لو دعا علينا شخص وهو منفعل وخاصة من الجيل السابق بثقافتهم الشعبية المعتادة الذين لهم دعاء تعودوه مع أولادهم ومن يتعامل معهم حيث لا يدعون إلا بخير فقال: [رح عساك ريح أم حمد] فإننا بلا شك سنشعر بعداوته وكراهيته وأنه يدعو علينا بالمرض والذي كان يسمى الريح ، سنستشف منه القسوة والعدائية. لكن لو عرفنا الحقيقة وما يتبادله البعض عن أصل ريح أم حمد لتبدل انفعالنا السلبي و شعورنا هذا ولأخذنا القول على وجه آخر مختلف وحملناه محمل القبول والرضا وأنه يدعو لنا وليس علينا. إن أجدادنا وآباءنا يصدر منهم كثير من الأوامر والنواهي سواء لأولادهم أو لغيرهم حتى على الدواب والمواشي التي في بيئتهم ، وفي الوقت نفسه يجعلون مع الأمر أو النهي دعاء بالبركة أو التوفيق والصلاح والفلاح وكأنه دعاء عليهم أو يفهم منه ذلك، إما بالعافية أو الرزق أو بالشيء الجميل في حياتهم، وعادة تصاغ كلمات الدعاء وتشتق من الأمر نفسه و من النهي. فيقولون مثلا: تعال يا سعد الله يسعدك ، وتعالي يا سارة الله يسرك ، ويا نورة الله ينور عليك ويا صالح الله يصلحك أو: (رح عساك لريح أم حمد) ، أو (صلح السراج عساك الصلاح) أو (تغانم الوقت يا مال الغنيمة) أو، ( سَم ، سم الله عدوك) أو (عده عداك الشر) أو عافت الأغنام الطعام عساها العافية ..الخ مثلما أنهم يخوفون الأطفال ولكن بشيء لا يخيف عادة بل هو طيب مثل : عوافي الله . فيقولون : نم وإلا جاءتك (عوافي الله والنعم) ولا يهمهم بعد ذلك أن يتخوف من المجهول أو يفزع، فالمهم عندهم أن يريحهم الطفل من الإزعاج أول الليل فليس لديهم القدرة و الصبر عليه ، كما أنهم يحذرون من الدعاء عليه بشيء يلحق الضرر به إن استجيب وإن كانوا يكررون في معظم دهشتهم وتعجبهم قولهم (وجع) وهي كلمة تعني عساه الوجع وهو دعاء ليس بمستحسن، لكنه أخذ صفة الخطأ الشائع الذي يدخل في حكم اللغو غير المقصود ولا المحسوب أو المعقود عليه نية الدعاء بل إن بعضهم لم يفكر في اللفظة ومعانيها أصلا. ولكن للأسف تحول الأسلوب في الأوامر والنواهي في وقتنا الحاضر إلى دعوات قاسية وغير تربوية ولا رحمة فيها كما يبدو من ظاهرها وإن كانت قلوبهم والله أعلم لا تقصد المضمون نفسه، كأن يقال للطفل: كل كلتك الضبعة وعيالها السبعة، وهي جملة فيها أمر بالأكل ولكن بأسلوب عدائي، أو يقولون: شل شالوك على النعش، يعني دعاء بالموت، أو رح راحت روحك، وهذه الدعوات كلها تتضمن نوعاً من التنفيس وفيها سلطوية وعدائية ولم تنتشر في السابق القديم حيث تغلب الرحمة ويفيض العطف في القلوب. سعد بن جدلان نعود للدعوة على الطفل أو غيره ب [ريح أم حمد] ولا أعتقد أن أحدا من كبار السن وهو من سكان وسط الجزيرة وإقليم نجد إلا وقد دعا عليه أحدهم أو هو دعاء به أو سمع من يدعو ب[ريح أم حمد ]. فهل هو دعاء فيه قسوة وكراهية ؟ أم أنه عكس ذلك مقبول والكل يقول : آمين ؟ قبل أن نعرف هذا الدعاء وقصته نسأل ما هي الريح ؟ والجواب: الريح مرض، و كانت الريح تطلق على كل إلتهاب لا يعرفه الطبيب الشعبي فيما مضى، فكل ما جهله الطبيب يضاف لقاموس و مصطلح الريح ، وتعني المرض الذي يختفي ويروح أي يعود فالرواح هو عودة الشيء آخر النهار حيث يبيت المرض مع من يعانيه، يقولون: روحت عليه الحمى وكنا نظنه شفي منها. إذا الريح مرض ، وبالتالي فأي دعاء بالريح هو دعاء بالمرض، هكذا يفهم. لكن الذين يخصصونه ب (أم حمد) بالذات لهم فيه شأن آخر وتوجه مختلف ، فأم حمد أصيبت بالريح أو المرض المفاجئ فلماذا يدعون على بعض أولادهم بريح أم حمد بالذات ولا يدعون بالريح على إطلاق الكلمة وعموم المرض ؟ أم حمد لها قصة يتداولها البعض مشهورة، ولا يعرف من هي أم حمد امرأة تقوم بشؤون بيتها، تجلب الماء من الآبار وتتعب طيلة النهار، تذهب مع صاحبات لها إلى البر و الروضات المعشبة في فصل الربيع، القريبة من البلدة في صباح كل يوم، كعادة النسوة في زمن مضى، تجمع الأعشاب أو ما نسميه الحشيش وهو نبات الربيع والبر، وذلك لإطعام المواشي والأغنام في حينه، أو تخزين الزائد تحسبا لموسم الجفاف وهو الصيف. في إحدى المرات و[أم حمد] تجمع الحشائش وعن طريق الصدفة ، وجدت حافة قدر نحاسي مدفون في الأرض ، رأته وقد انكشفت حلقة القدر النحاسي فأدركت أنه كنز مدفون من الكنوز القديمة، وتأكدت من ذلك وخافت أن ينتبه له النسوة معها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع تركه فيعثر عليه آخرون ويستولون عليه، هذا رزق ساقه الله لها وهي في أمس الحاجة إليه. أصابتها الحيرة وبحثت لها عن حل وحيلة تصرف بها الأنظار عن الكنز و في الوقت نفسه المحافظة على السرية التامة ريثما تنقله ويقع في حوزتها. جلست في المكان ووضعت عباءتها على ما ظهر من الكنز، وادعت وجعا في ركبها وأنها أصيبت بالريح المفاجئة ولا تقوى على السير والعوة إلى البلدة خاصة والريح المفاجئة هي أشد أنواع المرض، حتى مساعدة الأخريات لا تنفع مع ( ريح أم حمد ) المفاجئة هذه، وقد قالت لهن : لم تصبني مثل هذه الريح منذ أن ولدت وأخشى أن تكون عين أصابتني. طلبت أم حمد من صاحباتها العودة وتركها في المكان ودعوة زوجها لكي يساعدها عاجلا وعلى وجه السرعة من أجل العودة للمنزل قبل الغروب و حلول الظلام ، لقد تمددت أم حمد حول الكنز كالمصاب بطلق ناري لكنها لا تحدث ولولة ولا صراخا ولا أنينا. وصل الخبر لأبي حمد ففزع وخاف على زوجته التي أصابت ركبتها الريح و حضر مسرعاً إلى المكان ، وبعد أن تبين الأمر فإذا المسألة مفرحة وأنها تغطي بعباءتها كنزا من الذهب والفضة، فانقلب همه سعادة وسروراً وعرف أن أم حمد تتمتع بالذكاء ورزانة العقل والحكمة وما كان يظنها كذلك من قبل ، فزادت غلاء ومحبة عنده خاصة وأنها أصبحت اليوم ثرية، فأفرغ الذهب والفضة في زبيل زوجته الذي كان من المفترض أن يملأ بالعشب والحشائش وعادت أم حمد تسابق زوجها كالغزال تقفز وتهرول من خفة ونشاط و فرح، ومعها المال الوفير الذي سيغنيهم عن التعب بقية حياتهما. وبالتالي فإن حيلتها و ادعاء المرض الذي هو (ريح أم حمد) أو المرض الوهمي ما هو إلا طريق التجارة والغنى والخلاص من الشقاء و التعب فانقلب إلى دعاء به على معناه النهائي المفرح لا على مضامينها المتشائمة، فكانوا يدعون به من باب فتح باب الرزق وتحصيله بشكل مفاجئ والتفاؤل بذلك، ولكن الدعاء بقي مجهولة قصته عند من يوجه إليه وربما من يقوله ويدعو به على الآخرين، واليوم يستخدم على ظاهره دعاء يقصد به الضرر وليس النفع وذلك لغياب قصة أم حمد عن الأذهان وبقاء الدعاء لا يحتمل إلا المرض. وفكرة الغنى والثروة المفاجئة فكرة قديمة تتردد في قصص السابقين عن أجدادنا وهي تتجدد مع كل جيل جديد، ولاشك أنه حلم كل إنسان أن تفاجئه ثروة تختصر عليه سنوات التعب والكفاح والشقاء، لكن لا ننس أن أرزاق العبادة مقسمة من رب العالمين. يقول الشاعر سعد بن جدلان: يالله ياحامل مفاتيح الارزاق المعتني في رزق نفسٍ خلقها عن الخفايا ماعلى عينك رواق وأذنك عن الاسرار ما هيب صقها تجعل لنفسي عن غضب وجهك اعتاق بيديك عرفان الأمور ووفقها ويقول الشاعر مشعل الشمري والله لو لاْرزاق تاتي نهابه ما يشرب العصفور من جمّة البير لاشك با القدره تكون الاجابه الله كفل بالعدل رزق العصافير واليا اختلف طبع البشر لا غرابه طبع البشر قابل يجي فيه تغيير وبما أن إمكانية ضربة الحظ تأتي من أي جهة وفي أي لحظة و من سوق الأسهم أيضا ويصيب المحظوظ ريح أم حمد ثانية فإن الأحلام تراود بعضهم في ثروة مفاجئة و نحن ندعو لهم بريح أم حمد متكررة لعل وعسى تتحسن أوضاعهم. يقول الشاعر مشعل الهجله: يالله ترزقني وترزق هل السوق اللي لهم في كل يوم اعتراشي متى المؤشر يا حمد يرتفع فوق واصرِّف اللي ناشبٍ فالمواشي طبيت وسط السوق يجذبني الشوق مع عالمٍ فيها كثير النقاشي