كان مذهلا لاحد المشايخ الفضلاء ذلك السؤال: (هل يجوز للولد أن يدعو على والده)؟ لقد كنت اسأل احد العلماء عن دعاء الوالد على ولده, هل يأثم عليه الوالد ام انه يكون معذورا بنيته تأديبه وان كان مخطئا في اتخاذه هذا الاسلوب, فكان الجواب: بل يأثم لان الدعاء السلبي ليس نوعا من التأديب اصلا, ولان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تدعوا على اولادكم), والنهي هنا للتحريم. ان كثيرا من الآباء والامهات خصوصا يحتجون في استمرارهم على هذه الوسيلة السيئة شرعا وتربية بأنهم يدعون في لحظات الغضب الهادر, وانهم بعد ان تحترق قلوبهم ألما لعناد الولد او عدم مبالاته بهم او عدم قدرتهم عليه لكبر سنه مثلا احيانا, فان الدعاء عليه يخفف من توهج النار في قلب الوالد الغاضب, وانهم لا يقصدون ان يجاب دعاؤهم على فلذة كبدهم, ولكن الحقيقة ان الانسان كلما كان حاضر القلب في دعائه كان ذلك ادعى لاجابته, لان الله تعالى في المقابل لا يستجيب لقلب لاه كما ورد في حديث آخر. ولاشك ان للدعاء على الولد آثارا عكسية في التربية كثيرة جدا, منها: انه ربما استجيب للوالد كما نص عليه بقية الحديث السابق اذ لعله يوافق وقت اجابة فيجاب للداعي, والثاني احساس الابن بانه انسان مرفوض من قبل ابيه, وانه غير سوي, بل ويحس بكثير من الاسى والحزن جراء خوفه من اجابة هذه الدعوة وان لم ير اجابتها في الحال, ثم ان الولد ليفرح كثيرا بدعوة ابيه له لانها تشعره بالقرب النفسي منه, وحب ابيه له الخير والنجاح, وتسكب الطمأنينة في نفسه, فاذا انقلبت الى ضدها, فان المشاعر كلها تأخذ شكلا عكسيا تماما, وهناك يبدأ العد التنازلي في درجات التعلق الابوي في نفس الولد ذكرا كان او انثى, حتى يشعر الولد بأنه ليس له مكانة عند ابيه, بل ربما ظن انه يكرهه, وانه يتمنى التخلص منه نهائيا بأية وسيلة, فيتمنى الموت علنا, كاتما كثيرا من المشاعر في داخله حتى يبلغ سن السادسة عشرة من عمره, حينها ينفجر في وجه ابيه وامه متذمرا من كل اساليب القمع التي يمارسونها معه, بكل صراحة ووضوح, وتبقى قضية درجة التذمر ووسائله متنوعة من شخص الى آخر, بحسب البيئة ونوع شخصية الولد وشخصية الوالد, متراوحة بين البوح الباكي مرورا بالصراخ وضرب الآخرين للتعبير عن سخطه, حتى ربما ضرب ابويه, الى الهروب نهائيا من المنزل والانضمام الى بيئة اخرى تتلقاه بالاحضان لاستغلاله. ولكن كيف يدعو الولد على والده؟ الصدى الذي خلق الله ناموسه في الطبيعة هو قانون الارتداد الخلقي في علاقاتنا بالآخرين, فانك لو صحت امام الجبل يا حبيبي, لاجابك: يا حبيبي, واذا صحت امامه: يا عدوي, لاجابك: يا عدوي. وهو ما يحدث تماما مع اولادنا, فانك اذا تحببت اليه تحبب اليك, واذا ناصبته الشقاء واللوم والمؤاخذة زهد العيش معك, وبحث عن متنفسات قد تكون صحبة السوء, او قد تكون عصابات الاجرام, او قد تكون الفضائيات السخيفة الهادمة للدين والخلق, او قد تكون شبكة الانترنت في جانبها التخريبي, والسبب انت بالطبع, لانك ابتعدت عن ولدك ثم اخذت تصرخ به, فيرتد اليك الصدى نفسه: البعد والصراخ. ولذلك كانت مأساة صاحبنا حين سأل الشيخ الفاضل: هل يجوز دعاء الولد على والده, فكان جواب الشيخ: لقد اذهلتني, وما وراء سؤالك من قصة؟ فاجابه: ان اختي تدرس في الجامعة, وكان والدي كثيرا ما يعبر عن غضبه عليها بسبب تصرفاتها بالدعاء عليها, وكثيرا ما كان يقول: (الله لا يوفقك في دراستك كلها) فكانت اختي ترسب مرارا في الفصل الدراسي الواحد, حتى فصلت من الجامعة, فانبرت لابيها التاجر تدعو عليه وتقول: (الله لا يوفقك في تجارتك كلها), فدخل في صفقة بمئات الآلاف فخسرها خسارة كبيرة جدا!! انه ناموس الصدى الذي لا يكاد يتراجع!!