أكد المديرالتنفيذي لمركز الامير سلمان للادارة المحلية الدكتور عدنان بن عبدالله الشيحة،عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، ضرورة صياغة نظام جديد ينطلق من رؤية ومفهوم جديد لإدارة المدن ، موضحاً أنه " بات من الضروري إدراك أن نظام البلديات الحالي الذي مضى عليه 35 عاما تعدى تاريخ صلاحيته ولم يعد حتى قابلا للتطوير ولا بد من صياغة نظام جديد ينطلق من رؤية ومفهوم جديد لإدارة المدن. رؤية تستلهم من فكر الملك الوالد عبدالعزيز - يرحمه الله - الذي كان يؤمن باللامركزية والمسؤولية الشاملة من منطلق ''يرى الحاضر ما لا يرى الغائب''. فالقصد من أي عمل أو نظام عام هو تحقيق المصلحة العامة عند أعلى مستوياتها. فإصدار نظام أو التأسيس لمجلس ليس مهما في حد ذاته؛ إذ لا يعدو كونه إجراء ووسيلة، ولكن المهم إلى أي مدى يحقق مصلحة المواطنين الغاية العظمى ومقياس النجاح والفاعلية والتأثير النهائي. جاء هذا في معرض رده على سؤال " الرياض" حول مدى التأثير السلبي للأداء المتواضع للمجالس البلدية في دورتها الأولى في نظرة العموم نحو جديتها مما يؤثر في مدى حماس الناس نحو المشاركة في العملية الانتخابية، وأضاف قائلاً " لا شك ان الدورة الأولى للمجالس البلدية لم ترتق لتوقعات المواطنين وهناك قصور تنظيمي يؤكده أداء باهت للمجالس التي تعمل في دائرة ضيقة جدا من الصلاحيات الإدارية والمالية والتشريعية ولا تتمتع بسلطات نافذة على البلديات التي يفترض أن تراقبها ". ومع ذلك يرى د. الشيحة أن النقاش في هذا الأمر يجب ألا يختزل حول تطوير هذه العلاقة التنظيمية بين المجلس البلدي وجهاز البلدية في دائرتها الضيقة التي حددها النظام، بل يفترض ان يتعداه الى الدعوة الى تطوير مفهوم أوسع للإدارة البلدية ليشمل جميع قطاعات المدينة، وألا يقتصر على الخدمات البلدية التقليدية دون الخدمات الأخرى. فالمفهوم الحالي للمجالس البلدية مفهوم ضيق يشكل عقبة كؤودا في تلبية توقعات المواطنين في التصدي لمشاكلهم الحاضرة واستيعاب التحديات المستقبلية. فطبيعة القضايا المحلية متداخلة ومعقدة وتتطلب حلولا شاملة عبر مجالس مسؤولة عن إدارة المدينة بجميع قطاعاتها. هذا الغياب للإدارة الشاملة للمدن أثر سلبا على توفير الخدمات العامة بتكامل وشمولية لتفتقد التنسيق والجودة والكفاءة والفاعلية، والأهم الاستجابة لمتطلبات سكان المدن الحالية والمستقبلية. وبيّن د. الشيحة أنه لم يكن مستغرباً ، في ظل عدم وجود هيئة محلية مسؤولة عن إدارة المدينة ، أن نشاهد طرق وشوارع المدن على سبيل المثال تستباح صباح مساء بين حفر ودفن. هذا دليل واضح ومشاهد لغياب التنسيق، وما خفي أعظم؛ ففرص التنمية الاقتصادية المحلية تتضاءل وبالكاد يلتفت إليها، فهي ليست ضمن الأولويات؛ لأنها تحتاج إلى عمل جماعي مشترك، وهذا ما لا توفره المجالس البلدية بصيغتها الحالية، فهي لا تعدو في واقع الأمر أن تكون بمثابة لجان استشارية ملحقة بجهاز البلدية. وحتى إذا ما تم فصل المجالس عن الأجهزة البلدية ومنحت الصلاحيات اللازمة ستظل قاصرة عن تأدية دورها ولا تعكس مسماها الذي يوحي بأنها إدارة شاملة لكل قطاعات المدينة. وأشار د. الشيحة إلى أنه كان من المقرر إصدار نظام جديد للمجالس البلدية، السبب الرئيس وراء تأجيل البدء في الدورة الحالية، إلا أنه لم يصدر ، وهذا مايراه د. الشيحة ، أمرا إيجابيا، ربما ، لأن التوجه في صياغته اعتمد على تطوير النظام الحالي وليس إصدار نظام برؤية وأهداف وافتراضات جديدة تتناسب مع متطلبات العصر واحتياجات المجتمعات المحلية. فلقد أفرزت التجربة الأولى واقعا يخالف إلى حد كبير التصورات والتوقعات الإيجابية التي كان يحملها معظم المواطنين تجاه المجالس عند إعلان تفعيلها، وأصيبوا بخيبة أمل وأطاح بطموحاتهم وآمالهم الذين كانوا يرون في المجالس البلدية فتحا جديدا وآلية فاعلة في صنع القرار المحلي تهيئ الفرصة لمناقشة قضاياهم وتحديد أولوياتهم وتمكنهم من معالجة مشاكلهم. ولذا فالحديث عن المجالس البلدية وانتخاباتها لم يعد ترفا أو مسألة هامشية يتم تنظيمها شكليا، وإنما وسيلة مهمة وجادة ومهنية لإدارة وتنمية المجتمعات المحلية. هذه المجتمعات التي تطورت اقتصاديا وثقافيا وتغيرت فيها أنماط الاستهلاك ومستوى التوقعات وأصبحت تتطلب نظما إدارية تستوعب وتلبي احتياجاتها الحقيقية وليس البيروقراطية الورقية. من هنا، فإن تقييم المجالس البلدية مرتبط إلى حد كبير بمدى تمكينها من أداء أدوار ومسؤوليات جوهرية وواسعة تشمل جميع قطاعات المدينة. وأكد د. الشيحة أنه قد أصبح من الضروري إعادة النظر بأسلوب إدارة المدن والنظر إليها كوحدات سياسية، اقتصادية ، وجذور للتنمية الوطنية وليست فقط مستقرات عمرانية. كما أنه يرى أن هناك ضرورة في تهيئة الظروف في المدن لإطلاق طاقات المجتمعات المحلية ودفع الأفراد والمؤسسات نحو المساهمة في جهود التنمية المحلية.واضاف" هذا يستلزم التفكير خارج المعتاد والتركيز على التأثير النهائي لأي نظام يصدر لتطوير العمل البلدي وإدارة المدن" . وهنا لا بد من التأكيد - والقول للدكتور الشيحة - على ضرورة إصدار نظام للإدارة المحلية يحدد الأدوار والمسؤوليات ويوحد المرجعيات وينسق العلاقة بين المجالس البلدية والمحلية ومجالس المناطق وفروع الأجهزة المركزية في المحافظات والمناطق. وإذا لم يتم تطوير هذه الأنظمة ، يؤكد د. الشيحة ، أننا سنراوح مكاننا وسنظل نطرح ذات التساؤل الذي يدور في أذهان الكثيرين" لماذا أداء المجالس البلدية دون التوقعات".