اعلان الحكومة عن اجراء انتخابات بلدية خلال عام يأتي متوافقا مع التوجه نحو تطوير آليات للمشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرار العام والعزم قدما في مسار التنمية السياسية. كما انه يعكس جدية انتهاج الشفافية والمصارحة والمساءلة كخيار ليس عنه حياد في مواجهة المستجدات والمتغيرات على الساحة المحلية والاقليمية والدولية. بل تكاد تكون الحل الوحيد في معالجة المشاكل والتحديات الحاضرة والمستقبلة. إن الانتخابات البلدية من شأنها جعل سكان المدينة اكثر اهتماما ومسئولية في شؤونهم المحلية. وسيجعل البلديات والاجهزة الاخرى اكثر استجابة وكفاءة وفاعلية لاحتياجات ومتطلبات السكان. كان الاعتقاد الخاطئ السائد هو ان المشاكل والموضوعات البلدية هي موضوعات فنية هندسية وحسب وبالتالي تنحصر معالجتها في الاطار الفني الاداري. والحقيقة ان النشاط البلدي يتعدى ذلك بكثير، خاصة اذا ما علمنا ان الخدمات والانظمة والخطط البلدية تؤثر على شريحة كبيرة من الناس بل لايكاد أحد من سكان المدينة يكون بمنأى عن تأثيراتها. وهنا يتضح أهمية النظام الجديد للانتخابات البلدية في التأكيد على اهمية الرأي العام المحلي عبر التمثيل النيابي. إن العمل البلدي متعدد الانشطة ويتناول قضايا تهم المواطنين بشكل يومي وأساسي. كما انه يتضمن قضايا تخطيطية وإدارية هامة تتعلق بتحديد استخدامات الاراضي والنمو الحضري، وتحديد اولويات العمل البلدي، والتنمية الاقتصادية، وتوزيع الخدمات، والتطوير الاداري والمالي، ووضع الميزانيات، ومراقبة الانفاق، وتقييم اداء المسئولين. واذا كانت المدينة هي البيت الكبير الذي يضم جميع السكان، فاننا لانستطيع ان نتصور ان يكون هناك قرارات بلدية دون الرجوع للسكان اصحاب الشأن والمستفيد الاول والاخير من الخدمات البلدية. من اجل ذلك تظهر اهمية تحديد حدود المدن السياسية وتبعا ايجاد تنظيمات وقوانين انشاء الوحدات المحلية. إذ إن المدن وحدات جغرافية سياسية تضم مجموعة من الناس تجمعهم مصالح وهموم مشتركة. امر آخر لايقل أهمية، هو التمثيل الشعبي وطريقة الانتخاب. فهناك عدة طرق لانتخاب ممثلين في المجلس البلدي. الا انني أتصور ولضمان تمثيل جميع شرائح المجتمع ان يعمد الى تقسيم المدينة الى عدة دوائر انتخابية. على سبيل المثال أخذ تقسيمات أحياء المدينة وتحديد عدد النواب من كل حي حسب عدد السكان. وعلى أنني لم أطلع على التنظيمات الجديدة للمجالس البلدية، الا انني على ثقة ان اعضاء مجلس الشورى وهم من الكفاءات الوطنية المشهود لها بالكفاءة والحرص والحس الوطني بذلوا جهدا في صياغة تنظيمات المجالس البلدية، ومع ذلك كان من المفترض ان وزعت نسخ من النظام على اعضاء هيئة التدريس بالجامعات وخاصة المتخصصين في الادارة العامة والعلوم السياسية والتخطيط الحضري، بحكم دورهم التثقيفي وهو ما نحتاج اليه كخطوة اولى بعد ان أقر النظام. وفي هذا السياق أعتقد من الضروري تخصيص صفحة اسبوعية او شهرية في الصحف المحلية وبرامج تليفزيونية تحاور وتناقش موضوع الانتخابات البلدية. كما قد يكون من المفيد عقد ندوات تثقيفية حول الانتخابات تستعرض تجارب الدول الاخرى بما في ذلك التحديات والعوائق ووسائل الاقتراع. ولتأكيد اهمية الانتخابات كنهج جديد في التعامل مع القضايا العامة قد يكون اقرار نظام للانتخابات في المدارس والجامعات لتدريب وتثقيف النشء وطلاب الجامعات على ممارسة عملية الانتخاب وتنمية شعور المسئولية والجدية في تناول القضايا العامة واهم من ذلك الولاء التام للدولة التي هيأت مناخ الحرية وافسحت المجال للتعبير عن الرأي وكفلت كرامة وحرمة الانسان السعودي. ولايفوتني في هذا السياق ان أشير الى أهمية التأسيس لحكومة الكترونية والاستفادة من التقدم التقني في مجال الحاسوب في تفعيل المشاركة الشعبية وزيادة الكفاءة الاقتصادية في الاجهزة البلدية. ان مفهوم الحكومة الالكترونية يندرج تحت تثقيف السكان بالقضايا والمشاكل والتحديات التي تواجه مدينتهم. لذا تسهم في اطلاع الناس على مجريات الامور بما في ذلك التنظيمات والسياسات والخطط والقرارات البلدية. ذلك من شأنه زيادة الشفافية والوعي والاهتمام والمسئولية لدى الناخبين. مما يؤدي في نهاية المطاف الى تحقيق الاهداف المنشودة من نظام الانتخابات البلدية. ومن نافلة القول ان نذكر باهمية اعادة نظام الانتخابات في مجالس وأقسام الجامعات فهي اللبنة الاساس في تثقيف المواطنين لمعنى الحرية المسؤولة. حرية تلتزم بالمبادئ الشرعية والثوابت الوطنية. حرية تحافظ على المصلحة العامة وتقدمها على المصالح الخاصة. واحسب ان ذلك هو المعنى الحقيقي لنظام المجالس البلدية. واختم بدعائي ان يوفق العلي القدير ولاة الامر في مسعاهم نحو تنمية سياسية متميزة مثل تلك التنمية الاقتصادية الرائعة وأن يجعل الشعب السعودي اكثر لحمة وولاء تحت راية التوحيد وقيادته السياسية واقفين صفا واحدا في وجه التحديات كأنهم بنيان مرصوص.