تكفي زيارة واحدة تقوم بها عزيزي القارئ الى مصرف من المصارف الحكومية لتكشف الواقع المؤسف لآلية العمل المتبعة في هذه المصارف وتخرج بأسئلة تفرض نفسها عليك وهي: لماذا نعيش هذا الواقع المصرفي المتأخر؟ لماذا استطاع اكثر الدول النامية ارساء انظمة ذات مستوى عال في الخدمة والعمل ونحن لا نزال نتقيد بأنظمة بالية عفى عليها الزمن؟ واي تحضير اعد لمواجهة التحديات الكبيرة المنتظرة بعد مباشرة البنوك الخاصة عملها في سوريا؟ واقع المصارف الحكومية: التاريخ الانساني يعتمد على التقدم الحضاري في اي بلد من البلدان وعلى اختلاف المراحل وهذا ما يستدعي بالضرورة الاهتمام بالانسان صانع الحضارات اولا وآخر. واذا دققنا في واقع الانسان العامل في المصارف لوجدناه اكثر من صعيد ابتداء من آلية اختياره اساسا كعامل في اهم قطاعات العمل الحكومية، انتقالا الى الواقع المعيشي له ومرورا بمستوى تأهيله والحقوق التي ينالها ان كانت كاملة او منقوصة وكذلك الواجبات الملقاةعلى عاتقه.. نجد العامل في المصارف الحكومية عموما مقصرا في تطوير نفسه وتأهيلها الى المستوى المطلوب اسوة ببقية المصارف في العالم، على الرغم من اننا اليوم في أمس الحاجة لتحديث القدرات الشخصية والمهارات العملية لمواكبة عملية التطوير وهذه النقطة بالتحديد غائبة عن اذهان المسؤولين والعمال على حد سواء فمن جهة يتم اختيار العامل بغض النظر عن اهليته للعمل في هذا المجال الحساس، او يتم اختياره احيانا لبعض المهارات التي يتحلى بها. وفي الاحوال التي يخضع الموظفون في المصارف الحكومية لدورات تدريبية تؤهلهم وتدعم قدراتهم ومهاراتهم المهنية للسير قدما في هذا العمل نجد تناقضا بين ما استفادوا منه في مثل هذه الدورات وبين ما يمارسون من عمل تؤطره وتعدم مرونته مجموعة الانظمة سلمنا في الاستفادة المصرفية التي تنتمي الى عصر لا يصلح مطلقا تطبيقها في وقتنا الحاضر خاصة في زمن اصبح فيه الكمبيوتر اداة رئيسية في تسيير اي عمل اداري بوجه عام والعمل المصرفي بوجه خاص.. ان اجهزة الكمبيوتر التي نعمل عليها حاليا لا نعرف استغلالها على الوجه الامثل، فالمفترض ان نختصر بها الكثير من الوقت والجهد، إلا انها في احيان كثيرة تكاد تكون عبئا على البعض نظرا للجهل بكيفية استخدام مثل هذه الاجهزة. اما الموظف فنراه لا يعبأ إلا بتحصيل راتبه مع بداية كل شهر غير مكترث برفع مستواه المهني وغير آبه بالوقت الذي يمر دون تحقيق حجم العمل المطلوب منه. بالاضافة الى تقصيره في مجال تحسين اللغة الاجنبية التي هي مهارة ضرورية وعلى الموظفين التمتع بها لأهميتها في المجال المصرفي وعلى الرغم من ان ادارة بعض المصارف تقدم لهم فرصة التسجيل بدورات تعلم اللغة الاجنبية إلا ان معظمهم لا يلتفت في حقيقة الامر الى اكتساب لغة ثانية رغم ان هناك ضرورة ملحة للالمام بلغة اجنبية نظرا لتعامله في بعض الاحيان مع متعاملين اجانب. هذا على صعيد المهارات الخاصة بالعاملين في المصارف الحكومية، اما على صعيد آلية العمل في المصارف ونظام تسيير المعاملات المصرفية فحدث ولا حرج حيث يدخل المتعامل الى اي مصرف بنفس مطمئنة ليخرج منه متكدرا عصبي المزاج وهذا بسبب انعدام التنظيم في العمل عدا الضجيج الذي يتسبب فيه ويثيره الكثير من عمال المصرف حتى يعتقد المرء انه في سوق بيع الطرق المتبعة في مصرف..!! هذا المكان نحن احوج فيه لان نكون بكامل هدوئنا ناهيك عن بعض التصرفات الخاطئة والمرفوضة من قبل بعض المتعاملين والتي تتمثل في وضع ورقة نقدية في دفتر حسابه ليقدمها الى الموظف او المستخدم ليعجل له دوره (وهذا شأن آخر لابد من التحدث عنه بصراحة ومعني به اغلب دوائر الدولة وفي هذه النقطة بالتحديد نلقي اللوم على الطرفين معا المتعامل او المراجع والموظف) فاللحظات التي سيقضيها المتعامل في هذا المكان الخانق والصارخ ستنهك اعصابه وستستغرق جل ساعات نهاره في انتظار الخلاص. السلبية في عمل المصارف الحكومية: ما اسباب الظواهر؟ المشكلة تكمن بداية في توصيف مهنة المصارف وطريقة انتقاء موظفي المصرف لا تخرج عن الطرق التقليدية المتبعة في اختيار العاملين وفي عدم اعتبارها مهنة مثلها مثل الطب والهندسة والمحاماة وغيرها وبالتالي الخروج عن المألوف العالمي في اعتبار اداء هذا العمل ممارسة لمهنة متقدمة في المعارف والخبرات. انتفاء مبدأ الربحية في عمل المصارف وتوافر المخزون النقدي دون استثمار وبالتالي التعرض لخسائر مالية متكررة وابتعادها عن تنشيط الدورة الاقتصادية. . الروتين القاتل في تقديم الخدمات، وانعدام المرونة في اداء العمل وانتقال المعاملة الواحدة الى ثلاثة موظفين على الاقل وانعدام ثقة الموظف في خبرته إلا بعد زمن ليس بالقصير. القوانين الناظمة لعمل المصارف والموصوفة بالقدم والترهل امام التحضر المصرفي والخبرات المتزايدة الحاصلة في العالم اجمع. ضعف اداء الادارات الموجودة وانقطاعها عن التدريب المتواصل لتنمية ادائها لمهامها والوقوف على التطورات الحاصلة في العالم فيما يتعلق بالمهارات المصرفية وتعارض المتوافر من الخبرات في حال وجدت مع القوانين الصارمة القديمة. لابد من التغيير السريع لآلية عمل المصارف وطريقة تعاملها مع المتعاملين لاعلاء شأن المصارف الحكومية على كافة الاصعدة، وذلك لتتمكن من منافسة المصارف الخاصة التي ستفتتح عملها خلال فترة زمنية قصيرة وإلا تعرضت المصارف الحكومية لخسائر متزايدة ومتلاحقة. وهناك ضرورة لتفعيل مبدأ التحفيز، وتثمين جهود العاملين، بصرف مكافآت تشجيعية لهم على اسس نزيهة بعيدة عن العلاقات الشخصية لجعل العامل طاقة متجددة قادرة على العطاء وتقديم الافضل. وفي المقابل اعتماد قانون باعفاء او تسريح موظف من عمله، نتيجة الشكاوى الكثيرة التي تقدم في حقه لتقصيره في اداء العمل الموكل اليه او نقله الى جهة حكومية اخرى نتيجة عدم احقيته في التواجد بمكان عمل حساس كهذا او اخذ رشاوى الى ما هنالك من افعال كثيرة يقوم بها بعض الموظفين غير آبهين بالاضرار التي تقع نتيجة تقصيرهم او عدم ادائهم عملهم على الوجه الاكمل. ان تطبيق هذا الاسلوب في المصارف الحكومية وفي جميع قطاعات الدولة كفيل بجعل العاملين يقدمون افضل ما لديهم في سبيل الصالح العام علما بأن هذا الاسلوب مطبق و يبعث في الموظفين حس المسؤولية في معظم دول العالم، وفي كافة مجالات العمل، حيث تقديم حجم عمل على مدار الساعة وبشكل لطيف وانساني بعيدا عن العصبية والتهكم، التي غالبا ما نراها على وجوه الموظفين اثناء قيامهم بعملهم، وكأن الابتسامة والسرعة في اداء العمل اللتين يرسمانهما على وجوههم تكلفانهم ثمنا باهظا!!