الصبر قلعة حصينة لا يمكن اقتحامها، وكم يصعب الولوج الى داخلها.. انها صرح صامد لاتهزه الرياح.. انها صخرة عتيده تتكسر امامها فؤوس الحديد، ولا تنال منها أى شيء.. انها تعني الثبات والوقوف بعزيمة صادقة وقلب لا يهاب، وكما جاء في التنزيل الكريم قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه) آية 28 سورة الكهف، وجاء في المعجم الوسيط أن (صبر - صبرا: تجلد ولم يجزع وانتظر في هدوء واطمئنان، ويقال صبر على الامر: احتمله، وعنه: حبس نفسه عنه - ونفسه: حبسها وضبطها وبما ان المشكلات تنزل احيانا على الانسان مثل الصاعقة فترتعد فرائصه، وتضيع أفكاره، ويتشتت ذهنه، فيصعب عليه تجميع أمره امام المشكلة التي واجهته. وذات يوم حصل للموظفة (س) صديقة (علياء) مشكلة - ما- امام رئيستها المباشرة، وهذه الرئيسة المسؤولة تتصف بشىء من الصلف والتعنت، وتظن ان علو قدرها وبناء مجدها وحسن سمعتها اهم من مصالح الآخرين، ولن يتحقق لها ذلك الا عن طريق ممارستها لحركات تميل الى الغطرسة، والمكابرة، وحب الظهور، ولم تجد (س) طريقا لحل مشكلتها مع رئيستها، بينما أن (س) كانت ترغب من المسؤولة المشاركة والبحث عن حل ينصفها كى تخرج بمخرج حسن من المأزق الذي وقعت فيه، وفي الوقت نفسه كان باستطاعة الرئيسة العمل على تخفيف المشكلة وحلها، ولكن غطرستها أملت عليها التحدي للموظفة (س) كى تثبت لها ولزميلاتها انها في مستوى المسؤولية، وأن كلمتها يجب ان تكون عالية فوق كلمات الجميع، بحثت (س) عن واسطة من اقرباء الرئيسة او صديقاتها اللاتى يستطعن اقناعها، وبالفعل ذهبت الوسيطات ليشفعن لها عند المسؤولة ليحصلن على الأجر كما جاء في الحديث (عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال:(اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب)، وقامت الوسيطات بما أوصت به السنة فما كان من المسؤولة الا الرفض، وباءت كل المحاولات بالفشل، وامام هذا الموقف وصلت (س) الى درجة يفترسها الاحباط واليأس ولكن اعتصامها بالله وثقتها في الله جعلاها تتمسك بالصبر، ففكرت في استشارة احدى صديقاتها العزيزات عليها (علياء) لما تكن لها من صدق ووفاء، وقصت عليها ما حصل فبادرتها قائلة: لاتحزني، لان الله هو القادر على رفع البلاء، وهو المستجيب لدعاء المضطرين، وما دامت علاقتك بالله طيبة، واعمالك - والحمد لله - حسنة والعبد حينما تحيط به المحنة ويشتد الكرب عليه يتجه الى الله فيسأله بأحسن اعماله كما توسل اليه الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة طريق الخروج فتوسلوا الى الله باحسن أعمالهم ففرج عنهم، وهذا دليل لصدق أولئك النفر الثلاثة، ولكل من يطيع الله ورسوله، لن يخيبه، وان كنت اعرف انك على دراية بالحديث ولكنني رغبت في تذكيرك بما جاء عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة). اما من جانبي فسوف أسال الله ان يفرج عنك ما أنت فيه من البلاء: نعم هكذا تكون الصداقة لله وفي الله.. هكذا يكون النصح والتوجيه، وفي مثل هذه المواقف تبرز قيمة الصداقة كما قال الشاعر: صديقى من يقاسمنى همومى ويرمى بالعداوة من رمانى حقا لقد قاسمت الصديقة (علياء) صديقتها (س) محنتها ولم ترم بالعداوة من رمى صديقتها، ولكنها توجهت الى الله بالدعاء أن يخلص صديقتها مما وقعت فيه من مشكلات. وفي النهاية: نفذت (س) نصيحة صديقتها علياء فتوجهت الى الله بالتوسل ودعت ربها بصالح اعمالها كى يفرج عنها كربتها، وماهي الا ساعات معدودة حتى جاء الفرج من الله، حيث ان المسؤولة درست القضية بعقلانية تتوجها التقوى، عرفت انها مخطئة في حق الموظفة (س) فأخذت تراجع حساباتها، وتلوم نفسها على كل ما حصل منها من عناد ومكابرة وتعطيل وخسارة في الوقت والجهد لزميلتها (س) فدعت جميع الموظفات في اجتماع عام بالمؤسسة، وقدمت الاعتذار اللائق لزميلتها (س) فتهلل وجه (س) وعادت البهجة والسرور لنفسيتها، وسرت جميع الموظفات من عودة المسؤولة الى رشدها وصوابها، فانقلب العداء الى ولاء، فسبحان مغير الاحوال!! وحقا انه ما بين غمضة عين وانتباهتها، يبدل الله من حال الى حال آخر، هكذا تبدل الوضع الى الافضل والى العودة الى الحق وحسن التعامل.. هكذا كانت نتيجة الصبر كما قال علي بن ابي طالب (رضي الله عنه) الصبر مطية لاتكبو وجل القائل:(والله مع الصابرين) آية 249 البقرة.