والمتابع لتحركات الشعب الأمريكي، يستطيع أن يقرأ أو يشاهد مواقف الملايين من أبناء هذا الشعب المناهضة للحروب التي تخوضها الإدارة الأمريكية الحالية، وللسياسة الأمريكية الخارجية، ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في أماكن أخرى من العالم ليس من عادتي أن أجيب، أو أعلق، على الردود التي أتلقاها والمتعلقة بالمقالات التي أكتبها إلا في حالات نادرة جداً. والواقع أنه تصلني تعليقات من قراء وأصدقاء على معظم المقالات التي أنشرها، وأكثر هذه الرسائل تصل عن طريق البريد الإلكتروني، وبعضها عن طريق الهاتف أو البريد العادي، وأحياناً أثناء لقاء شخصي. ومن عادتي أن لا أرد على التعليقات لا الايجابية ولا السلبية، إلا في حالات نادرة كما أسلفت، وهذا ليس استهتاراً بالقارئ بل بالعكس. فأنا أحترم آراء القراء، وأعتز بالنقد إذا كان بناءً. وتتفاوت هذه الرسائل بين مديح ونقد بناء وآخر هدام. وقد قررت هذه المرة أن أعلق على رأي واحد يتكرر بشكل مستمر في بعض الردود والتعليقات، ويحمل نفس الاتجاه الفكري. وأهمها رؤية بعض القراء التي لا تميز بين الأشياء، وفي مقدمتها الاتهامات بأنني ضد أمريكا، وأكره الأمريكيين، وأريد الانتقام من الشعب الأمريكي. وسأنقل لكم، كمثال على ذلك، آخر تعليق نُشر من شخص اسمه علي محمد والذي نُشر في جريدة «الرياض» (20/11/2005). يقول التعليق: «الكراهية والبغضاء للولايات المتحدة ليس له مكان في قلوبنا، العداء للولايات المتحدة لا يجلب منفعة للشعوب». فالغريب بالأمر هو أن يفهم السيد محمد من مقالي أنني عدو الولاياتالمتحدة، وأنني أبغض أمريكا. وهذا يعني، وبكل صراحة، أن القارئ الكريم، لم يستوعب ما كتبته في هذا المقال. فالعرب بشكل عام لا يكرهون الشعب الأمريكي، ولا يكرهون أو يبغضون أمريكا، فإذا ما نظرنا حولنا لوجدنا بعضاً من الثقافة الأمريكية يكتسح كل الدول العربية، ابتداءً من «ماكدونالدز» إلى الأفلام والمسلسلات الأمريكية مروراً ببرامج الأطفال والزي الأمريكي، خصوصاً «الكاوبوي» منه إضافة إلى أن الكثيرين من العرب والمسلمين درسوا في أمريكا. فلو تمعن القارئ الكريم بالعنوان فقط لما سارع بإصدار حكمه هذا. فالعنوان يشير بصراحة إلى المعايير الأخلاقية في السياسة الأمريكية، وليس «المعايير الأخلاقية للشعب الأمريكي». فهذا أمر يحمل وجهات نظر خاصة ومختلفة. فالعرب بأغلبيتهم لا يناصبون الشعب الأمريكي العداء، على الرغم من أن أغلبية هذا الشعب هي التي انتخبت مجدداً جورج بوش. والذي يجب أن نفهمه هو أن الاقتراع في الانتخابات الأمريكية لا يقتصر على تقييم السياسة الخارجية، بل إن هناك عوامل داخلية وصراعات أثنية وثقافية، قد تكون أقوى بكثير من عوامل السياسة الأمريكية الخارجية، وتؤثر على رأي الناخب، ولمن سيصوت في نهاية المطاف. والمتابع لتحركات الشعب الأمريكي، يستطيع أن يقرأ أو يشاهد مواقف الملايين من أبناء هذا الشعب المناهضة للحروب التي تخوضها الإدارة الأمريكية الحالية، وللسياسة الأمريكية الخارجية، ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في أماكن أخرى من العالم. وهذه المناهضة لا تعتمد فقط على المظاهرات وبعض المقالات التي تنشرها الصحف الأمريكية، أو بعض البرامج المرئية والمسموعة، بل إن هناك مجموعة كبيرة من الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع بالنقد والتشريح، وفي مقدمة الباحثين المهتمين بهذا الموضوع البرفيسور العلامة نعوم تشومسكي، والذي تناول في مجموعة كبيرة من الكتب التي نشرها، السياسة الخارجية الأمريكية، بالنقد اللاذع، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل في الأمريكتين، الجنوبية واللاتينية، وفي آسيا وحتى في أوروبا وأفريقيا، وطبعاً في منطقة الشرق الأوسط فهل نستطيع أن نتهم تشومسكي وغيره بأنهم يكرهون الشعب الأمريكي؟. فنحن، أبناء الشعب العربي، من مفكرين وباحثين وعمال وفلاحين وطلاب وتجار وحتى بعض السياسيين، مجروحون من السياسة الخارجية الأمريكية، جرحاً يصل إلى العظم، فهي سياسة معادية للعرب منذ أن وجدت إسرائيل، وتفاعلت مع مرور الزمن لتصبح سياسة خارجية «إسرائيلية» بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط، وحتى في كثير من الدول الإسلامية، والمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأممالمتحدة، حيث تستعمل الولاياتالمتحدة كل الوسائل لحماية إسرائيل، ومنع اتخاذ أي قرار يجلب عليها العقوبات الدولية، أو يحاول إجبارها على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة. كل هذا يحصل نتيجة التخاذل العربي الرسمي. فالدول التي قاطعت إسرائيل بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية، على غرار الهند والصين وباكستان وغيرها، بدأت تتقرب وتتعاون وتقيم علاقات مع إسرائيل بسبب المواقف العربية المتخاذلة، وفي مقدمتها النهج السياسي لبعض القادة العرب، بمن فيهم قادة فلسطينيون. وفي أكثر من مناسبة سمعنا قولاً مكرراً: «إذا كان أصحاب الحق قد اعترفوا بإسرائيل، وأقام بعضهم علاقات دبلوماسية وتجارية معها، فكيف يمكن أن تلوموا الآخرين؟». إن كثيرين من أبناء الشعب الأمريكي يتعاطفون مع القضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، ويمكن الإشارة إلى العديد من المقالات والأبحاث والكتب والبرامج المرئية والمسموعة التي تؤيد هذه النظرية. ولكن المشكلة الأساسية موجودة في الطريقة والأسلوب والممارسة التي يقوم بها العرب لبناء العلاقات العامة على الساحة الأمريكية، وطريقة شرح مواقفهم وحقوقهم وحضارتهم لأبناء الشعب الأمريكي، وهذا تقصير كبير عالجناه في أكثر من مقال وبحث وبرنامج تلفزيوني وبرنامج إذاعي. ويجب أن نعترف أن عدونا أكثر تنظيماً، وتأثيراً على المجتمع الأمريكي منا. كما أن هناك تقصيراً من جانب العرب في دراسة المجتمع الأمريكي، وقد تناولنا هذا الموضوع أيضاً بشكل مستمر في وسائل الإعلام العربية. ورغم هذه السياسة فإننا يجب أن نميز بين السياسة الخارجية الأمريكية، وبين الشعب الأمريكي. فالكراهية والبغضاء للشعب الأمريكي لا مكان لهما في قلوبنا أما العداء للسياسة الخارجية الأمريكية فإنه سيجلب المنفعة للشعوب، ويحررها من هذا الكابوس المزمن.