ذاك العصفور النحيل يدق شباكه كل يوم معلناً فجر يوم جديد، محمل بالأرزاق ومفعم بالأمل. تعود صاحبنا على ذلك العصفور، حتى أنه بدأ يشعر بالقلق حين مر ثلاثة أيام دون أن يطرق العصفور شباكه المغلق مُنذ زمن!! ونسي أن الطيور من طبعها الهجرة؛ بحثاً عن الرزق والدفء والمكان الآمن، فهي لا تقف أمام الأبواب المغلقة طويلاً، بل تبحث عن الأبواب المفتوحة مهما كلف ذلك من السفر والعناء. كان العصفور وحياته وحماسه وحيويته درساً مهماً لصاحبنا، وهو الإنسان الذي جمله الله بالعقل، وأنعم عليه بروح تزحزح الجبال، ودين يمثل المنهج وخارطة الطريق، ومكنه من التعاطي مع الصعاب بكل تجلد وصبر وحنكة، فهو أفضل مخلوقات هذا الكوكب بلا منازع. كان يشعر بالندم والأسى؛ لأنه عاش دهراً سجيناً للماضي بأفكاره وذكرياته ومواقفه وانكساراته، واكتشف انه استقل رحلة الماضي، والتي أخذته بعيداً إلى تلك الجزر المهجورة والموحشة وهو بطبعه لا يرى نفسه هناك. كان يتأمل أقرانه وأصدقاءه، وقد سبقوه رغم أن كل واحد منهم كان مرمى لسهام الحياة، لكنهم كانوا محاربين صامدين، وكل ضربةٍ تقويهم وكل خذلانٍ يعلمهم، وكل فشلٍ يتحول لديهم لتجارب ودورس، وربما اكتشفوا كنوز الفرص بين أكوام الانكسارات. كان الماضي بالنسبة له خطا أحمر، له هالة القداسة، وهو أشبه بالصندوق الأسود الذي لا يُفتح إلا للضرورة القصوى حين تسقط الطائرة!! انفصل عن شريكة حياته ورفض الإقدام على تجربة أخرى، وحكم على نفسه بالإعدام العاطفي. واجه خذلان بعض الأصدقاء وعدم ثقة بعض الأقارب، وكان يعتقد أنه في المدينة الفاضلة التي يسير كل شيء فيها حسب الأصول!! كان صاحب تجربة تجارية متعثرة انسحب منها سريعاً، عندما شعر بالتحديات التي تتواجد في كل عمل، وبدأ يبحث عن عمل بلا تحديات أو صعوبات يحقق له ما يتمنى من حياة كريمة، واستقلال مالي وتحقيق للذات ولكنه لم يجد، لأن الأصل في الحياة المجاهدة والكفاح والصبر، ولا راحة إلا بعد عطاء ولا تتويج إلا بعد بطولة. (لقد خلقنا الإنسان في كبد) كأنه لأول مرة يسمعها، حيث ضاع جزء من حياته في البكاء على الماضي، بدل الاستفادة من تجاربه بصناعة حياة جديدة وصياغة أفكار تصنع النقلة النوعية في مسيرته. ذاك العصفور جعله يفتح النافذة التي طالما أغلقها؛ لأن حياته توشحت بسواد البؤس والتشاؤم وكان العصفور يحمل له رسالة مغزاها افتح النافذة فهناك صُبح جديد. تتجه أشعة شمسه إلى روحك وتحمل نسماته رزقاً جديدا إليك، يوزعه الله تعالى صبيحة كل يوم فلا تتنازل عن نصيبك بعُزلتك وصدودك عن الحياة. تعلم صاحبي من العصفور درساً لم يتعلمه في المدارس، وهو أن لا قداسة للماضي، وأن الحكمة العظيمة التي نتعلمها منه وتؤثر في حياتنا، هي كيفية رصد التجارب وتحويلها إلى خبرات تصنع الفرق في حياتنا ومستقبلنا، الذي لن يُبنى بالبكاء على اللبن المسكوب، بل بالنزول للميدان من جديد. تويتر @sultanalothaim