عندما تتحدث إسرائيل عن "الانسحاب الأحادي الجانب الكبير" - من 55% من الأراضي الفلسطينية، مثلاً- فهذا يعني أنها تقوم عملياً بضم ما تبقى من الأراضي (45%). يتعامل المسئولون الأميركيون في واشنطن مع الانسحاب الأحادي الجانب، بالصورة التي تتحدث عنها حكومة شارون، على أنه محاولة للتهرب من تطبيق "خارطة الطريق"، بل ينظرون إليه بشكل أسوأ: إنهم يعتبرونه اقتراحاً غير منظور لضم "عشرات النسب المئوية" من أراضي الضفة الغربية، من جانب واحد. في الجلسات المغلقة يقوم بوش بذم شارون ويتهمه بعدم الالتزام بتعهداته، وبالتهرب من القرارات العاجلة، وبمحاولة كسب الوقت إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعد 11 شهراً، وبادعاء التحرك دون القيام بأي تحرك فعلي. إنهم يقولون هنا (في واشنطن): إن إسرائيل تتراجع فوراً عن كل إنسحاب تقوم به. ومنذ اندلاع الانتفاضة الثانية، أعادت إسرائيل احتلال الكثير من المناطق التي يفترض، حسب اتفاق اوسلو، خضوعها للسيادة الفلسطينية، بشكل كامل أو جزئي. لقد نجمت عمليات الاحتلال الجديدة عن ضرورات عسكرية وأمنية، لكن الولاياتالمتحدة ضغطت، بين الحين والآخر، كي تقوم إسرائيل بالانسحاب من بعض المناطق التي أعادت احتلالها، إلا أنها جوبهت بالرفض. وتعتقد واشنطن أن إسرائيل رفضت القيام بخطوات كهذه حتى عندما كان من شأن ذلك إنقاذ أبو مازن المناصر لأميركا. ومن الواضح أن بوش لن يسامح شارون بسبب إفشال حكومة أبو مازن.من جانب واحد، عندما تتحدث إسرائيل عن "الانسحاب الأحادي الجانب الكبير" - من 55% من الأراضي الفلسطينية، مثلاً- فهذا يعني أنها تقوم عملياً بضم ما تبقى من الأراضي (45%). فمن الذي سيوافق عليه فى العالم خاصة أن مثل هذا الانسحاب سيؤدي إلى إضعاف الأمن الاسرائيلي، حسب تحذيرات إدارة بوش. ففي الجانب الثاني ستتولد جيوب مكتظة بالسكان، تربط بينها شوارع تخضع للسيطرة الإسرائيلية. وستصبح هذه الجيوب بمثابة محاضن للإحباط والكراهية.ظاهرياً، سبق لإسرائيل القيام بانسحاب أحادي الجانب، تم تنفيذه بشكل جيد، والمقصود الانسحاب من جنوبلبنان في 2000. لكن ذلك الانسحاب تم حتى السنتمتر الأخير من الأراضي اللبنانية، ولم يكن أحادي الجانب، إذ حظي بمباركة وبإشراف الأممالمتحدة. وبالمناسبة، لقد قامت في أعقاب ذلك الانسحاب، دولة حزب الله في جنوبلبنان، ومن المؤكد أن الانسحاب لم يقرب السلام الاسرائيلي - اللبناني. وكما قال لي أحد المسئولين عن تحديد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن الانسحاب من جانب واحد سيكون بمثابة "صفقة"، إذا انسحبت إسرائيل حتى خطوط 1967، وسمحت للأمم المتحدة بالإشراف على خط الحدود الجديد، وقامت بتفكيك كل تواجد إسرائيلي وراء تلك الحدود وسلمت بحرب منخفضة للارهاب ضدها. فهل هذا هو ما يريده أنصار الانسحاب الأحادي الجانب لديكم؟. الأميركيون متأكدون من أن الجواب هو لا. في واشنطن يقولون: إنه يتحتم على إسرائيل استخلاص العبر من قضية الجدار. فلو أقيم الجدار على امتداد الخط الأخضر تماماً، لكان تم اعتباره خطوة دفاعية شرعية من جانب إسرائيل. لكن المسار الحالي، الذي يؤدي عملياً إلى ضم مؤقت لنسب معدودة من مناطق الضفة، يثير الغضب الدولي، ويؤدي إلى اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. الأميركيون، من بوش وحتى باول، ومن وولفوبيتش وحتى كلينتون، يوصوننا بانتهاج الواقعية. وكما قال أحد الموظفين الكبار: كي يؤدي الانسحاب إلى حل ما يجب أن يتم الاتفاق عليه، وإذا تم الاتفاق عليه فهذا يعني أنه ليس انسحاباً أحادي الجانب. في واشنطن يحذرون من عدم إمكانية تحقيق الحلم الامبريالي الكامن في "الحل الأحادي الجانب" الذي يمكن لإسرائيل فرضه على الفلسطينيين من خلال تجاهل وجودهم. وتحذر واشنطن من أن مثل هذه الخطوة يمكنها أن تحرف الأطراف عن السعي إلى حلول عملية في المنطقة، وتسبب الغضب للادارة الأميركية. باختصار، الرأي العام الأميركي، باستثناء بعض الهامشيين، قريب من أجواء "تفاهمات جنيف"، أكثر من قربه من أجواء "الانسحاب من جانب واحد". يديعوت احرونوت