عبارة من أروع العبارات التي قرأتها في ملحق الاحساء بصحيفة (اليوم) العدد : (11108) إصدار الخميس 19/9/1424ه 13 نوفمبر 2003م . نطقها شاب عصامي من أبناء الاحساء الذي امتهن ميكانيكا السيارات بكل فخر واعتزاز بالمهنة.. إنه الإيمان العميق بشرف العمل مهما كان. ذلك الأخ الطموح (صالح طاهر الحميدي) الذي دخل مجال هذه المهنة في عدة ورش، تعلم منها الكثير وكسب قوته وقوت أسرته . أن يحب مهنته ولم يتأثر بما يلحق ملابسه من جرائها من زيوت وألوان داكنة تشكل كلها لوحة معبرة عن الكفاح والعصامية والطموح .. أبعث إليه في هذه المقالة تحية تقدير وإعجاب وإجلال وأدعو الله له بالتوفيق والسداد .. كما أدعو شباب الوطن من الخريجين العاطلين أن يحذوا حذوه ويقتدوا به لكي يبنوا مستقبلهم على أساس من الكفاح والصبر والطموح . وأقول لهم بإخلاص وصدق ان الوظيفة في الميدان المهني هي التي تصنع الرجال. أما وظيفة الظل فإنها تقتل الطموح وتؤدي إلى الكسل. يقول الأخ صالح لمندوب صحيفة (اليوم) (صالح القميش) إجابة عن سؤاله الأخير : ( بفخر واعتزاز ، فأنا أتلوث بالديزل والشحوم في عمل شريف واكسب رزقي بالحلال أنفقه على أسرتي والكد على العيال كما في الحديث الشريف جهاد وفيه أجر ومثوبة إن شاء الله) بوركت أيها الشاب الكريم وبوركت جهودك وفي الاحساء كثير من أمثالك وفي غيرها من مناطق المملكة. وقال الأخ الحميدي في إجابته عن سؤال المندوب بم ينصح الشباب ؟ فأجاب قائلا : أنصحهم بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي، فطالما كان الإنسان بصحته فليعمل أي عمل شريف ولا يخجل من ذلك فهذا أفضل من اليأس أو البحث عن وظيفة مريحة وذات راتب عال .. ويجب ألا ينسوا أن العمر يمضي ولا يقف عند حد . والشاب سيتزوج فهل سيمد يده لوالده ليعطيه ما ينفق به على زوجته وأولاده. إجابة رائعة أبلغ من محاضرة نظرية في إحدى الجامعات.. إن شرف العمل.. والعمل مهما كانت هي تاج على رأس صاحبها . أما التعطل وعدم المهنة والكسل والخمول في انتظار عمل وظيفي كتابي فهو الطريق إلى الإفلاس . وإنني أتوجه إلى شبابنا من الجنسين أن يبتكروا المهن الميدانية التي تخدم المجتمع وتدر الخير والرزق على صاحبها . إنه شرف عظيم للإنسان العامل وحماية له من الفقر والذل والعوز . وسأحكي لكم أيها الشباب قصصا ليست من صنع الخيال ولكنها من ميدان الحقيقة حيث شرف العمل وشرف المهنة وكسب الرزق الحلال. ابدأ بنفسي حينما كنت ادرس بالمرحلة الابتدائية وكنت يتيما وكانت والدتي تعمل في إعداد ملابس العلماء والمشائخ , كنت أشاركها المهنة وذلك بغزل خيوط لزركشة أثواب هذه الفئة من الناس وكان الدخل الأسبوعي لنا عشرة ريالات تنفق منها والدتي على المنزل وتوفر الباقي , وقبل ذلك كنت اعمل مع إخوتي شرابا لذيذا من دبس التمر ونعطي الذي يشتري خمس كؤوس من هذا الشراب كأسا سادسا مجانا. وقيمة الكأس الواحدة خمس هللات كما مارست بيع الكبريت في سوق الهفوف. كانت والدتي تدير المنزل بكفاءة عالية وتحثني على الاجتهاد والمذاكرة حتى حصلت على الابتدائية دون ان تذلنا المسألة والحاجة. جاء في التراث: (حرفة في اليد أمان من الفقر) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( يعجبني الرجل فإذا قيل لا عمل له سقط من عيني). وكنت اواصل دراستي العليا في امريكا وكان الى جانبي زميل أمريكي يدرس برنامج الدكتوراة مساء ويعمل في تنظيف وصيانة مبنى بالجامعة.. سألته عن عمله نهارا فقال إنه يعمل في نهاره وليله ويدرس أثناء المساء بالجامعة واضاف تعال معي لتر عملي بعد انتهاء المحاضرة , ذهبت معه الى حيث كان يعمل فرأيته قد غير ملابسه وارتدى بزة العمل , فبدأ بتنظيف دورات المياه ثم تنظيف أرضية جميع الغرف وكراسي ومكاتب المبنى ثم أخذ عدة الصيانة فتفقد الكهرباء وأنابيب الماء والمجاري ليصلح ما يحتاج الى إصلاح ثم اخذ أدوات الطلاء ليعيد طلاء ما تشوه من جدران المبنى قال هذا عملي بعد الدراسة أما عملي صباحا فهو النزول الى مصارف الجامعة لكي أزيل ما يعيق مجاريها. قلت وهل تطيق رائحة هذه المصارف فقال: ( اجل إنني أطيقها ولا أطيق الحاجة الى الآخرين , كما انني لا أطيق الجوع والعوز لي ولزوجتي ولأولادي). في طريقي إلى إدارة الجوازات بالمنطقة الشرقية بالدمام.. أوقفت سيارتي في موقف عام للسيارات. وإذا بشاب سعودي من خريجي الجامعة لم يجد وظيفة من وظائف الظل. فعرض علي أن ينظف سيارتي مقابل عشرة ريالات ورغم أنها كانت نظيفة إلا أنني قبلت عرضه ووعدته بإعطائه ما طلبه بعد عودتي حيث لم أمكث سوى وقت قصير.. وجئت إليه فأعطيته عشرين ريالاً ليست صدقة ولا تكرماً وإنما تقديرا له على شجاعته وأدائه هذه المهنة. ودعوت له. ليس عاراً أيها الشباب العمل الميداني في أي مهنة.. وإنما العار في القعود عن العمل.. فانفضوا أيها الشباب غبار البطالة وابتكروا خدمات جديدة أو ارتادوا أي مهنة فإنه شرف عظيم لكم. وأتوجه في الختام إلى صحيفة " اليوم" شاكراً النشر عن كل شاب يعمل في أي مهنة يكسب الرزق منها. كما أتوجه إلى الصحافة المحلية بإلقاء الضوء على الشباب العاملين في الميدان. فهم في الحقيقة بناة الوطن وبسواعدهم وعرقهم يسهمون في تقدمه ورقيه فضلاً عن اكتساب الرزق ورفع شأن الأسرة.