وصف الروائي الكويتي طالب الرفاعي المشهد الثقافي السعودي بالحيوي وغزير الإنتاج، لافتاً إلى إصرار هذا المشهد على قول كلمته «الصارخة»، مميزاً بين الإبداع المسؤول والإبداع الهابط «الذي لا يراد منه إلا نشر لوحات حياتية رخيصة». وقال الرفاعي في حوار ل«الحياة» إن الكتابة اختيار، وأن الكتّاب عبر التاريخ إنما يكتبون قناعاتهم، ويبثّون حيواتهم تصريحاً أحياناً وفي أحايين أخرى كثيرة تلميحاً، موضحاً أنه اختار منذ روايته الأولى «ظل الشمس» المنشورة عام 1998، أن يكون جزءاً من عالمه الروائي بسيرة حياته الحقيقية. إلى تفاصيل الحوار: كيف ترى المشهد الثقافي السعودي؟ إذ إن هناك من يقول بوجود مثقفين سعوديين وأدباء، لكن هؤلاء يفتقدون المناخ والأجواء، على العكس من بقية دول الخليج التي يقلّ فيها المبدعون، لكنهم ينعمون بأجواء صالحة، إلى حدّ ما، للإبداع، كيف ترى هذه المسألة؟ - يبدو المشهد الثقافي السعودي دالاً بالنسبة إلى الناظر، وأكثر ما يلفت النظر في هذه المشهد هو حيويته، وغزارة إنتاجه، وإصراره على قول كلمته الصارخة، وأحياناً الجريئة، وكونه بات يشكل رأس حربة للفكر المستنير، خصوصاً أن نسبة كبيرة من الكتّاب هي أقرب ما تكون لجيل الشباب. وأنا هنا أُميّز بين الإبداع المسؤول والإبداع الهابط الذي لا يُراد منه إلا نشر لوحات حياتية رخيصة. كما أن الأدب السعودي المبدع والجاد بدرجات متفاوتة يسعى إلى كشف وإدانة ممارسات معوجة ولا إنسانية، وهو بذلك مخلص لوطنه وأمته، ومتصالح مع نفسه في إدانة الباطل والوقوف إلى جانب الحق والحرية والعدالة. أما في ما يخصّ المناخ والأجواء، فعلى امتداد التاريخ البشري، كان الكتّاب هم أكثر المبشرين بالمستقبل المشرق، ووحدهم الأقدر على فتح كوات أمل في جدار الواقع الصلب، وهذا يتطلب دفع ضريبة عالية، وأحياناً قاصمة للظهر. طالب الرفاعي يعدّ واحداً من أهم الأسماء في الخليج والوطن العربي، وعرف بجرأته في تعرية المجتمع الكويتي، والانحياز إلى العمال والبسطاء، هل تعتقد أن فضح المجتمع أمر سهل يمكن ممارسته من دون تبعات؟ - يشرفني وقوفي وانحيازي إلى العمال والبسطاء والمهمّشين، ولا أعتقد أن موقفي هذا جاء من باب الصدفة، فأنا كنت ولم أزل أنتمي إلى عالم العمال والبسطاء، ماشياً درباً معبّدة بالوجع، وجع المعانات الحياتية، ووجع الكتابة. ثم إنني عاشق متيم بوطني، ومقتنع بأن الكتابة في جوهرها هي بمنزلة تسليط ضوءٍ كاشفٍ على بثور وبؤر مظلمة، وفاسدة بقصد فضحها وإدانتها، وبذلك فأنا أشترك مع الكثير من أبناء وطني المخلصين، كل في موقعه، في تعرية نماذج ساقطة، أملاً بتخليص المجتمع من سوءاتها، وأنا منذ بدأتُ الكتابة في منتصف السبعينات أعي تماماً مسؤولية الكلمة، ولا أظنّ أن هناك مسؤولية من دون تبعات، فكيف بسائر على الجمر ينجو من الحرق! لعل طالب الرفاعي من الروائيين القلائل الذين يشتغلون على التخييل الذاتي، وهو تكنيك خطر، إذ نراك تزجّ بنفسك وبزوجتك في رواياتك، هل لهذه المغامرة الفنية حدود أم أنك ماضٍ فيها؟ - الكتابة اختيار، والكتّاب عبر التاريخ إنما يكتبون قناعاتهم، ويبثون حيواتهم تصريحاً أحياناً، وفي أحايين أخرى كثيرة تلميحاً. وأنا اخترت منذ روايتي الأولى «ظل الشمس» المنشورة عام 1998 أن أكون جزءاً من عالمي الروائي بسيرة حياتي الحقيقية، أي الكتابة وفق مدرسة «التخييل الذاتي»، وأخذ هذا المشروع حضوراً أكبر في روايتي «سمر كلمات» وتجلى بوجود أفراد أسرتي وأصدقائي في رواية «الثوب». مع الاعتراف بأنني في كل ما كتبت كنتُ أسير في حقل ألغام، فحينما يكتب الكاتب عن نفسه فهو يشمل بشهادته الصريحة علاقاته بأسرته وأصدقائه ومحيطه الاجتماعي، وإذا كان من حقه أن يتكلم عن نفسه، فمؤكد أن لا حق له في جرّ الآخر، وجعل حياته مادة روائية متاحة للجميع. لذا فأنا أجازف بسمعتي حين أكتب عن خصوصيات حياتي، ولكن هو الدرب، وهو المسير بتعب الرحلة ومشاقها، وربما هذا ما يميّز مشروعي الروائي والقصصي، وأنا مستمر في حضوري الشخصي، ولو كان عبر القصة القصيرة، وهذا برأيي أصعب، كما هو قائم في مجموعتي القصصية الأخيرة «الكرسي». يشغلك أمر المؤسسات الثقافية في الخليج، وتشغلك المدن والعواصم الخليجية، بخاصة في هذه اللحظة الزمنية التي تعيش فيها مدن ما يسمى بالمركز أحوالاً صعبة، حدثنا عن بعض ما يشغلك؟ - أنا من جيل فتّح عينيه بوجود مراكز لعواصم عربية، مشهود لها بالحضور الثقافي والإبداعي من دون غيرها، لكن اللحظة الزمنية التي نحيا، لحظة الفضاء المفتوح، وثورة المعلومات، وشبكات التواصل الاجتماعي، هذه اللحظة بتداخل ظرفها الذاتي مع الظرف الموضوعي العربي ستفجر الثورات العربية، ونضال الشعوب لنيل حريتها وكرامتها، وما تشهده العواصم العربية: القاهرة، ودمشق، وبغداد، وبيروت، وتونس، والجزائر، وصنعاء وعواصم عربية أخرى من أوضاع متفجرة ودامية، وطغيان الجانب السياسي والعسكري على بقية الجوانب الحياتية، يحتم على المؤسسات الثقافية في الخليج العربي الإسراع لتشكيل كيانات ثقافية عربية، تستقطب نخب إبداعية وفكرية وأدبية عربية، لتعمل متعاونة مع النخب الخليجية، ولتعويم المشهد الإبداعي الثقافي العربي. بما يضمن مشاركة المفكر والمبدع والمثقف العربي في قراءة وتحليل المشهد الحياتي العربي الراهن، فمكابر من يقول إن الثورات العربية لم تؤثر في الكتّاب والكتابة والكتب والنقد والقراءة. فكيف بشعوب تعيش صراعاً يومياً مريراً بين الحياة والموت، وتضحي بدماء أبنائها أن تلتفت لقصة أو رواية أو قصيدة أو لوحة أو مسرحية أو فيلم؟ إن المؤسسات الثقافية الخليجية مطالبة أكثر من أي وقت بأن يكون لها حضور ثقافي عربي، يعوّض انغماس العواصم العربية بأحداث ثوراتها، وألا يقف دورها عند جوائز أو مهرجانات عابرة. أسست عام 2012 «الملتقى الثقافي»، فماذا تقول عنه؟ - الملتقى الثقافي هو صالون ثقافي كويتي النكهة ببعد عربي وعالمي، يعقد جلساته الثقافية مرتين في بيتي شهرياً، ولقد تأسس بمبادرة مني وبمشاركة من أصدقاء، منهم: إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان ووليد العوضي وسليمان البسام ومحمد جواد ونجمة إدريس وهدى الشوا وباسمة العنزي وساجد العبدلي، إضافة إلى عدد كبير من الأسماء الشبابية الواعدة. والملتقى يعنى بمد وصل الإبداع والثقافة مع المبدع والمؤسسات والملتقيات الثقافية في الكويت والبلدان العربية وأيضاً الأجنبية. أصبح الآن للرواية أدوار البطولة في الإبداع السردي، لماذا يتحول إليها الآن معظم كتّاب القصة القصيرة؟ - الرواية حياة فنية، تجاور حياة الواقع، ولأنها حياة مبتدعة، يتحكم في رسم عوالمها الكاتب، فإنها أكثر جرأةً وأملاً ورحمةً ورأفةً بالإنسان من واقع الحياة القاسي. لذا ينغمس القارئ في الرواية كي تعينه على تحمل اضطراب، ولا عدالة في واقعه الحياتي المعاش، وتخرج به من ضنك لحظته بانتظار لحظة قادمة، تكون أكثر اخضراراً بالحياة. وأظنّ أن هذا سبب وجيه، لجعل كتّاب القصة يتحولون إلى الرواية في زمن صار العنف الأعمى عنواناً له، وصارت لحظات الحياة بين صفحات الكتب ملجأ لمن لا ملجأ له. ماذا يعني لك وصول الروائيين الخليجيين إلى جوائز لها صيتها، مثل البوكر، خصوصاً أنك كنت رئيساً للجنة التحكيم خلال الدورة التي فاز فيها عبده خال بالجائزة، ودفعت ثمن هذا الفوز غالياً، وكأنه جريمة اقترفت في حق آخرين؟ - وصول روائيين خليجيين إلى الجوائز العربية المرموقة أمر طبيعي، فلا أرى موجباً لتقسيمات بائسة ترى الكاتب الخليجي أقل شأناً من الكاتب العربي، لا لشيء إلا لانتمائه العربي الخليجي. والمؤكد أن الأسماء الروائية الخليجية قادرة، سواء وصلت إلى الجوائز أم لم تصل، على أن تقنع القارئ، أينما كان، بإبداعها وقدرتها على أن تقدم فناً روائياً بنكهة خاصة، لا يقل بأية حال من الأحوال عن أية كتابة روائية عربية. وأنا هنا أتكلم عن الأعمال الروائية الخليجية ذات السوية الفنية العالية. أما في ما يخصّ ترأسي للجنة مسابقة جائزة الرواية العربية (البوكر) في دورتها الثالثة، فلقد سعدت بقراءة المشهد الروائي العربي في حينه عبر (118) رواية عربية. ولقد أجمع زملائي في لجنة التحكيم وأنا، على اختيار رواية الكاتب عبده خال لتفوز بالجائزة، وأبداً لا يعنيني كل من نعق بخبث ضدي في حينه. خصوصاً أن أسماء خليجية أخرى نالت الجائزة في دورات أخرى بلجان تحكيم عربية مختلفة، كالكاتبة رجاء عالم، بينما وصل إلى القائمة القصيرة لهذا العام كل من السعودي محمد حسن علوان والكويتي سعود السنعوسي. كيف ترى المشهد الأدبي في الكويت؟ - المشهد الأدبي في الكويت يبشر بالأمل الكبير دائماً، فإلى جانب أسماء حفرت حضورها في وجدان القارئ العربي كالروائي إسماعيل فهد إسماعيل والشاعر خليفة الوقيان والكاتبة ليلى العثمان، والناقدين سليمان الشطي ومرسل العجمي والقاص وليد الرجيب والشاعرة سعدية مفرح، إلى جانب أسماء شابة محل رهانٍ مؤمل، منها: بثينة العيسى، وميس العثمان، وباسمة العنزي، وفهد الهندال، وإبراهيم الخالدي، وسعداء الدعاس، وإستبرق أحمد، ويوسف خليفة، وسعود السنعوسي، وعبدالوهاب الحمادي، وخالد النصرالله، وبسام المسلم، ونورة بوغيث، وحمدي حمود، وشباب كثر يلوّنون بكتاباتهم الواعدة وهمتهم العالية المشهد الأدبي الكويتي، كالقصاصين: مشاري العبيد، وعبدالعزيز مال الله، وعبدالوهاب السلمان، وحمد المطر، والكاتبة أبرار الغصاب.