قالت سيتا هاغوبيان التي تملك محلا للزهور في شارع الكرادة في وسط بغداد: لا كهرباء، لا وقود، لا امان، نحن محرومون من كل شيء، انه يوم رأس السنة الاليمة قبل ان تضيف ساخرة: بابا نويل هذه السنة يرتدي زيا عسكريا. وشارع الكرادة، المزدان باعلانات اجهزة الخليوي والاطباق اللاقطة في حين تنتشر بين جنباته عربات بيع الخضار وسندويشات الهوت دوغ، اغلق ابوابه قبل هبوط المساء كعادته كل يوم، غير آبه بيوم رأس السنة الذي اعتاد العراقيون في الماضي على الاحتفال به في المطاعم والنوادي حتى ساعات الفجر الاولى. واكدت سيتا: لم اكن اغلق ابواب متجري في السابق قبل الساعة العاشرة ليلا في حين انني لن اجرؤ اليوم على البقاء هنا بعد السادسة مساء.. وتذكر بحنين الطقوس الخاصة بموسم اعياد الميلاد ورأس السنة وحركة البيع والشراء النشطة آنذاك: كان بابا نويل يقف عند باب المحل يوزع الحلوى على المارة. ولا تتجرأ صاحبة متجر الزهور على الخروج من منزلها وحيدة في ظل التهديدات بالخطف. وقالت في هذا الصدد: لا اخرج من البيت الا برفقة رجال من اقربائي، لم اقد سيارتي منذ اكثر من عشرة اشهر، اخاف من النهب والسلب وما نسمعه يوميا عن عمليات الخطف. واضافت: كما تشاهدين، لم اختر اليوم ملابسي بعناية كما لم اصفف شعري، كل ما سأفعله هذه الليلة هو تناول طعام العشاء مع عائلتي في البيت قبل ان اخلد الى النوم، فرأس السنة لا يعني لي شيئا في ظل هذه الظروف. وقال رامي ناطور الذي قصد متجر الزهور لشراء باقة من الورد لخطيبته التي سيمضي رأس السنة معها في المنزل العائلي لتناول طعام العشاء ومشاهدة التلفاز: لم اخرج مع خطيبتي الى مطعم منذ عشرة اشهر. واضاف ممازحا: انا في وضع خطوبة مع وقف التنفيذ.. وأوضح: بات التجول رعبا حقيقيا، خصوصا في الليل، لقد عثرنا على قنبلة يدوية مرمية في حديقة مقابل متجري وابلغنا الشرطة، هذه الامور باتت امرا عاديا في يومياتنا وقال: وحده الانتحاري سيجرؤ على السهر في الخارج هذه الليلة في ظل الظروف الامنية الراهنة مضيفا: رحم الله ايام (الرئيس العراقي المخلوع) صدام (حسين). كان كل شيء افضل. وبالنسبة لخولة الجنابي التي تملك متجرا مجاورا صغيرا للزهور والهدايا والتجهيزات الكهربائية، فان حركة البيع في موسم اعياد الميلاد ورأس السنة تراجعت من 90 الى 10% بسبب الظروف الامنية. واضافت: اليوم، لا امن للخروج الى المطاعم والنوادي ولا حتى وقود لتشغيل سياراتنا، لم يبق لنا سوى التلفزيون الا ان الكهرباء ايضا مقطوعة.. وتابعت: كل شيء مفقود، اين هي هذه الحرية التي يتحدثون عنها، نحن لا نعرف حتى معنى الحرية. ورغم الاوضاع الامنية المتردية التي ارغمت لؤي حمندي، احد تجار الالبسة في شارع الكرادة، على اخفاء السلاح داخل متجره خوفا من اعمال السرقة، فانه لا يخفي ارتياحه ازاء سقوط النظام قائلا: وضعنا النفسي افضل بكثير، لقد تخلصنا اخيرا من طغيان صدام مضيفا: انا متفائل جدا بالسنة المقبلة. وقال صاحب المتجر ان زيادة اجور الموظفين في القطاع الرسمي وانفتاح قطاع الاعمال الخاصة الحرة دفع بابناء الطبقة الوسطى الى قصد متجره الذي كان في الماضي حكرا على الطبقات الميسورة والنافذين في السلطة. لكنه اشار الى انعدام الخدمات الاساسية التي تنغص حياة العراقيين قائلا: يتحدثون عن حقوق الانسان، نحن نريد فقط ابسط الخدمات التي تتيح لنا ان نعيش كبشر. وتساءل: هل يعقل ان نصدق ان اعتى الجيوش التي جاءت الى العراق قاطعة المحيطات لا تستطيع ان تؤمن مولدا للكهرباء وادوات صحية لتنقية المياه لاهل العراق؟.