هنا.. فجأة تظهرين..! من رماد سنين الزمان القديم تحلين ضيفا على خاطري في المساء الحزين تمسين هذا الذبول الكئيب بذاتي وكل انكسارات عمري الذي أثقلته السنون فتأتلق الروح شوقا إليك ويدفق نبض الحياة بأوصال قلبي الوهين وتدنين مني.. فأشعر أني بحال على غير حال تعود أناي التي غادرت عند زحف المشيب فأغدو بها سيد العاشقين ويومض في ناظري بريق خبا, وأبصر ما لم تكن أبصرته العيون! حقول الجفاف التي حاصرتني طويلا تبدت حقولا من الزهر والياسمين. واسمع ثغري يعزف لحنا جميلا, وقد كان يعزف قبل وصولك لحن المنون. وتحضن عيناك وجهي.. فيرجع عهد الصبا والزمان القديم وتنهض بي قدماي بدون اتكاء كأني لست الكهول العليل! فأبصر نفسي فوق جوادي, وأنت ورائي, عقدت يديك على خاصرتي وسرنا بموكب عرس لنا عبر درب النخيل ويعمر سمعي هزيج الصبايا, حداء الرجال ونقر الدفوف ويرقص قلبي لصوت الصدى والصهيل. ورحت أمد بكفي إليك.. لعل الأمس وجهك ذاك الذي كنت أغفو وأصحو على نوره في الزمان الجميل. وياليتني ما فعلت..!! فقد راح ينسل من ناظري رويدا رويدا.. تلاشى بعيدا.. مضى في ثنايا النخيل!! هناك استحال كياني على غير حال! فكل الطيوف المضيئة حولي خبا النور فيها وعادت بلون الرماد, وما عدت أبصر ما كنت أبصر قبل قليل. وعادت حقول النخيل كقبل مجيئك قحطا يبابا وقفرا فما عاد ماء ولا سلسبيل, وما عاد فيء وظل ظليل وخيم بؤس كئيب على كاهلي, وعاد كياني ينوء بحمل السنين الثقيل. وحين التجأت لقلبي الوفي وجدته خلفك فر وخلفني واجما في ذهول. هناك مددت يدي واتكأت على آخر الأوفياء.. عصاي القديمة.. عكازتي, حيث عاد انحناء قوامي الوهين. هناك تساءلت عن سر ومضة روحي.. ترى هل يقينا تجلت بنا ام تخاريف عمر تسلت بها لمزات العيون؟!