نظمت الادارة العامة للتربية والتعليم ممثلة في ادارة المكتبات والثقافة العامة محاضرة عن التعليم كفاءة الانفاق.. كفاءة الأداء ألقاها عضو مجلس الشورى إحسان علي بوحليقة وذلك صباح أمس بقاعة الأمير محمد بن فهد. وتناول المحاضر أهمية التعامل مع البناء المدرسي تعاملا اقتصاديا يرتكز في الأساس الى التمويل من الخزانة العامة حيث ان الكفاءة العالية تولد من رحم الادارة الناجحة والتي تعني الأمانة والاقتصاد والجاهزية. ورأى بوحليقة ان الامانة لا تعني هنا عدم السرقة ولا تعني الصدق مع المراجع حسب مقتضى الحال او ببيان الفرص المتاحة امام المنشأة بل تعني دفع المنشأة في الاتجاه الذي يحقق لها (وليس للمدير) مكاسب ونموا مستقرا يحافظ عليها ويحسن من ادائها ومن تأثيرها في مجتمعها ويحد من تكلفة تشغيلها. اما الاقتصاد فهو لا يقتصر على (قصقصة) المصروفات للتضييق على ابداع المبدعين واحباط مبادرات التابعين بل الحفاظ على الموارد من الهدر, وتوظيفها التوظيف الافضل. اما الجاهزية فهي الاستعداد لما قد يستجد, وتعني العمل على توقع تداعيات الأحداث والتفكر في الاحتمالات ووضع خطط لمواجهتها حال حدوثها.. لا الانتظار حتى تقع وذلك باستخدام آلية الاستعداد وهي التخطيط المنهجي. ورصد بوحليقة المخصص لتنمية الموارد البشرية في الميزانية العامة للدولة حيث وجد أنها في حالة نماء مستمر, ففي العام 1996 كان نحو 28 مليار ريال قفز الى 42 مليارا في العام 1977 الى نحو 46 مليارا في العام 1998, وتراجع في العام 1999 الى 43 مليارا ثم مالبث ان تصاعد الى 49 مليارا في العام 2000 والى 53 مليارا في العام 2001 وتراجع في العام 2002 الى 47 مليارا في العام 2002 وصعد لقرابة 50 مليارا العام 2003 والى ما يتجاوز 60 مليارا في ميزانية 2003 ويضمن ذلك اعتماد بناء 1000 مدرسة جديدة وتخصيص اعتمادات لألفي مدرسة تحت الانشاء مشيرا الى القفزة الكبيرة في مخصصات الصحة والتعليم في ميزانية العام 2004, حيث تقدر الزيادة بنحو 21 مليارا وجاء عدم القدرة على خفض التزامات الباب الاول تحديدا دفع الميزانية التقديرية لتسجل عجزا تقديريا للعام 2004 بنحو 30 مليار ريال. وقال بوحليقة: ويبدو مبررا نثر شيء من الابتكار والتجديد في تدبير ايرادات الخزانة العامة, رغبة في تحقيق جملة اهداف منها لجم جموح منحنى الدين العام, اذ يجب ان نضع له (سقفا) لا يتعداه, مما يجعل البدائل (في حال عجز الايرادات) محصورة حكما ليس باختراق السقف بل باعادة توزيع الايراد المتاح فعلا طبقا للألولويات التنمويةّ ورغم جاذبية الفكرة لكن تنفيذها يتطلب انقلابا في منهجية اعداد الميزانية المستقرة منذ سنوات بادخال تعديلات جذرية عليها, وفي المقابل ستمتلك ادارة الخزانة العامة المرونة لامتصاص تذبذب تدفق الموارد من عام الى عام, بحيث يقع عبء التكيف على جانب الانفاق ليتعامل مع جانب الايراد باعتباره سقفا لا يتزحزح ولا سبيل لاختراقه, وهذا يتطلب ابتداء تعديلا في السياسة المالية الحالية لتتخلى عن خيار تغطية القصور في الايرادات عن طريق الاقتراض.. ليقع بذلك عبء التكيف على الايرادات فما تستطيع توفيره للوصول لسقف الانفاق يستكمل بالاقتراض. وتساءل المحاضر عن التوزيعات الحالية لبنود الانفاق العام والتي بالامكان ان تدخل ضمن دائرة الاستخدامات البديلة.. وهذا يقود للسؤال: هل اسلوب توزيع ايرادات الخزانة العامة على الاستخدامات قابل للتطوير والتعديل, بقصد تحسين كفاءة استخدام اموال محدودة بالفعل لتقوية برنامج الرفاه وتعزيره؟ ولتحقيق هدف آخر هو منع بند العجز من الظهور نهاية العام المالي. والا كيف السبيل للسيطرة على دين داخلي نتج اساسا لتمويل العجز المتراكم في الميزانية منذ العام 1983 دون انقطاع فيما عدا العام 2000 والعام 2003؟ وفي اجابته عن التساؤلات قال أبوحليقة: وكما هو معروف فالميزانية السعودية ميزانية ابواب: تعتد اعتدادا كبيرا بالسنة السابقة ويخصص الجزء الأهم منها (اكثر من 60 بالمائة) رواتب, ونحو 15 بالمائة اخرى مخصصات اخرى تتعلق بالموظفين وعملهم, ويبدو ان هناك مفصلين للتعامل مع ميزانية الابواب او البنود, الاول: الحصول على الاعتمادات المالية, والثاني: صرف تلك الاعتمادات, ولا محل للحديث مطولا عن نتائج الانفاق حديثا تقويميا, فالانجاز في عرف الاجهزة الحكومية اجمالا هو صرف المال انفاقا نظاميا, اي ان المهم سلامة إجراءات الصرف, انطلاقا من ان قرار الصرف قد اتخذ عند اقرار الاعتمادات, وهكذا.. فالمسئول في ميزانية البنود يراقب الصرف هل هو ضمن البند؟ وهل تجوز المناقلة اجرائيا بين البنود وبين الأبواب.. ليس اكثر وهكذا فضبط الانفاق في ميزانية الابواب لابد ان يحدث قبل حتى ان تخصص الاعتمادات. ولذا.. تناقش الاعتمادات بين الجهة المعنية ووزارة المالية قبل بداية العام المالي بعدة اشهر, وتخصص بعد ذلك طبقا للمتاح من الاموال وللأولوية, وبالتأكيد ومن واقع البيانات الرسمية, فان اعتمادات التعليم تأتي مباشرة, من حيث القمة بعد مخصصات الدفاع والأمن القومي كان المخصص لها في العام 2003 نحو 70 مليارا واعتمد لتنمية الموارد البشرية قرابة 50 مليارا كما سبقت الاشارة) ولعله ليس من المبالغة القول ان النمو في اعتمادات تنمية الموارد البشرية يجعلها مرشحة بقوة لتحتل المرتبة الاولى, بين القطاعات, من حيث ما يخصص لها من انفاق الميزانية العامة للدولة. واوضح ابوحليقة ان عيوب ميزانية الابواب والبنود مطبقة في اغلب الدول العربية وان توزيع الموارد النادرة والمحدودة يصبح للحد البعيد اجراء روتينيا عاما بعد عام, يلتزم بالموظفين ومصاريفهم ابتداء.. ولذا سمي الباب الاول كذلك, ولذا اصبح الباب الاضخم وسط معاناة البابين الثالث والرابع, في وقت مازالت البلاد تخطو على طريق التنمية, وليس في مقولة ان ميزانية الابواب هي اجمالا من الموظفين واليهم اي تجن: رواتب وانتدابات ومصاريف ستقر ومستهلكات لمكاتبهم.. وهكذا يحصل من هو خارج حلقة الحكومة على القليل مهما كان الانفاق عظيما, ولذلك فحتى يصبح بوسع الحكومة تخصيص المزيد من الاموال للتعليم والصحة لتلبية الطلب المتزايد على خدماتها.. انعكست الزيادة في المصروفات عليهما عجزا تقديريا في نهاية العام 2004. ميزانية بلا عجز وعن الجدل حول تحول صيغة الميزانية الى الصفرية يقول بوحليقة ان الوقت حان لادارة الميزانية والمالية العامة بصورة اقرب للأسس الاقتصادية المرتكزة لتعظيم المنفعة, منها للانفاق العام القائم على فكر الخزينة الذي تهيمن عليه عقلية ادارة النقد وضبط التدفقات النقدية, ورغم أهمية إدارة النقد وضبط التدفقات لكنها لن تحقق افضل عائد لتوظيف ريال اضافي نتج عن ارتفاع الايرادات, ولن توجد مخرجا لنقص ريال سوى الاقتراض. وفيما يخص اقتصاديات التعليم.. وتوظيف المال العام لتحقيق افضل عائد, يقول بوحليقة انه من المناسب بيان ان اللجوء لصيغة تخصيصية لبناء القطاع الخاص للمدارس نظير مخصصات الايجار ليست الخيار الاقل تكلفة من الناحية المالية, فالفارق مماثل للفرق بين الشراء النقدي والتقسيط على سنوات طويلة. وهو فارق في التكلفة كبير بالفعل فقيمة بناء نحو عشرة آلاف مدرسة مستأجرة قد يتجاوز 50 مليار ريال, بفرض ان متوسط تكلفة المدرسة نقدا نحو 5 ملايين ريال. اما عندما يكون الخيار تمويلا عبر دفعات سنوية لمدة 20 عاما مثلا فالتكلفة قد تتضاعف على اقل تقدير. واشار المحاضرة الى اهمية ان يطلق برنامج وطني لبناء المدارس بهدف التخلص من المباني المتهالكة والمستأجرة يمول البرنامج من الخزانة العامة مباشرة. ومن المفيد التذكير ان عدد الطلبة والطالبات ينمو بما يزيد على 3 بالمائة سنويا مما يعني حتمية افتتاح مدارس جديدة كل عام, وبمعدل يتجاوز المدرستين يوميا (بلغ متوسط الزيادة في عدد المدارس خلال السنوات 1966 - 2000 نحو 850 مدرسة سنويا, فقد ارتفع من 18400 مدرسة الى 21800 مدرسة خلال الفترة المشار اليها. وتحدث بوحليقة عن بعض الامثلة حول بناء المدارس مؤكدا على اهمية ترتيب الحكومة التمويل عبر الخزانة العامة باصدار سندات مخصصة لبناء المدارس, فتصيب المنفعة من كل اطرافها: تكلفة الاصدار منخفضة مقارنة بالخيارات الاخرى والحكومة تتخلص تدريجيا من اعباء دفع ايجار للمدارس, ويتصاعد عدد المدارس ذات المواصفات التربوية الملائمة, كما ان في ذلك تنشيطا لقطاع التشييد والبناء. وتجدر الاشارة الى ان عدد المدارس المستأجرة حاليا يتجاوز عشرة آلاف مدرسة, اي بما يزيد على نصف عدد مدارس التعليم العام بنين وبنات. وبين المحاضر ان الخيار في للخزانة العامة التي تسعى الى تقليص الانفاق من حيث التكلفة على المدى الطويل, هو توفير الاموال مباشرة من الخزانة عوضا عن اللجوء للقطاع الخاص ليقوم هو بالتمويل ذلك ان المقاولين في القطاع الخاص سيلجأون للمؤسسات المالية لتمول العملية برمتها ويدفعوا تكلفة نظير ذلك, ويحمل القطاع الخاص - اضافة الى ذلك - ارباحه المباشرة, مضيفا تكلفة انتظار سنوات طويلة ليسترد رأس ماله. وفي المقابل فقدرة الحكومة افضل كثيرا من القطاع الخاص للتفاوض للحصول على تمويل غير مكلف ومن فم الاسد فيصبح دور القطاع الخاص محصورا في تشييد المدارس ولاعلاقة له بتمويلها, لتقوم الخزانة العامة بتلك المهمة اما باعادة ترتيب الاولويات وتوفير الاعتمادات اللازمة لبناء المدارس, او بطرح سندات خزينة مباشرة في السوق المالية المحلية. ولفت المحاضر المتحمسين لادخال القطاع الخاص في تمويل بناء المدارس الى ان المدارس الحكومية لاتخضع للمفاهيم الارتكازية للتمويل الذاتي للمشاريع, فهي (اي المدارس) عبارة عن مراكز تكلفة لا مراكز ربح, فليس لها تدفق نقدي بمقدوره سداد الاقساط المستحقة اضافة للارباح على مدى سنوات طويلة واذا كان هناك من يعتبر الاجرة التي تسددها الخزانة العامة هي بمثابة تدفق نقدي فذلك يعيدنا للنقطة التي تناولتها لماذا تتحمل الخزانة العامة اعباء الارباح والتمويل وهي غير مضطرة لذلك, اذ بوسعها ترتيب التمويل مباشرة وتكليف مقاولي بناء المدارس لصالحها؟ وكما سبقت الاشارة, ففي حال عدم توافر النقد حاضرا لدى الخزانة العامة بامكانها طرح سندات خزانة بمسمى سندات بناء المدارس مثلا باجل متوسط (في حدود 10 - 15عاما) ويمكن في هذا السياق الاستفادة من المدخرات الشخصية الحائرة, اخذا بالاعتبار ان نحو 40 بالمائة من الودائع في البنوك السعودية لايحصل اصحابها على اي عائد لقاء ايداعها ويتيح هذا الخيار للجميع فرصة المساهمة في الحل ليس فقط بالنصائح المجانية او بجني الارباح الطائلة نظير التمويل. وفي ختام محاضرته اقترح المحاضر عددا من النقاط عن بيئة المبنى المدرسي وفي ذات السياق, لعل المناسب النظر في سلسلة من الخطوات المفيدة, كما يلي: احياء مجلس المعارف ومنحه الصلاحيات التي تمكنه من تحريك وترشيد القرار في قضايا التعليم العام المتشعبة, ليصبح بمقدور المجلس ان يشرع للتعليم العام دون تردد ويبت في خطط التعليم وتطوير المناهج والتمويل واساليبه ويقترح الميزانية وينظر في الابنية والتجهيزات وفي توظيف التقنية والتثبت من الجودة النوعية.. ولعل اللجنة العليا التي شكلت قبل فترة قصيرة برئاسة سمو النائب الثاني تعد نواة لاعادة طرح مجلس المعارف بصيغة متطورة وكذلك ايجاد مركز مستقل لجودة التعليم من مهامه مراقبة كفاءة مؤسسات التعليم واصدار التوجيهات المحددة كل مؤسسة وتصنيفها طبقا لمعايير الجودة ولفت نظرها او انذارها عند تدهور ادائها. وعلى المركز ان يعمل وفق أسس الشفافية, حتى تعمل ادارات المدارس لاستيفاء معايير المهنية. وانشاء صندوق لتمويل التعليم, فاهمية وجود هذا الصندوق لايمكن ان تقل باي حال عن اهمية وجود صناديق الاقراض المتخصصة القائمة حاليا فالهدف منه توفير المال لمشاريع التعليم العام من جهة, ودعم مشاريع التعليم الاهلي من جهة اخرى, واستقطاب المال من المصادر العامة والخاصة وتلقي المنح والهبات ونظارة الاوقاف المخصصة للتعليم. ويكون من مهام هذا الصندوق التنسيق مع الخزانة العامة لتمويل المشاريع التعليمية وفق انسب الادوات واقلها تكلفة مع وجود صندوق لتمويل التعليم.. ستصبح لدينا خيارات خصخصة حقيقية تتجاوز مجرد تشييد بناء مدرسي لما هو أبعد من ذلك عبر تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم وليس في التشييد والبناء فقط. الجدير بالذكر ان هذه المحاضرة هي الرابعة والاخيرة لانشطة ادارة الثقافة والمكتبات. جانب من الحضور