لا تزال أسعار النفط تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، حيث شهد سعر برميل النفط في العام الحالي تذبذبا متواصلا متأثرا في ذلك بالعديد من العوامل والتطورات السياسية والأمنية، التي تأتي في مقدمتها الحرب الأمريكية على العراق والاحتجاجات المتواصلة ضد الرئيس الفنزويلي والتي ساهمت في تراجع انتاج النفط في فنزويلا بنسبة كبيرة، وكذلك توتر الأوضاع السياسية في نيجيريا. وعلى الرغم من ارتفاع متوسط سعر برميل النفط الا انه لم يتجاوز في المتوسط سعر الحد الأعلى المستهدف من قبل منظمة الأوبك والبالغ 28 دولارا للبرميل، حيث بلغ متوسط السعر للعام الحالي 27.4 دولار للبرميل. ويبدو ان منظمة الأوبك عازمة على المحافظة على متوسط هذا السعر في العام المقبل، حيث أقدمت في اجتماعها الأخير الذي عقد في شهر سبتمبر الماضي في العاصمة النمساوية (فيينا) على تخفيض انتاج النفط بمقدار 900 ألف برميل يوميا اعتبارا من بداية شهر نوفمبر الجاري، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار التي كانت قد بدأت تميل للانخفاض بعد زيادة المعروض في الأسواق العالمية في شهر أغسطس الماضي، حيث بلغ الانتاج العالمي من النفط حينها 79.7 مليون برميل يوميا، مقابل حجم الطلب العالمي الذي وصل إلى 78.4 مليون برميل يوميا. وبجانب تخفيضات منظمة الأوبك، فقد أبدت البلدان المنتجة والمصدرة للنفط من خارج المنظمة، كروسيا وسوريا ومصر وعمان وانغولا تعاونا كبيرا للمحافظة على السعر المستهدف، خصوصا ان معظم هذه البلدان يعاني صعوبات مالية تحتم عليه التعاون لزيادة عائداته من النفط. وبالنسبة لعائدات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي فقد ذكر تقرير صدر عن أحد المصارف الاماراتية بأنها قد بلغت 136 مليار دولار عام 2000 ثم تراجعت إلى 112 مليارا عام 2001، ثم 120 مليارا في 2002، و140 مليارا العام الماضي. وبالاضافة الى ارتفاع الاسعار في عام 2003، فان التطورات السياسية والأمنية أدت الى زيادة انتاج النفط في دول المجلس التي تتمتع بأوضاع سياسية وأمنية مستقرة، وبالأخص بعد تأخر عودة انتاج النفط العراقي إلى معدلات ما قبل الحرب، وذلك بسبب استمرار تردي الأوضاع الأمنية هناك. وألمح التقرير الى ان ارتفاع العائدات النفطية والناجم عن ارتفاع الأسعار ستكون له انعكاسات ايجابية على مجمل الأوضاع المالية والاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. أما فيما يتعلق بتطورات أسواق النفط العالمية في العام المقبل، فان ذلك سوف يخضع للعديد من الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية للبلدان الاعضاء في منظمة الأوبك، كالعراقوفنزويلاونيجيريا، فالعراق في حالة استقرار أوضاعه الأمنية يمكن أن يرفع انتاجه إلى 3.5 مليون برميل يوميا في العام المقبل، وفق تصريحات وزير النفط العراقي، مقابل 700 ألف برميل في الوقت الحاضر، كما ان الانتاج الفنزويلي الذي تراجع إلى 2.2 مليون برميل يوميا، يمكن ان يشهد زيادة كبيرة اذا ما أسفرت الانتخابات القادمة عن وصول رئيس جديد يملك تصورا مغايرا للسياسة النفطية لبلاده تختلف عن سياسة الرئيس شافير والملتزم بحصص الانتاج ضمن السقف الذي تحدده منظمة الأوبك. وفي هذه الحالة، فانه يمكن اضافة أربعة ملايين برميل يوميا للمعروض الحالي من النفط في الاسواق العالمية، في الوقت الذي تتوقع فيه وكالة الطاقة الدولية زيادة الطلب بمقدار مليون برميل يوميا فقط في عام 2004، مقارنة بحجم الطلب في العام الحالي. وخلص التقرير الى ان الضغوط التي ستتعرض لها أسعار النفط في العام المقبل ستكون كبيرة، وربما تؤدي الى انخفاض الأسعار من جديد الى ما دون الحد الأدنى للسعر المستهدف والبالغ 22 دولارا للبرميل، مما يزيد حجم المسئوليات الملقاة على عاتق منظمة الأوبك التي ستجد نفسها أمام صعوبة القيام باجراء تخفيضات جديدة في مستويات الانتاج.