كل إنسان في هذا العالَم يملك «قوة» من نوعٍ ما. إذاً لا يوجد، نظرياً، إنسان ضعيف. الذي يعتقد بضعفه، عليه إعادة النظر في نفسه، ومحاولة إيجاد مكمن القوة لديه. ولكن عليه، قبل ذلك، إعادة تعريف مفهومه للقوة. القوة ليست فرْد العضلات أو فرْض الصلاحيات وحسب، بل هي أعمق من ذلك وأشمل. القوة تعني امتلاك قدرة التأثير على الآخرين. إذاً، من يمتلك القوة، يمتلك سلطة يوجِّه بها سلوكيات الآخرين وقراراتهم. كما أن القوة مفهومٌ متعدد الأوجه، خادِع ومُضلِّل أحياناً، فقد تكمن القوة في أبسط صُوَر الضَّعف. الخنفساء وحيدة القرن وزنها 120 جراما، وتستطيع وحدها حمل 100 كيلو جرام! أي أنها تستطيع حمل ما يفوق وزنها 850 مرة. أما الفيل الأفريقي فيزن 6 أطنان، ولا يستطيع حمل إلا ما يوازي وزنه أو يفوقه ببضعة أطنان فقط! بل إن حشرة صغيرة جداً كالنحلة يمكنها إثارة رعب هذا المخلوق الضخم، وحمله على الفرار من موطنه! كثيرون يجهلون ما يمكن أن تحمله الكلمة الحانية والهدية البسيطة والابتسامة المفعمة بالود من تأثير كبير على النفوس. إن بإمكاننا تحقيق تغيير فعلي في أُسرِنا ومجتمعاتنا وأماكن عملنا بهذه الوسائل البسيطة، التي لا تكلف إلا وقتاً بسيطاً في انتقاء الكلمات، وجهداً عضلياً خفيفاً لبسط البسمات. إننا فعلاً نحتاج في محيطنا إلى شخصيات قيادية تمارس السلطة بإيجابية، لتقود مبادرات الإنذار ب«الوصْل».. بدلاً من التعسف في توزيع خطابات الإنذار ب«الفصْل». إدارياً، يعتقد بعض المديرين بأن سلطاتهم نابعة من ضخامة أو ضآلة حجم صلاحياتهم وحسب، وهذا خطأ شائع. القوة التي يمتلكها بعض الأشخاص، وهم لا يدرون، قد تكون أكثر تعقيداً وأكبر تأثيراً من قوة الصلاحيات والمناصب العليا. في عالَم الإدارة، وربما في الحياة إجمالاً، تنبع قوة الشخص من خمسة مصادر أساسية. أكثر هذه المصادر شيوعاً هي قوة الصلاحيات؛ وهي أول وأبسط مصادر القوة التي تعتمد على القدرة على إنزال العقوبات أو منح المكافآت. النوع الثاني هو قوة العلاقات، والتي تزيد بزيادة علاقات الشخص الجيدة داخل المنظومة وخارجها. والنوع الثالث هو قوة الخبرة، والتي ترتبط برصيد المعارف والمهارات النوعية التي يكتسبها الشخص على مر السنين. والنوع الرابع هو قوة الَمصادِر، وهي قدرة الشخص على الحصول على معلومات قيِّمة ودقيقة في الوقت المناسب. القوة الخامسة، وهي أهم أشكال القوة وأندرها وجوداً في اعتقادي، هي القوة الكاريزمية، التي تعني قدرة الشخص على تحفيز الآخرين لتأدية المطلوب منهم، وأكثر، بسبب جاذبية شخصيته، وقدرته على كسب الاحترام والمحبة. وهي قوة إيجابية، فالكل يؤدي عمله، وأكثر، بتفانٍ وإخلاص، دون الحاجة إلى الوعيد والتهديد. الشخص الكاريزمي ثقته بنفسه كبيرة، فهو مستمع جيد، غير متردد، يرى الأمور بوضوح، ويملك قدرة كبيرة على التحدث بلباقة والإقناع وإيصال الأفكار. جاذبية الشخص الكاريزمي مستمدة من خصاله الشخصية (الأخلاق العالية والنزاهة مثلاً)، أو من مكانته الاجتماعية، أو من مزيج من هذا وذاك. وكلما زاد إعجاب الأشخاص بصاحب الشخصية الكاريزمية، كانت قدرته على التأثير في قراراتهم وسلوكياتهم أكبر. الشخصية الكاريزمية ناجحة، لأن همها الإنجاز أولاً وأخيراً. لا يلتفت صاحبها إلى الأمور الشخصية، ويترفَّع عنها. كما أنه شخص يهتم بمن حوله، ويثمن مشاركة كل فرد، حتى لو كانت صغيرة. أهم ما يميز الشخص الكاريزمي هو قدرته الفذّة على التواصل، وربما كان ذلك الجانب هو صُلب الشخصية القيادية عموماً. الشخصية القيادية لا تستطيع التغيير إلا من خلال صياغة الأفكار وإيصالها وإشهارها وجذب الآخرين إليها. أغلب الأفكار والمنظومات التي تفوقت وسادت، تفوقت وسادت بسبب وجود شخصيات قيادية تقودها بثقة، تتميز بالقدرة على التواصل الفاعل المحفِّز على التغيير الإيجابي. في المؤسسات عموماً، هناك نوعان من التواصل، التواصل مع العملاء الخارجيين (المشترين أو المستفيدين)، وهو الجانب الذي تركز عليه معظم المؤسسات وتصرف عليه الملايين في شكل إعلانات ومعارض ومطبوعات ترويجية، وغير ذلك. أما النوع الآخر من التواصل، وهو التواصل الداخلي (مع الموظفين بشكل أساسي)، فهو مُهمَل تماماً. أغلب المؤسسات الناجحة تضم مدراء قادرين على التواصل بفاعلية مع موظفيهم. لذا نجد أن نسبة ولاء موظفيها لها عالية، ونسبة استقالاتهم منخفضة. الاهتمام بالموظف بالتواصل معه ميزة قد تغنيه عن المزايا الأخرى؛ المالية تحديداً. من منّا تفاجأ يوماً بمديره يقف منتظراً إياه في مكتبه صباحاً، حاملاً هدية بسيطة ككتاب مع باقة من كلمات التشجيع اللطيفة والنصائح المفيدة، بدلاً من خطاب إنذار بالفصل؟ قليل جداً للأسف! كثيرون يجهلون ما يمكن أن تحمله الكلمة الحانية والهدية البسيطة والابتسامة المفعمة بالود من تأثير كبير على النفوس. إن بإمكاننا تحقيق تغيير فعلي في أُسرِنا ومجتمعاتنا وأماكن عملنا بهذه الوسائل البسيطة، التي لا تكلف إلا وقتاً بسيطاً في انتقاء الكلمات، وجهداً عضلياً خفيفاً لبسط البسمات. إننا فعلاً نحتاج في محيطنا إلى شخصيات قيادية تمارس السلطة بإيجابية، لتقود مبادرات الإنذار ب«الوصْل».. بدلاً من التعسُّف في توزيع خطابات الإنذار ب«الفصْل». [email protected]