من هندسة البترول إلى هندسة الثقافة.. وسرعان ما أثبت جدارته كمثقف وأصبح مشرفاً على القسم الثقافي في المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت ويصدر (الجريدة الشهرية) (فنون) لتكون صوتاً فنياً متميزاً يبحث بصورة جادة في سائر الفنون المعاصرة من مسرح وسينما وإذاعة وتراث وإنترنت، وليس مجرد صيغة فنية مكررة لما هو موجود. في هذا الخضم هل ينسى إبداعه أو ينشغل عنه هذا ما سيجيب عنه ، طالب الرفاعي القاص والروائي الذي دفع للساحة بمجموعة إصدارات منها: أبوعجاج طال عمرك- دار الآداب 1992م أغمض روحي عليك- قصص - دار الآداب 1995م ظل الشمس - رواية- دار شرقيات 1998م حكايا رملية - قصص - دار المدى 99م @ كتبت أول قصة في عام 1978م وواصلت النشر في الجرائد بينما تأخر نشر مجموعتك الأولى حتى عام 1991م وهي فترة طويلة، لماذا؟ * لعل أحد أهم الأسباب هو القناعة بأن المجموعة الأولى هي جواز مرور أي كاتب للناس وهي الوجه الأول للقاء بالجمهور، وبالتالي على أي كاتب أن يتريث كثيراً قبل أن يشرع في طباعة الكتاب الأول لأنه قادر على أن يذهب بك بعيداً لاهتمام القارئ وفي نفس الوقت هو قادر على أن يأخذك بعيداً جداً. لقد كان هذا التأخير مبعثه الخوف من جمهور القراء بشكل عام ومن النقاد بشكل خاص، ولكن الخوف مازال يتربص بي حتى يومنا هذا وبعد صدور أربع مجموعات قصصية ورواية. لقد كانت سنوات (78/1990م) لازمة لكي يمتلك الشخص بصمته الخاصه وصوته الخاص لكي يقدم نفسه كأفضل ما يكون ،وأعتقد أن هذا سببه الخوف والتريث. @ البعض ممن قرأ لك يقول أن هناك تشابها بين أسلوبك وأسلوب الروائي إسماعيل فهد، ما مدى صحة هذا القول ؟ * لا تستطيع تشكيل مقولات الناس ... @ هنا قاطعته، الذين أتحدث عنهم هم من المهتمين ... ؟ * حسنا، للآخر الحق في الاعتقاد بما يشاء، ولا يضرني أن أشبه مبدعا مثل إسماعيل فهد ،فهو علم في الرواية دونما جدل وأستاذاً لي وربما للكثير من جيلي وجيل الكتاب الشباب في الكويت.. بالتأكيد هناك شيء يجمعني به وهو أننا عشنا في بيئة ثقافية واحدة.. قراءتنا واحدة.. لقاء يومي ومناقشات يومية.. وربما صلة القرابى لعبت دوراً أساسياً في أن تضعنا في مركب واحد، وهو أول من أخذ بيدي وقدمني للقراء، ولكن يبقى من معين طالب الرفاعي وطفولة ورجفة قلب طالب الرفاعي ومشاعر وأحاسيس وشخصيات طالب الرفاعي وبيئاته هي ملكه وحده يشكلها حسبما يرتئي هو وكل ما قلته عوامل مساعدة فقط. فمن ينظر لهذا التقارب عليه أن ينظر للبيئات ورسم الشخصيات وسلوكها والذي بيننا سمات مشتركة من حيث الشكل وهذا لا يضير شيئاً ،إذ اللغة ملك الجميع. @ لاحظنا في قصصك - خاصة في مجموعة (مرآة الغبش) - أنك لا تعبأ بالنهايات، فغالباً ما تتركها مفتوحة ؟ * ذلك أن نهاية الحدث الحياتي مفتوحة، فلا يوجد حدث منته، حتى موت الإنسان ليس نهاية، ولأن الكتابة هي انعكاس للواقع وإعادة صياغته بشكل فني ، ولأن الكتابة تعطينا القدرة على الحلم وربما أن نشطح أيضاً.. من هذا المنطلق نهاياتي مفتوحة. وأحياناً أعتقد أن للقارئ كلمته. القصة تكتب ناقصة ولا تكتمل إلا بتلك الهمسة والآهة والدهشة ، والتساؤل هو المبعث الأساسي الذي يحرك القارئ لكي يشركه في وضع نهاية هو يراها مناسبة لهذا النص أو ذاك.. لقد ناقشني الكثير من القراء في نهاياتي وهي تعتبر بحق من أكثر الأمور التي نوقشت فيها ،وبهذه النهايات المفتوحة لا يقوم الكاتب بتسليم مفاتيح النص للقارئ لكي يقرأه قراءة عادية ثم يسلم المفتاح في نهاية النص ويمضي، لأن لحظة انكشاف النص تعني موته. @ كأنك تتحدث عن القصص البوليسية، ما الفرق بين ما تقول وبينها ؟ * القصص البوليسية تبحث عن التوتر، أما أنا فأبحث عن إجابة السؤال في اللحظة، في الحياة.. في الحب ..في السلام.. في المساواة.. في الخير.. القصة القصيرة هي مبعث يعطيني القدرة على أن أتوازن مع الواقع الذي أعيش فيه.. والفن بشكل عام هو أجمل صورة يمنح الإنسان القدرة على فهم الواقع علماً بأنه عادة ما يكون مجحفاً، بل وفي أحيان أخرى مظلماً. @ ما القصة أو المجموعة القصصية التي أحدثت لك نقلة نوعية في عالم السرد؟ * لا توجد مجموعة بعينها تعني لي شيئاً خاصاً.. كل ما أكتبه هو شيء ثمين بالنسبة لي. أنا منذ سنة مضت أعمل على التحضير لرواية وهي تمثل كل شيء ،أما بعد أن أنجزها فسيكون العمل القادم هو هاجسي.. دائما الكاتب مطالب بتقديم شيء جيد للقراء، لأنهم بمثابة السلطة الحقيقية التي تشرع سيوفها باتجاه المبدع، فأنا مطالب بتقديم الأفضل والأجود والأقدر على الإدهاش ..أما إذا قدمته للجمهور فلن يغدو من حقي إنما هو حق عام. @ ما حكاية جريدة (فنون) وماذا تؤمل منها؟ * أتت (فنون) كمشاركة أساسية في احتفالية الكويت كعاصمة للثقافة العربية لكي تسد فراغاً نشعر به، خصوصاً ما يخص الفنون من الكتابات الجادة المبدعة في السينما والمسرح والتلفزيون والعمارة والمتاحف وشبكة الإنترنت... تعرف أن السوق مليئة بالمجلات الفنية الهابطة والتي تلاحق الفنانين والفنانات والمطربين والمطربات وتطارد آخر صرعات الموضة والمكياج، لكن هذا ليس هدفنا في هذا الطرح الإعلامي الجديد. إنني أؤمل منها أن تكون منبراَ جديداً وجدياً يستطيع من خلاله المبدع العربي أن يقول كلمته فيها ووجودي فيها لا يعدو مشاركة وجهدا متواضعا لتقديم شيء مفيد للقارئ. ولا أخفيك أن ذلك على حساب إبداعي ، ولكني في ذات الوقت سأبقى مخلصاً لإبداعي وكتاباتي في القصة والرواية. @ باعتبارك مسئولاً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كيف تقيم مسألة العواصم الثقافية وقد مرت عليكم التجربة بحلوها ومرها * سؤالك أتى متأخراً نوعاً ما، لو أنك سألتني هذا السؤال وقت كانت الكويت عاصمة الثقافة ، فلقد كانت برامجنا حافلة في مهرجان القرين الثقافي الذي استمر على مدى شهر كامل من الفعاليات والبرامج الثقافية، فعلى سبيل المثال عقدت ندوة كبيرة عن الترجمة وأخرى عن التراث وعلى هامشهما تواجد عدد كبير من النقاد والمبدعين مما أعطى فرصة طيبة للقاء والحوار والمناقشة سواء في دوائر المجلس الوطني أو في رابطة الأدباء أو حتى في الجلسات الحميمية الخاصة بين الأصدقاء. إلى جانب ذلك حوى مهرجان القرين ( وهو كذلك في كل عام تقريباً ولكننا سعينا في عام عاصمة الثقافة أن يكون متميزاً ) العديد من الفعاليات على مستوى المسرح والموسيقى والمعارض التشكيلية، وهي فعاليات مهمة جداً في عالم يخلو من المشاعر. @ هناك من يقول: إن هذه الفعاليات ما هي إلا تشريف لكل دولة وسوف تمر على غيرها كما مرت بها، هذا هو كل مافي الأمر؟! * لا أعتقد ذلك، فما المطلوب من مؤسسة ثقافية أن تقوم به؟ لاشك أنها تقدم الثقافة والفن بشكل يومي للجمهور وهذا ما قمنا به ، على الأقل بالنسبة لنا في الكويت ولا أتحدث عن أي دولة أخرى.. المثقف العربي يتمنى من الدوائر الثقافية ومن هذه المهرجانات أن تقدم له طموحا ما، وهي تقوم بذلك قدر المستطاع.. ثم إن كل فعالياتنا الثقافية كانت للجماهير عامة وليست حكراً على فئة بعينها ونحن قمنا بنشر إعلاناتنا في جميع الصحف الكويتية، والمجلس ممتن لكل مشارك وكل قادم. ولا أخفيك فقد وصلتنا بعض الأخبار عما حدث في بعض العواصم الثقافية سواء من ناحية الإحباطات التي واجهها المثقفون أو من ناحية العوائق، ومن ناحيتنا فنحن لم نستند على تاريخنا الثقافي والأدبي ولا كون الكويت دولة صغيرة (وذلك في صالحنا طبعاً) وإنما عملنا قدر طاقتنا لتقديم الفعاليات الأفضل وأتمنى أن نكون قد نجحنا أو قدمنا نجاحاً من أي نوع . @ من ناحية الضيوف، ألا ترى أن الدعوات (وأعتقد أن ذلك في كل الوطن العربي) تكون للشخصيات المعروفة التي تتكرر دعوتها، بينما هناك كفاءات ومبدعون مجهولين يستحقون وإعطاءهم مثل هذه الفرصة؟ * ( يبتسم ) أتفق معك تماماً، فجميع الدعوات تأتي بهذه الطريقة، ولكني أعدك بأنني في حال حصولي على قائمة جديدة وفي حال اقتناعنا بضرورة استضافتهم سأقوم بعمل الترتيبات اللازمة، أنا شخصياً مع إبراز الوجوه الشابة (طبعاً في الملتقيات القادمة التي أكون طرفاً فيها) !!!!.