في ظل هذه الأوضاع الدولية والمحلية, وفي ظل التزامات الدولة تجاه المواطنين في المجالات الخدمية, وحسب ترتيب الأولويات لديها وأهمية تقديم الأهم ثم المهم, وفي وضع كهذا يحيط بمجلس الشورى, يبدو من يطالب بدعم الرياضة أشبه بمن يطلب قطعة كعك وهو يكاد يموت جوعا بين كثبان الصحراء.هكذا تبدو الصورة المبسطة لأولوياتنا الاقتصادية وعلى هذا الأساس سألت ان كان من المقبول ان اكتب بكل وضوح وان شئت لوما لأعضاء مجلس الشورى الموقرين؟ ام انني ان كتبت فسأكون كمن يكتب على تراب وسط عاصفة لن تبقي الحروف على وضعها.ثم فكرت واستغربت ثم استنكرت كيف تختلط الأمور وكيف نفسر ان ما يصرف على الرياضة ليس إلا على حساب الصحة والتعليم والبلديات وغيرها!! خلط عجيب لابد من التوقف عنده, ولا بد لنا من الحديث عنه بصوت مسموع, فقطاع الشباب يشكل نصف المجتمع تقريبا وأعضاء مجلس الشورى مدعوون لسماع هذا الصوت حتى لو كان غير عذب من وجهة نظرهم. في كل دول العالم هناك أولويات هناك الأهم والمهم, ونحن لسنا بمعزل عن هذا العالم, بل جزء منه نؤثر فيه ونتأثر به.. ولهذا ان نظرنا لما يحدث حولنا وطالبنا بمثله فان ذلك الطلب او المطالبة ليس من باب التقليد وانما من باب الحق والمصارحة.. واذا كانت الدول والحكومات والمنظمات تصرف مئات بل آلاف الملايين لتحسين صورتها لدى الآخرين عبر وسائل إعلام قد تزين او تزيف الحقائق يتأثر المتلقي وتتغير النظرة حولها.. فإن الحاجة لمثل هذا الإعلام وهذه الميزانيات مطلوبة حتى لو كان هذا الوطن مثاليا بحكومته ومجتمعه وأهله مثل مملكتنا الحبيبة ومجتمعنا الطيب وأصالتنا العربية فهو يظل بحاجة الى من يمثله أمام مجتمعات العالم وعقول الناس وأفكارهم بأحسن صورة وانبلها. وأظن اننا في زمن تكالبت فيه علينا قوى الشر وسنت وسائل الإعلام سيوفها وسلطت امكاناتها لتنال منا حكومة وشعبا ودينا وعروبة فقد زادت افتراءاتهم على ديننا وعقيدتنا واهلنا ومجتمعنا.. ولهذا كان لابد لنا من التفكير بكل الطرق في سبل كفيلة باظهار صورة الانسان السعودي كما عرفه العالم محبا للسلام والخير والحياة. ولهذا أسأل كل عضو من أعضاء مجلس الشورى الكرام ان كان هناك وقت أهم للرياضة من هذا الوقت لتكون الصورة المشرقة للشباب السعودي بعد سلسلة المصائب والمشاكل التي شوهت نظرة العالم تجاهنا كمواطنين سعوديين؟؟ دعوني أولا اذكركم بأوروبا الشرقية (القديمة), اذكركم بأنظمتها القمعية لا بشعوبها المغلوبة على أمرها.. لقد استخدمت تلك الأنظمة الرياضة كسلاح للسلام فنسي العالم تلك السجون وذلك الظلم وتلك الأنظمة وتذكر الميداليات الذهبية التي كان يحصدها نجومهم في ألعاب القوى والجمباز وغيرهما وظل العالم يتذكر عهد شاوشيسكو ديكتاتور رومانيا من خلال نجمة الجمباز (نادياكوماتشي) لا من خلال سجونه وزبانيته, وقبل الكتلة الشرقية كلها كانت الحرب العالمية الأولى والثانية حيث هتلر النازي وموسيليني يحولون بطولات كأس العالم والاولمبياد الى تظاهرة عنوانها المحبة والسلام والتنافس.. فنسي الناس أمواتهم وصفقوا لفرق تمثل تلك الحقبة الدامية الشنيعة.. وحينها نجح هتلر وموسيليني وبعدهم شاوشيسكو وكل الطغاة في الخروج للعالم بصورة الأبطال القوميين عبر جسر الرياضة والانتصارات الوطنية. تم تغيير العالم وأصبح بمقدور دولة فقيرة الظهور امام مئات الملايين من البشر عبر شاشات التليفزيون ونجومها يحملون علم بلادهم ويطوفون به أمام الجميع فعرف الناس في أقصى شرق العالم وأدناه دولا مثل الكاميرون ونيجيريا وساحل العاج وغيرها من الدول التي لو لم تلحق بقطار الرياضة لربما احتاجت الى عشرات السنين لتعرفها وسائل الإعلام او بعضها وليس فقط ذلك الإنسان الذي ربما كان يختبىء خلف شجرة عملاقة في غابات الأمازون. ونحن وكما قلت جزء من هذا العالم ربما نختلف قليلا عن الآخرين في اننا دولة شرفها الله بأن تكون قبلة للمسلمين ولسنا بحاجة الى من يدل العالم على اسم المملكة او يشرح جغرافيتها وتاريخها ولكننا ورغم هذه المكانة المقدسة نحتاج الى من ينقل الصورة الحضارية للإنسان السعودي خاصة صورة الشباب المسلم المسالم المتحضر العاشق للحياة الكاره للموت, الواثق من قدراته على المنافسة الشريفة والمنفتح على اقرانه من شباب العالم, ولهذا كانت تجربة رائعة تلك التي كان ابطالها نجوم هذا الوطن في مونديال 94 بأمريكا عندما رفرف علم المملكة العربية السعودية خفاقا وسط تصفيق عشرات الآلاف من الأمريكيين الحاضرين والمتابعين لذلك المونديال خاصة بعد ان نجح في منتخبنا في تجاوز دول كبيرة كبلجيكا وهولندا والمغرب وغيرها وبدأ حينها العالم ووسائل إعلامه المرئية والمقرءة والمسموعة في الحديث عن هؤلاء الشباب الذين رسموا صورة بهية للمجتمع السعودي واختصر لنا عبر تلك الانتصارات عشرات السنين من الجهد المطلوب ومئات الملايين من الريالات كنا سنحتاجها لاعطاء العالم الصورة النقية والحقيقية عن مجتمعنا وبلادنا.. واذا كان ذلك النجاح في اختراق الحواجز القوية لتلك المجتمعات ووسائل الإعلام كان في وقت يتمتع فيه الانسان السعودي بسمعة طيبة ويرحب به في كل أرجاء العالم, فاننا اليوم في وضع غير مريح وتحول الترحيب بالمواطن السعودي الى ترهيب من خطورته بعد تصرفات رعناء أساءت لنا كشباب مسالم محب للحياة والسلام وأصبحت حاجتنا الى تحسين صوتنا اكبر بكثير مما كانت عليه في منتصف التسعينات. وهذا لن يحدث عبر حملات اعلامية مكثفة من قبلنا فقط، بل من خلال صورة ناصعة للشاب السعودي. ولكن اليس من المنطق ان نسأل انفسنا لماذا لا نستطيع تكرار تلك الصورة البهية التي قدمناها للعالم؟؟ سؤال منطقي وجوابه ان ما كان في ذلك الوقت من امكانات مالية لم تعد متوافرة ولا حتى نصفها وربما ربعها، وعلى هذا الاساس تظل تلك الامنية مجرد فكرة غير قابلة للتطبيق لان الرياضة وببساطة تعطي من يعطيها والآن لا تقدم وزارة المالية حتى الحد الادنى من الامكانات المطلوبة للوصول لنصف المسافة التي وصلنا اليها آنذاك. وان اردتم الآن ان اتجاوز ما قدمته الرياضة السعودية من خدمة للوطن وما حققته على المستوى العالمي فلا بأس ان اتجاوز كل ذلك واعزف على وتر اكثر حساسية وهو اللحمة الوطنية ولكن قبل الحديث عن هذه النقطة الفاصلة بين الصواب والخطأ اذكر ان دولا كثيرة جعلت من الرياضة وبالتحديد من كرة القدم متنفسا للخروج من كوارث كما حدث في المكسيك بعد الزلزال المدمر، او في البرازيل والارجنتين بعد الازمات الاقتصادية او في كولومبيا وغيرها عند حروبها الداخلية، وكلها شواهد تؤكد ان الرياضة تقوي اللحمة الوطنية وتوحد المشاعر وتؤجج الحماس لكل ما هو وطني. واظنكم تتذكرون كيف غنى الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه (جاكم الاعصار) وتذكرون كيف تدفق عشرات الآلاف من الجماهير السعودية الى استاد خليفة الدولي بالدوحة وبعده البحرين، وتذكرون كيف سارت المسيرات في شوارع الشرقية والغربية والوسطى والشمالية والجنوبية، مسيرة فرح ووحده وطنية لا حدود لها. وكان هذا الخروج عفويا فلم يطلب التلفزيون والاذاعة ولا الصحافة ان تخرج هذه الجماهير، بل خرجت لان علم بلادنا قد رفرف عاليا ولان نجوم الوطن رفعوا رأس كل مواطن في كل مكان. لكننا اليوم نختصر كل افراحنا، ونقلص كل توحدنا العفوي، ونهدد لبنتنا بسبب تراجع انجازاتنا الوطنية (الكروية) لا لاننا لم نعد نملك الرجال الذين يحققون الانتصارات بل لاننا اوقفنا كل الدعم المالي لهم وتركنا منتخباتنا بلا استعدادات او تجهيزات فكانت نتائجنا متواضعة وتراجعت آمالنا وطموحاتنا.. وللاسف فقد دفعنا وسندفع الشيء الكثير اذا استمر هذا التجاهل ولعل اخطر النتائج هو ان تتحول افراح الناس من انجازات وطنهم الى انجازات انديتهم فهذه طبيعة البشر يكبرون عندما تكبر دائرة اهتمامهم ويصغرون بصغرها، وبدلا من ان نتوحد باسم الوطن ها نحن نتوحد لأجل اند يتنا ونقاتل عنها وندافع بكل قوة عن نجومها ومنسوبيها، وهذا خطر لا يمكن تجاهله خاصة ان النتائج ملموسة وبامكان اي شخص مهما كانت ثقافته ان يلاحظ انه كلما تراجعت انجازاتنا الرياضية الوطنية كلما ضاقت دائرة ميولنا وعواطفنا مما يزيد الفرقة والتنافر فيما بين ابناء الوطن الكبير. ولهذا قلت وسأظل اقول ان اشجار الوطن لا يمكن لها ان تورق وتثمر وتنمو بلا ماء او غذاء. ولانني لا اريد ان اخوض في الارقام التي كانت مخصصة في تلك الفترة (مونديال 94) وبين المبالغ الحالية، الا انني متأكد من ان الجميع يعرف انها خفضت الى النصف ثم توقفت اخيرا بنود الكثير من النشاطات مما تسبب في ظهور منتخباتنا الوطنية بمظهر ضعيف لا يتناسب وسمعة ومكانة المملكة. وقد كتبت قبل هذه المرة ان الحديث عن ان لدى الدولة ماهو اهم من الرياضة وان المبالغ التي ستصرف على الرياضة يجب ان تصرف على مجالات اهم كالصحة والتعليم والبلديات، ما هو الا خلط للاوراق وتهاون غير مقبول، والدليل اننا بنينا الاندية والمنشآت والبنية التحتية تزامنا مع بنائنا المدارس والجامعات والمستشفيات ثم لو ان هذا المنطق مقبول لما قامت لافريقيا قائمة في المجال الرياضي خاصة تلك الدول التي لاتملك ربع مقدراتنا وثراوتنا ولما كان لها رنه وضنة في ملاعب الكرة ومضامير السباقات ولما شاهدنا دولا تخرج عن ازماتها عبر مباريات في كرة القدم او من خلال ميدالية ذهبية في الاولمبياد. نعم نحن نقر بان التعليم مهم والصحة مهمة والبلديات كذلك، بل نقر بأن كل الوزارات لديها من المسئولية امام القيادة والمجتمع ما يجعلها في المقام الاول من حيث الاهمية، لكننا نقر ايضا بأن الرياضة سلاح هام نقاتل به اعداءنا المتربصين بوطننا وبوحدتنا وبترابنا بل وحتى بعقيدتنا. فالشباب الرياضي صورة حضارية لابد من الحرص عليها ودعمها حتى نوصل صورتنا الحقيقية المسالمة والمبدعة كما فعلنا في كأس العالم بالولايات المتحدةالامريكية واذا كنت قد اوضحت كل ما اعتقد انه مهم لفهم الافاضل اعضاء مجلس الشورى لدور الرياضة خاصة في هذه الفترة فانني اود اخيرا ان اختصر كل ما قلته في بعض النقاط التالية: اولا : وضعنا الدولي صعب امام حملات مغرضة والرياضة سلاح مهم للدفاع. ثانيا : الشباب هو نصف المجتمع والفراغ ان لم نقتله عنهم قتلهم وهدد مستقبلنا ثالثا : كلما قللنا الدعم المالي للرياضة تراجعت انجازاتنا الوطنية الرياضية. رابعا : كلما حدث ذلك تقوقعنا وتعاطفنا مع انديتنا لا مع منتخبات الوطن. خامسا : ليس في مجلس الشورى لجان تهتم بالقطاع الرياضي. سادسا : لم يناقش المجلس اي امر من شأنه دعم الرياضة السعودية. سابعا : المجلس يريد ان يحاسب قبل ان يدعم وهذا يعني انه يقرأ الموضوع من السطر الاخير. وهذا حال اتمناه عندما يقرأون هذا الكلام والله يحفظكم ويحفظ الافاضل اعضاء مجلس الشورى. ولكم تحياتي