المتابع لكتابات عبدالله البابطين سواء في جريدتنا او اية صحيفة اخرى يدرك ان الرجل مشغول بهموم كثيرة.. غير شخصية بالقطع لكنها هموم عامة تتعلق بالحياة.. سياستها.. اقتصادها.. ثقافتها.. اجتماعياتها.. ولانه قارىء متيمز مثلما هو في كتاباته فالحديث معه يطرق ابوابا كثيرة لكنها تصب كلها في بوتقة واحدة.. هي ولاشيء سواها.وللرجل خبرة حياتية وعملية طويلة سواء في الجهاز الحكومي حين كان مديرا عاما لمصلحة المياه بالمنطقة الشرقية او كرجل اعمال (من النوع الثقيل) في مجال المقاولات والانشاءات، لذا فالحديث معه يكتسب قيمة ويحفزك على الدخول في مناطق كثيرة.. مثيرة وحيوية.. فمن العقار وهمومه وانطلاقاته الى الخصخصة ومحترفيها الى العولمة وآثارها الى سبتمبر الحزين وانكساراته ليس على امريكا وحدها ولكن على العالم اجمع.. شرقه وغربه.. شماله وجنوبه. مع عبدالله البابطين كان هذا الحوار المتشعب والمثر في آن واحد: المجال العقاري الآن في المنطقة الشرقية يشهد انتعاشا غير مسبوق.. لكن لاشك ان هناك سلبيات كثيرة تسيطر عليه، فمن خلال خبرة اكثر من 20 عاما في هذا المجال حدثنا باستفاضة عماينقص هذا القطاع حتى تتحقق له الصورة المثلى التي يبتغيها المجتمع والمسؤولون؟ * المجال العقاري من المجالات الحيوية في المنطقة الشرقية.. التعامل فيه سهل وربحه سريع ومتنام لذا اتجهت معظم اقتصاديات المواطنين اليه والذي نرجوه ان لا يكون وضعه مثل وضع استثمار الاموال بالشكل الخطير الذي سبب نكسة اقتصادية وضياع اموال للعديد من الناس الذي احذر منه دخول مجال العقار اناس ليس لهم رصيد من نوعية ومجال التعامل اضافة الى الحذر من استغلال الاموال بشكل غير مناسب وهذا طبعا يحدث في ظل غياب الانظمة والرقابة.. ما دام ان الامر سهل واجراءاته ميسرة ولان هناك اموالا للمواطنين فيجب ان يكون هناك تنظيم يحفظ حقوق الناس. وعلى كل.. فالمجال خصب.. وسيكون اكثر خصوبة لو تلافينا سلبياته التي تأخذ منه ولا تضيف اليه. قرأنا عن تكاتف كبار العقاريين لانشاء شركة للتمويل العقاري تقوم بمهام صندوق التنمية.. فما رأيك في هذه المسألة وما المشاكل التي يعانيها العقاريون من الصندوق؟ فكرة شركة التمويل العقاري اعتقد انها انبثقت للحاجة الماسة لدى المواطنين للبناء ولان الصندوق العقاري لا يستطيع ان يحقق جميع الطلبات بالسرعة المطلوبة. وهي فرصة سواء للمؤسسين في هذه الشركة او لطالبي القروض.. هذا اذا احسنت الادارة.. وابتعدت الشركة عن الطمع والجشع على حساب المواطن واحتياجه.. وكان عليها رقابة لا ضرر ولا ضرار وقد جاءت في وقتها وستكون مشجعة جدا لجذب الكثيرين الى هذا المجال مما سيزيده حيوية ونشاطا على مستوى المملكة ككل. قلت له: كثير من العقاريين يؤكدون دائما ان الخبرة هي الاساس في قطاع العقارات وان اصحاب الشهادات الذين اقحموا انفسهم في هذا المجال لن يفعلوا شيئا اذا لم يستعينوا بخبرات من سبقوهم. فهل هناك حرب خفية بين الفريقين.. ويكف نقرب بينهما لصالح القطاع العقاري بأكمله؟ قال: العقار حتى الآن يعتمد بعد توفيق الله على العلاقات والمعرفة والثقة والاخيرة للاسف احيانا تستغل من بعض اصحاب العقار اما اصحاب الشهادات فالغالب عليهم التفكير والتمحيص والسؤال والانتظار والمحاسبة.. وهذه امور لا يقبلها العقار.. لان العقار فرص سريعة يحوزها الاول.. ولكن لا يمنع من جود الخبرة والدراسة فكلاهما يكمل الآخر. سألته الخصخصة مصطلح علمي اقتصادي فرض نفسه فرضا في السنوات الاخيرة.. فهل جاءت خطوات المملكة في خصخصة بعض اهم القطاعات في وقتها وماذا يمكن ان تفعل هذه (الخصخصة) في الحفاظ على اقتصادها وتنميته؟ * الخصخصة مفهوم اقتصادي يحتاج الى مجهر قدرته التفتيش على مافي القمر ومعرفة مكوناته. لذا فأنني من الذين يتوقفون عن قضية التخصيص تحسبا لاثارها الخفية على الوطن وعلى المواطن.. ولانني على خلاف مع بعض اكاديميي الاقتصاد لذا فانني احتفظ بالاجابة لنفسي. قلت لعبدالله البابطين التقطت منك في احدى الجلسات تعبيرا لفت نظري وسكن ذاكرتي وهو .. (فقراء العولمة).. وهو تعبير مناقض تماما لمفهوم العولمة الذي يحاول مخترعوه اقناعنا به على اعتبار انه خطوة واثقة لمجتمع دولي جديد تذوب فيه الفوارق ويتحد الكل في واحد.. فهلا شرحت لنا معنى العولمة.. وماذا قصدت بالتحدث عن فقرائها؟ قال : العولمة تحمل تعريفات مختلفة، وكل تعريف يخضع للجهة المستفيدة منه. وعندما ذكرت فقراء العولمة قصدت السيطرة المتوقعة على دول العالم الثالث.. مع ان هذا العالم الثالث اصلا يئن تحت وطأة بساطة التجارة ومفهومها مع زيادة تكاليف الانتاج وقلة الاسواق او قل ر فض الاسواق الخارجية لها.. اضف الى ذلك قلة الخبرة بالعولمة لدى دول الشرق الاوسط ويزيد الطين بلة ان هناك تسترا في الاعمال التجارية تجاوز النسب المقبولة ولو ان التستر في كامله غير مقبول، لكن عندما يصل الى اكثر من 50% يصبح آفة وازمة واستغلالا لاقتصاديات الوطن.. لذلك تصبح هذه البلدان فقيرة بسبب تطبيق العولمة. قلت له : بعد 11 من سبتمبر صدمنا بحجم الاستثمارات العربية في الخارج.. ونادي الكثيرون بضرورة جذب هذه الاستثمارات للداخل لاتاحة الفرصة للذين يعانون من البطالة بخلق فرص عمل لهم.. ومع ذلك لم نر اموالا جاءت بل العكس نظن ان عملية هجرة الاموال العربية لازالت مستمرة .. فما رأيك؟ قال : الاموال التي قد يقال انها عادت الى وطنها الام هي اموال لا تقارن مطلقا بالموجود خارجها.. وقد تكون هذه الاموال جاءت من بلاد عربية واسلامية نظرا لخوف اصحابها من قضية حجز المبالغ فهي ليست ذات تأثير يذكر واعتقد انها مؤقتة ودليل ذلك ان معظمها استثمر في العقارات ولم تستخدم في الصناعات او الاصول المنتجة طويلة الاجل والخوف ان يكون هناك سحب مفاجئ لهذه الاموال فتؤثر على سوق العقار وهو السوق الوحيد الذي يشترك فيه غالبية المواطنين.. ولان الجهات الاقتصادية لا تملك المعلومة والتوقعات عن مسير هذه الاموال لذا تزداد الخطورة اكثر فأكثر. قلت : البطالة مشكلة تؤرق القطاع الحكومي (ليل نهار).. وان 90% من الحل في يد القطاع الخاص الذي يطلق مبرراته المنطقية بأن الدولة تحمله اكثر من طاقته.. فما تقييمك لهذا الموضوع الهام؟ أجاب : البطالة كابوس ثقيل الظل واذا لم يعالج فإنه مرض يستشري في الوطن وله آثاره وسيئاته البالغة الخطورة واعتقد ان منهجية التعليم هي اول اسباب المشكلة فنحن بلد تفضل علينا العزيز الكريم بنعمة البترول وهو يمثل 90% من المدخول العام وللاسف يقابله 1.5% من العمالة الوطنية في هذا المجال وهذه النسبة مخجلة ويجب ان لا تقل عن 50% اقصد ان شباب وشابات هذا البلد يجب ان يتوجهون للعلوم التقنية وان شركة ارامكو السعودية يجب عليها ان تتبنى مسألة انشاء الكليات والمعاهد والمراكز العلمية وان تستحوذ على الاعداد الهائلة من ابناء البلد. ويؤسفني في هذا المجال ان اذكر ان نسبة 75% من خريجي الثانوية العامة هم من الدراسات النظرية والتي لسنا في حاجة اليها بل لدينا تخمه (بدون عمل وعاطلين) تخيل لو ان هذه الاعداد الهائلة وجهت الى الدراسات البترولية ومنتجات البترول اقصد توطين صناعة البترول في بلادنا اقصد ان برميل البترول المصدر وقيمته 28 دولار يأتينا على هيئة صناعات من بلاد اصلا ليس لديهم بترول فلماذا لا نقوم نحن بالتصنيع ولماذا لا توجد معاهد وكليات تخرج حسب احتياج السوق؟ ولماذا لا توقف الدراسات النظرية ولو لفترة خمس سنوات ونوجه هؤلاء الطلبة للدراسات التقنية. هذا ما تحتاجه بلادنا .. ويكفي تجربة السنين الماضية سواء في مستخرجات التعليم الثانوي او الجامعي.. ويكفي ان نسبة البطالة تترنح بين وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية والخدمة المدنية والغرف التجارية .. وكل يوم نسمع ونقرأ بنسب متفاوته ابسطها يثير القلق على بلادنا. قلت له : تحاول الحكومة حاليا تشجيع ابنائها على العمل بالمهن الحرفية.. وهناك دورات تدريبية لتعليم مهن الحلاقة والخياطة.. فهل ترى ان هذا الاتجاه سيلقى قبولا ام من الصعب على نفسية الشباب تقبل مثل هذه الامور؟ نحن بحاجة ماسة الى التدريب والتأهيل في الصناعات البترولية لنحافظ على المنتج الوطني الاول فهل حققنا هذا الهدف.. حتى نفكر في موضوع الحلاقة والخياطة.