تنعقد القمة الرابعة والعشرون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي تستضيفها الكويت في الحادي والعشرين من ديسمبر الجاري في ظل ظروف إقليمية ودولية جديدة، فهي من ناحية أولى قمة تتعامل مع عراق ما بعد الحرب، الأمر الذي يعني أن اهتماماتها وأولوياتها ستكون مختلفة عن سابقاتها؛ حيث ستركز على قضايا لم تنل نصيبها من اهتمامات القمم السابقة. ومن ناحية ثانية: تأتي هذه القمة في ظل تنامي المخاوف من تعرض المنطقة لموجة جديدة من أعمال العنف والإرهاب، وخاصة بعد التفجيرات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية مؤخرًا، واكتشاف أجهزة الأمن الخليجية مخططات تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، مما يشكل بدوره هاجسًا أمنيًا يتطلب التنسيق والتعاون الكاملين لمواجهته. ومن ناحية ثالثة: تأتي هذه القمة في ظل ظروف إقليمية شديدة التعقيد، فإسرائيل من ناحية تتوغل في العراق اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وتداعيات ذلك على دول المجلس، والمنطقة بشكل عام، وإيران من ناحية أخرى تتعرض لحملة أمريكية غير مسبوقة تتهمها تارة بعدم (سلمية) مشروعها النووي، وتارة أخرى بتهديدها ضمنًا بالتنسيق مع تل أبيب لضرب منشآتها النووية، واتهامها تارة ثالثة بدعم الإرهاب الدولي من خلال علاقتها بتنظيم القاعدة. ومن ناحية رابعة: تأتي القمة ومنطقة الخليج مقبلة على تغيرات كبيرة متأثرة بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية، وفي ظل ضغوط لتبني إصلاحات سياسية وديمقراطية جديدة، وهو ما ظهر في دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش الدول العربية ومن بينها دول الخليج في بداية شهر ديسمبر الجاري إلى اتخاذ إصلاحات سياسية وديموقراطية، ولن تكتفي واشنطن حسب تصريحات سابقة لمستشارة الأمن القومي في شهر سبتمبر الماضي بالاعتماد على النخب السياسية الحاكمة في المنطقة لتنفيذ برامج الشراكة والديمقراطية التي تتبناها الإدارة الأمريكية، بل ستعمل داخل المجتمعات العربية نفسها لإحداث تغييرات أساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية المطلوبة عبر وسائل ضغط مختلفة. في ضوء ما سبق يمكن القول: إن انعقاد القمة الرابعة والعشرين لمجلس التعاون يأتي في ظل بيئة يتعاظم فيها الهاجس الأمني سواء من جانب دول الجوار، أو نتيجة لاحتمال تجدد أعمال العنف في المنطقة، وهي ملفات ستطغى بدورها على أعمال القمة لما تفرزه من تحديات عديدة، يمكن قراءتها على النحو التالي: 1) الوضع الأمني في العراق: كان العراق أحد البنود الرئيسية في قمم مجلس التعاون الخليجي السابقة، فخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية الثماني (1980 1988)، كان هناك اتفاق خليجي على ضرورة دعمه ماليًا وسياسيًا، واستمر هذا التوجه الخليجي حتى قام بغزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990، هنا تغير التوجه الخليجي تجاه العراق، حيث صار أحد مصادر التهديد، وانعكس هذا بوضوح في بيانات القمم الخليجية التي أعقبت الغزو والتي أكدت في مجملها ضرورة تعاون العراق مع قرارات مجلس الأمن، والابتعاد عن تهديد دول الجوار، غير أنه في الوقت نفسه حرصت هذه القمم على التفرقة بين الخطر الذي يمثله النظام العراقي، وبين الشعب الذي يتعرض لمعاناة لا شأن له بها، وطالبت بتقديم المساعدات له لرفع المعاناة والظلم عنه، ومع تصاعد التهديدات الأمريكية بشن الحرب كان الموقف الخليجي موحدًا حيث دعا النظام العراقي إلى الالتزام بالقرارات الدولية، وإظهار حسن النية، بل تقدمت الإمارات والبحرين بمبادرة لتنحية صدام حسين عن الحكم لتفادي وقوع الحرب، ولكن الأخير استمر في سياساته وقراءته الخاطئة لما يدور حوله من أحداث، وكانت النتيجة الغزو الأمريكي البريطاني وسقوط بغداد في التاسع من أبريل الماضي، وإلقاء القبض عليه في الثالث عشر من شهر ديسمبر الجاري بعد ثمانية شهور من المطاردة والتعقب، وبداية مرحلة جديدة غير محددة المعالم في تاريخ العراق. وإذا كان النظام العراقي قد مثل في الفترة من الثاني من أغسطس 1990 حتى ما قبل الحرب في مارس الماضي أحد مصادر تهديد الأمن والاستقرار لدول الخليج، فإن الإطاحة به وإلقاء القبض على رئيسه لا يمكن أن يكونا إيذانًا بزوال الخطر؛ إذ يلاحظ أن الأوضاع الداخلية في العراق تشهد حالة من الانفلات سواء على الصعيد الأمني في تصاعد عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكية، أو على الصعيد الاقتصادي في استمرار معاناة الشعب العراقي وتردي أوضاعه المعيشية وتفشي البطالة بشكل لافت بين صفوف العراقيين، أو على الصعيد السياسي في بروز نوع من الجماعات والأحزاب السياسية الطائفية التي تتصارع فيما بينها وبعضها ينادي بالانعزالية، ولا شك أن هذه الأوضاع تلقي بظلالها على الأمن والاستقرار في دول مجلس التعاون في أكثر من جانب، كما يلي: @ التخوف من أن يساعد عدم الاستقرار الأمني في العراق على استغلال انعدام الرقابة على الحدود العراقية في تهريب أسلحة إلى بعض دول المجلس من قبل بعض الجماعات العراقية هناك التي قد تحول العراق إلى سوق لبيع الأسلحة أو تجارتها، وهو الأمر الذي قد يشكل قلقًا أمنيًا في المستقبل المنظور، فضلاً عن تزايد المخاوف من استغلال حدود العراق في عمليات تهريب المخدرات، التي استشرت في الربع الأخير من العام. @ تحول العراق، في ظل هذا الوضع، إلى مركز للجماعات المتطرفة في المنطقة، التي تسعى إلى جعل العراق منطلقًا لتنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية وضد بعض دول المجلس، ويكفي للتدليل على ذلك قراءة البيانات الصادرة عن تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به، حيث تدعو هذه البيانات إلى ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة. @ احتمال بروز حركات وطنية مناوئة للوجود الأجنبي في دول الخليج، قد تلعب دورًا في إثارة المشاعر الوطنية ضد هذا الوجود، وإذا كانت حرب الخليج الثانية قد ساهمت بعض الشيء في ظهور جيل من الشباب الخليجي يرفض الوجود الأجنبي، فإن الحرب الأخيرة على العراق قد تساعد هي الأخرى على خلق جيل أكثر (راديكالية) خاصة أن المؤشرات تؤكد أن القوات الأمريكية باقية في المنطقة لفترة قد تطول. إذًا في ضوء ما سبق، فإن القمة الخليجية الحالية ستأخذ هذه الاعتبارات وتتعامل معها باعتبارها مصادر تهديد قائمة لأمنها، ولا تقل عن الخطر الذي كان يمثله نظام صدام حسين، وهذا بدوره يطرح تساؤلات عديدة من قبيل: إلى متى يبقى هذا الاحتلال؟ وما هي الأجندة الزمنية له؟ وما هي الاستراتيجية المثلى للتعاطي مع مجلس الحكم العراقي؟ وهي أسئلة يتعين على القمة الإجابة عنها. @ 2- الإرهاب: على الرغم من نجاح دول المجلس في احتواء ظاهرة الإرهاب طيلة السنوات الماضية، فإن هذا الخطر بدأ يطل برأسه من جديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبرز بشكل واضح بعد الحرب الأخيرة على العراق، ولعل تفجيرات مايو ونوفمبر التي تعرضت لها العاصمة السعودية الرياض خير دليل على ذلك، وتطرح تساؤلات حول احتمال تعرض دول المنطقة لأعمال إرهابية أخرى، فقد حذر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، من أن الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها دول المنطقة تعد أحد تداعيات هذه الحرب. وتثير التفجيرات الأخيرة أيضًا المخاوف من احتمال تنامي الخطر الأصولي مجددًا، ومن المؤشرات الدالة على ذلك ظهور جماعات تعبر عن نفسها على شبكة الإنترنت مثل "الموحدين، المجاهدين في شبه الجزيرة العربية، وغيرهما" وهي تنظيمات تعارض الوجود الأجنبي في المنطقة، وتدعو إلى ضرب المصالح الأمريكية والغربية واستهدافها في دول الخليج. وتتضح خطورة مثل هذه الحركات بالنظر إلى تأثيرها الواضح في شريحة كبيرة من الشباب الخليجي، وليس أدل على ذلك من أن الكثير من استطلاعات الرأي والتحقيقات التي أجريت مؤخرًا أظهرت أن عددًا من الشباب يرون ابن لادن بطلاً قوميًا، ويؤيدون عداءه للولايات المتحدة، ويؤشر ذلك إلى بداية تغير ملحوظ في أوساط الشباب الذي بدأ يحتج على السياسة الأمريكية التي يعدها تكيل بمكيالين، بل يتعاطف أيضًا مع الجماعات والتنظيمات التي تناصبها العداء هي وحلفاءها. إذاً الخطر الذي يمثله الإرهاب، والجماعات المرتبطة به، سيكون على قائمة أجندة القمة الخليجية المقبلة، وهذا يتطلب بدوره من قادة دول المجلس اتخاذ خطوات جادة لمواجهة هذه الظاهرة، يأتي في مقدمتها التوقيع على الاتفاقية الأمنية الموحدة بعد إزالة التعارض حول بعض بنودها، وتنسيق الجهود المشتركة سواء المتعلقة بتنظيم عمل الجمعيات الخيرية،أو التشريعات الخاصة بمكافحة غسل الأموال. 3 - الضغوط الخارجية المطالبة بالإصلاح: حيث تتعرض جميع دول المنطقة، ومن بينها دول الخليج، لضغوط لتبني إصلاحات سياسية وديمقراطية، سواء تلك المتعلقة بإعادة النظر في مناهج التعليم، وخاصة الديني، أو بقضايا المرأة ومنحها مزيدًا من الحقوق السياسية، وإذا كانت دول الخليج قد اتخذت بالفعل خطوات مهمة في هذا الصدد، مثل السماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات تصويتًا وترشحًا، وإدخال إصلاحات على مناهج التعليم، وتتجه إلى تعزيز هذه الخطوات، فإن ملف الإصلاحات يثير بعض الإشكاليات التي يتعين أخذها في الاعتبار، أهمها: @ ان الضغوط الخارجية تحاول توجيه هذه الإصلاحات باتجاه معين يتلاءم مع مصالحها في المنطقة، حيث لا تأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية والحضارية لهذه المجتمعات. @ ان الإصلاحات من شأنها أن تحدث نوعًا من التغيير في شبكة المصالح في المجتمعات الخليجية، ويترتب على هذا بروز قوى مقاومة للتغيير والتطوير تدافع عن مصالحها القوية المستقرة لسنوات طويلة، وهذا قد يؤدي بدوره إلى بروز بعض التوترات الداخلية في حال التعجل بإجراء هذه الإصلاحات أو عدم دراستها بشكل دقيق. @ ان الإصلاح عملية شاملة لا تقتصر فقط على الجوانب السياسية، بل تمتد لتشمل الجوانب الأخرى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والتركيز على جانب دون الآخر سيجعل عملية الإصلاح ناقصة. وعلى الرغم من أهمية الإصلاح السياسي والديمقراطي، فإنه لا بد أن يكون نابعًا من الداخل، ومتماشيًا مع الخصوصية الثقافية والحضارية للمجتمع، وليس استجابة لضغوط خارجية، لأنه في هذه الحالة سيكون مجرد عملية مشوهة وغير قادرة على الاستمرار. أخيرًا ان القمة الحالية، ونظرًا إلى خصوصية الظروف التي تحيط بها، يتوقع أن تكون قمة القرارات الصعبة، التي تصب في نهاية المطاف في خدمة المواطن الخليجي ورفاهيته، وفي هذا الخصوص فإن الآمال معقودة على أن تسفر نتائجها عن قرارات جديدة تشكل في مضمونها استراتيجية شاملة للتعاطي مع المشاكل التي تواجه دول المجلس في عام 2004 على مختلف الصعد: أمنيًا (إقرار الاتفاق الأمني الموحد، إعادة النظر في سياسة الاستعانة بالعمالة الوافدة التي تمثل خطرًا على التركيبة السكانية)، سياسيًا (إعادة تنظيم أمانة المجلس، إداريًا وقانونيًا وسياسيًا، لتصبح قادرة على أخذ المبادرات، ومتابعة تنفيذ القرارات ومحاسبة الدول والمؤسسات المخالفة للسياسات العامة للمجلس أسوة بالتجربة الأوروبية في هذا الخصوص، وتطوير عمل الهيئة الاستشارية للمجلس)، اقتصاديًا (إصدار العملة الخليجية الموحدة، ومناقشة موضوع الربط الكهربائي، وإنشاء أنبوب مشترك للنفط، والاتفاق على مشاريع مشتركة لتنويع مصادر الدخل).