في الدول المتحضرة ثقافياً وطبياً وعلمياً.. تجد هناك قوانين.. وأنظمة تحترم من جميع.. أو لنقل تحترم من قبل كل عاقل وبالغ.. ولذلك عندما كنت برفقة BRIAN في مشوار بين مدينة الدمام والخبر، كان يقود السيارة بطريقة فيها نوع من الرعونة..و المساقط .. والتجاوز من اليمين.. وغيرها من الحركات التي لو قام بها في لوس أنجليس.. أو فلوريداً لكانت نهايته كقائد لأي مركبة قيادة في بلده، حيث سيتم القبض عليه.. والدوس في بطنه.. وإيقافه عن القيادة لمدة طويلة.. تتعدى السنة.. وعندما سألته لماذا يقود السيارة بهذه الطريقة، أجابني بابتسامة مليئة بالثقة وعدم الاكثرات.. قال لي لأنني أستطيع .. ورنت كلمته تلك في اذني كما يرن جرس تلفونات أرامكو أيام السبعينات.. وقلت في نفسي.. ايه والله.. عنده حق.. كلامه صحيح.. لأنه يقدر .. ومعنى كلامه أنه دام ما فيه أحد يمنعه.. ودام النظام ما يطبق.. ودام الأمور مشي حالك.. ف ليه لا؟ ونفس الشيء يطبق على بائعي السجائر.. سواء في البقالات.. أو غيرها من منافذ البيع المنتشرة في كل مكان.. يأتي هذا الطفل الذي لم يبلغ الثانية عشرة.. ويقول للبائع.. هات واحد مريورو لايت يا رفيق .. أنا لم يهزني الخطأ اللغوي في كلمة مريورو.. ولا البعد الثقافي في كلمة لايت ولا حتى البعد الاجتماعي في كلمة رفيق ، ولم يهزني منظر هذا الطفل الصغير الذي يملك خمسة ريالات.. وبدلاً من أن يشتري بها حلويات.. أو مشروبات غازية.. اشترى فيها حفنة سامة من التبغ.. ولم يهزني منظره وهو يفتح البكت ويخرج الزيجارة الأولى للتمتع بمذاقها.. ونكهتها ( كما تقول الدعاية ولكن ما صدمني فعلاً هو هذا النظام الميت العقيم الذي وصل به الحال أن يستهتر به حتى هذا الرفيق.. وهو يبيع هذا السم لهذا الطفل الذي لم يسعفه الحظ أن يسخر الله له من يربيه.. ويقوم أخلاقه. وما زاد الطين بلة، هو أنني عندما بدأت بنصح هذا الطفل عن هذا الفعل المشين وقلت له يا حبيبي.. مش عيب عليك تدخن..؟ أنت صغير حرام عليك تدمر صحتك.. قال لي، وبكل هدوء وثقة.. وش دخل أهلك أنت؟ .. نعم وش دخل أهلي أنا؟ دام رده كان شبيهاً جداً برد السيد BRIAN عندما قال أنا أفعل ذلك لأنني أستطيع .. فهذا الصبي أيضاً يفعل ذلك لأنه يستطيع.. ولأن المفروض ضمنياً أن أهالينا ما لهم دخل في ما يصنع.. أي بداية لشبابنا تلك.. بل وأي نهاية.. وأي رقابة صحية نعيش يا وزير الصحة.. ويا وزير التجارة.. ويا رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. نحن نناشدكم بالله.. الا تسمحوا لمثل هذا التصرف بأن يمر بلا عقاب.. وأن يتم شطب أي ترخيص تجاري لكل من تسول له نفسه الاستهتار بصحة وبراءة أطفالنا.. وبيعهم هذا السم الحقير وهم لا يزالون تحت غشاء الجهل والسفه والطفولة.. في الدول المتحررة .. توجد قوانين.. تلعن جدف اللي يخالفها في مثل هذا الأمر.. واللي يبي يتأكد.. يروح إلى اي مدينة أمريكية أو بريطانية.. وليرسل ابنه تحت ال 18 سنة. أو الذي لم تظهر عليه علامات الرجولة بعد.. ولينظر ماذا سيرد عليه.. وليتأكد بنفسه أننا نعيش حالة من التخلف الرقابي التي طالماً تسببت في إدمان أطفالنا الدخان.. بل ولغير الدخان.. وحسبي الله ونعم الوكيل.. وصح النوم.. يا أهالينا.. يا أهل الرقابة..