عزيزي رئيس التحرير هوة عميقة تزداد باطراد بيننا وبين ابنائنا بحاجة الى ردم.. وفجوة سحيقة تتسع بيننا وبين الجيل القادم بحاجة الى التئام. هل هي ازمة في الفهم والتعاطي الايجابي معهم، ام لعله صراع الاجيال؟ اتكون تلك العلاقة الهشة والرؤية الضبابية المتبادلة بيننا وبينهم هي السبب؟ ام ان التواصل المفقود هو معول الهدم الذي ما فتئ يقضي على جسور الاتصال الفكري بيننا وبينهم فأضحت القطيعة النفسية بين الآباء والابناء ظاهرة حقيقية تحتاج للتأمل والبحث والدراسة؟ سمعت ان احد الاساتذة الجامعيين رغم اطلاعه على كل جديد في التربية، نظرياتها وتطبيقاتها، ورغم استفادته المستمرة من خبرات اقاربه وزملائه من الآباء في التعامل مع أبناءه، ورغم انه طرق جميع السبل واستنفذ طاقته في استخدام كل الوسائل الا انه لايجد لذلك اثرا ملموسا على بعض ابنائه ولم يتحقق له الهدف المنشود الذي يطمح اليه، يقول هذا الاب انه لم يطلب يوما المستحيل من ابناءه ولا يريد أبدا منهم ان يكونوا صورا كربونية منه ولم يكن همه ان يستنسخ منهم ما يشبهه في درجته العلمية او في تخصصه كما انه لم يجبرهم البتة على انماط فكرية تسير وفقا لرغباته وتتسق مع ميوله، ورغم كل ما بذله ويبذله فليس ثمة نتيجة تبهج خاطره وتفرج اساريره. هذا الاب لايزال يعيش في حيرة من امره فكأنه في واد وابناءه في واد آخر، يشعر احيانا بأنه فشل في تربيتهم وانه يغرد وحده خارج السرب. لاشك انك تقف مشدوها وانت تستعرض ما سبق، وان الصورة القاتمة الآنفة الذكر تؤكد اننا امام مشكلة حقيقة يعيشها كل الآباء ربما تتفاوت نسبيا بين اب وآخر ولكن ما يعنينا الآن ان نبحث في الاسباب ونضع الحلول، ان نسلط ضوءا موضوعيا على هذه الظاهرة لنخرج بعلاج لها قبل ان تستفحل ويصبح برؤها صعبا ومعقدا. ولعل من اوضح الاسباب للقصور في تربية الابناء والفشل معهم في مجتمعاتنا هو ان الآباء والمربين لم يمحصوا النظريات التربوية الغربية قبل تطبيقها ولم يستثمروها بالطريقة التي تتناسب وفكر ابنائنا ورغباتهم وميولهم واحتياجاتهم وخصائصهم وفي هذا السياق يرى جمال بن فضل الحوشبي في كتابه (تربية العظماء - قراءات دعوية في كتب الادارة المعربة الغربية) تحت عنوان (جناية التربية المادية على الاطفال) ان هذه الجناية تتمثل في تركيز الجهد التربوي نحو تغذية العقل والجوارح مع اهمال متعمد لتغذية القلب والروح، والناظر في وسائل التربية الحديثة ومناهجها يجدها - حتى في بلدان المسلمين اليوم - تحذو حذو هذا الاتجاه وتعززه باستمرار، وبهذا تتخرج اجيال تلو اجيال تعاني من تشبع زائد في تربية الجسد والجوارح يصل الى حد التخمة بينما تعاني من جفاف شديد في مناهج الاصلاح القلبي يصل الى حد العدم، ويوم ان تتحرك افواج الاجيال المسلمة مع اشراقة كل صباح نحو اعمالها ومدارسها ومواقع العمل الاجتماعي المختلفة بكل طواعية وانشراح صدر بينما لا يكاد يهزها ولا يحركها داعي الفلاح لصلاة الفجر فان ازمة تربوية حقيقية تتطلب وقفة جادة من الغيورين ومناهج علمية استقرائية وبرامج عملية واعية لتصحيح المسار ، ويقول الحوشبي في موقع آخر (ان الطفل في التربية المادية ينشأ على التناقض من اول يوم، ويتشبع قلبه النقي الطاهر بالشوائب والعلائق، حتى يصلب عوده ويتسنم مواقع التوجيه ويخوض غمار الحياة وهذه التربية تتعمد تعطيل قضية القلب وتجعله منهجا ثانويا مرحليا بينما تعطي الجانب العلمي والمهاري والفكري كامل الاهتمام باستخدام طرائق الاقناع المتعددة، والتجارب العملية المحسوسة وغيرها) أ ه. وتتمة لاسباب هذه الظاهرة هناك من وجهة نظري سبب من الاهمية بمكان ادى الى ذلك الصراع وهو فقدان مبدأي الحوار والشورى بين الاجيال وهذا الامر اوجد وللاسف شجرة خبيثة يجب ان تجتث من فوق الارض وتنتزع جذورها لان من افضل ثمارها القطيعة النفسية وفشل التواصل بين الاباء والابناء. ختاما أسأل الله عز وجل ان يوفق الآباء والابناء لما فيه خيري الدنيا والآخرة انه سميع مجيب.