الساعة تجاوزت الحادية عشرة بقليل من مساء أحد أيام الأسبوع غير الواعدة بغير انتظار العمل في الصبح الموالي. الاشارة الاولى لتقاطع شارع الملك عبدالعزيز بشارع الأمير فيصل بن فهد بمدينة الخبر حيث لوحة الاعلان الساطعة بنور تعشى له العيون, ويسيل الوعد البراق بما هو اجمل وانضر, وما يجعل الحياة احلى بمرتين, ويذهب بمرارتها الى الأبد.. دقائق قليلة تزين ما تبقى من طبق المساء, وتحليه بالآمال ليوم قادم, لكن ليس الآن. حتما ليس الآن. طفلتان لهما عمر الورد, لهما انطفاؤه عما قليل حين ترحل السيارات عنهما دون ان تنفتح النافذة بما تيسر من لقمة الكفاف, دون ان تنشق بما يكفي لسهر طويل ورحلة عودة موجعة الى خاصرة المدينة جنوبا, خاصرة تتفتق كل يوم بعشرات الأيدي المبسوطة بذل السؤال وجحيم لقمة هذا سبيلها, في ظلمة ليل لا تستر او في لظى ظهيرة تعرت فيها الحاجة وقعدت تستحم تحت الشمس, تلقط فتات النوافذ على أقدام حافية وشعور هائشة وكيس بلاستيكي صغير يحمل خدعة البيع, حوائج لا نحتاجها نبتاعها لنكتم صرخة الفقر ونداري حرجا لم يعد حرجا, بل جرحا يسيل.. يسيل في لظى ظهيرة او ظلمة ليل. طلفتا الورد ترجان كيسهما امام الأنظار.. تدوران تباعا.. غير مشغولتين بخطر الطريق ولا بالسيارات المحمومة تنتظر فرج الاشارة الخضراء.. تستمهلان الاحمر كي تكملا دورتهما لعل نافذة.. اكثر من نافذة تتداخل مع كيسهما وتنفضانه مبكرا قبل ان ينطبق المنبه الزاعق ويخليهما لسواد الاسفلت واحلامهما النازفة امام لوحة الاعلان. ثمة من يزلق (المقسوم). ثمة من يتجهم, ويحكم القبضتين على المقود. ثمة من يأخذ بصره الى لوحة الاعلان, يبتعد عن الاحمر واصطفاف الأيدي لصق النافذة. ثمة من يتأفف وكأنه يستدعي كناسا يكنس ما يشوه وجه مدينته, ويكشف سوءة الدمل. ثمة من يفتل حبلا للسؤال والاستغراب. ثمة من.. والفقر يتجول بأسماله.