء في الادعاء الاساسي، الذي تقدمت به شركة بريويت انترناشيونال من ان اوبك تنسق عملية مؤامرة دولية من خلال الاتفاقيات، التي تعقدها بين اعضائها او مع الدول غير الاعضاء لتحديد انتاج وتصدير النفط الخام بغية تحديد الاسعار، وان ذلك يشكل انتهاكا للقوانين الامريكية، التي تمنع تجميع الرساميل، ونتج عن ذلك اثر بالغ وعام على تجارة واقتصاد الولاياتالمتحدة، كما ادعت بريويت انه نتيجة لتصرفات اوبك غير القانونية تصاعدت تكاليف شراء الجازولين لشركة بريويت بشكل كبير لذلك طالبت بريويت باعتبار الاتفاقيات المنسقة من قبل اوبك غير قانونية حسب القانون الامريكي ومنع تطبيقها وتعويض بريويت عن خسائرها المترتبة على تلك الممارسات. وفي الختام اقول للدكتور سعود العماري: سلمت يداك يا ابا عبدالله انت وزملاءك على ما قمتم به فلولا الله ثم انتم لأصبحت اوبك تقف الآن في قفص الاتهام الامريكي. ومن يدري فقد يصدر اثر ذلك حكم بمقاطعة الدول الاعضاء فيها ونصبح جميعا نرزح تحت مطرقة المقاطعة الامريكية من اجل سواد عيون شركة بريويت.