لماذا خيوط الكراهية تتصل بشبكة خطوط تمتد من كل بقاع الدنيا لتصب في أمريكا؟ لماذا تقف شعوب العالم المضطهدة والمتعنتة في فيلق واحد يدين مواقف أمريكا؟ ان أيدها في شيء فهو يخالفها في أشياء؟ لقد فوجىء الرئيس بوش الابن بكم الكراهية المستشري الذي واجهته به الجماهير في جولته الأخيرة في الشرق والغرب فطرح سؤاله المكرر: لماذا نحن مكروهون؟ ولم لا يفهم الناس رسالتنا؟ لقد ذكرني بأبي تمام عندما قال: لم يفهم الناس ما نقول مجيبا عن سؤال احدهم: لم لا تقول ما يفهم الناس؟ هذا ما يحدث الآن الرسالة الأمريكية لعالم لغتها وأهدافها حكر على الإدارة الأمريكية فهم سدنتها وهم من يفهمونها ويحيكونها وينافحون عنها وعلى العالم كله ان يتنحى للخلف ويتقبل سقط الإدارك الذي تجود به أمريكا حتى الأصوات التي تعلو داخل أمريكا مناهضة لسياسة الإدارة الأمريكية تبقى مناهضتها في إطار الثقافة الأمريكية السائدة: السيادة لأمريكا والمصالح مقدمة على حقوق الآخرين, وكل هذا البريق الذي يبهر الآخر عندما يرى ما يتمتع به الشعب الأمريكي من حرية الرفض وتعدد قنواته التعبيرية لا يتعارض مع المصالح الكبرى, فالاعتراض على بعض سياسات الإدارة ما تسببت في ضرر داخلي يمس المجتمع الأمريكي. أما الشأن الخارجي فهو آخر هم تعنى به المؤسسات المدنية فقوى الضغط ومراكز القوى من لوبيات مختلفة الهوى ومتعددة الاتجاهات تحكمها مصالح هي المحرك الفعلي لمراكز القرار فكيف تنتظر الشعوب اليوم عدلا او انصافا؟ في الاستطلاعات الأخيرة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست ونقلتها صحيفة اليوم في يوم الاثنين 3 نوفمبر 2003م. جاء ان 48% ممن شملهم الاستطلاع سيصوتون لصالح الرئيس بوش اذا اجريت الانتخابات في لحظتها. أما المعارضون للرئيس فقد شكلوا نسبة 47%, والبقية لم يصلوا الى قرار, وهذا رد على من يعولون كثيرا على نتائج الانتخابات القادمة. واذا فشل الجمهوريون وتقدم الديمقراطيون فالسياسة العليا سياسة مؤسسية ثوابتها مرسومة لا تتغير بالإدارة المكلفة فما يحدث مخطط له من عقود وليس رد فعل لحدث. بعد الحربين العالميين شكلت الولاياتالمتحدة القطب الأقوى وكانت قبلة الدول النائمة والنامية والمتسلطة, كل يطلب هوى أمريكا ولم يكن كثير من بسطاء الشعوب معنيين بالسياسات الأمريكية او لا يجرؤون على ذلك, لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرضت فكرا ووعيا مختلفا داخل أمريكا وخارجها. ان الناظر الى اتجاهات الرأي الأمريكي يجب ان يكون واعيا الى ثقافة (الكاوبوي) المسيطرة على العقلية الأمريكية فالرئيس وإدارته هم (الكاوبوي) البطل المنقذ فالقرارات التي يتخذها للانتقام من الإرهاب او لتحقيق الأمن الوقائي تحظى بتأييد شعبي واسع, اما التضحيات التي يقدمها شبابهم من أرواح او حرمان تدخل تحت مظلة البطولات التي تفرضها ثقافة (الكاوبوي) وتشكل مصدر قوة في ذاكرة التاريخ الأمريكي المعاصر. ما يثير مشاعر الكراهية لهذه السياسة هو التطرف والأزدواجية وتجاوز التدخلات في قضايا تمس ثوابت الشعوب خاصة ما يتصل بقضايا الدين والأعراف الاجتماعية, اما ازدواجية المواقف فتلكم قضية من الوضوح والتكرار ما يعفينا من التوقف عندها.