أقام المجلس الأعلى للثقافة المصري ندوة حول الدكتور محمد صبري السوربوني بمناسبة مرور ربع قرن على رحيله،.والسوربوني كان أول رائد لدراسة الوثائق في العالم العربي، وهو الذي قام بجمع الشوقيات المجهولة لأمير الشعراء أحمد شوقي. ذكر د. عماد أبو غازي أن السوربوني رائد من رواد الكتابة التاريخية في مصر، وله دور في جمع أشعار شوقي ومطران، وله دراسات عن عدد من الشعراء. زامل جيل الرواد طه حسين ومحمد حسين هيكل ومحمود مختار وإبراهيم عبد القادر المازني وقدم للحياة السياسية والثقافية في مصر الكثير. أشارت منى السر بوني إلى انه عمل بجد واجتهاد وقدم صفحات مضيئة في الأدب، وأخرج كتبا تاريخية بالعربية والفرنسية، وظل يعمل سنوات طوالا دون كلل أو ملل. قال د. صلاح فضل: لم يبهرني كتاب في الدراسات الشعرية ويثير في كثيار من الفضول والتشوف مثل الشوقيات المجهولة، وقد أهدى إليه طه حسين أحد كتبه قائلاً: إلى الذي أرخ اللغة وادَّب التاريخ وأمسك قبضة من تراث مصر الحديث . وهو أول من أنشأ قسم الوثائق في الجامعة المصرية، وباهتمامه بالوثائق نقل الدراسات التاريخية نقلة جوهرية من الظنون إلى الاعتماد على الوثائق، فهو رأس هذه الاجيال من كبار رجال الوثائق والتاريخ. وأوضح د. صلاح فضل أن السربوني نموذج للتزاوج بين الحس التاريخي واستكمال خارطة الإبداع، خاصة إذا كان إبداعا عظيما مثل إبداع احمد شوقي . والسوربوني ملأ إنتاج عقول المثقفين والعلماء، ولم يغب عن اذهانهم يوما واحدا. دار بحث د. سيد على إسماعيل حول الوثائق الرسمية لمنهج صبرى السربوني في التاريخ والحياة فأوضح ان السربوني ولد عام 1894 وحصل على شهادة الابتدائية عام 1908، وعلى شهادة البكالوريا عام 1913، وعلى شهادة الليسانس من السربون بفرنسا عام 1919، وعلى شهادة الدكتوراة من السربون أيضاً عام 1924. وفي عام 1930 نشر صبرى بحثا في أوربوا عنوانه "الإمبراطورية المصرية في عهد محمد علي والمسألة الشرقية" وهو مجلد ضخم من 600 صفحة من القطع الكبير باللغة الفرنسية، فكان محل تقدير من الأوروبيين. وفي عام 1933 ظهر في أوروبا كتابه الثاني "الإمبراطورية في عهد إسماعيل والتدخل الإنجليزي والفرنسي" . ونال السوربوني تقدير المؤرخين الأجانب اكثر مما نال من تقدير المؤرخين المصريين. حيث لم ينل السوربوني مكانة وظيفية مرموقة تليق بمؤهلاته العلمية، فأعلى درجة وظيفية وصل إليها درجة مدير معهد الوثائق والمكتبات، رغم أن هناك من هم أقل منه من حيث المؤهلات العلمية، وأصبحوا وزراء. وأشار د. سيد إلى أن هناك تقصيرا من جانب المؤرخين والنقاد والباحثين في وقتنا الراهن، أمام ما أنتجه السوربوني من كتب تاريخية وأدبية، فمثلا كتبه التاريخية المكتوبة باللغة الفرنسية لم تترجم إلى العربية رغم أنها تعد من أهم المراجع التاريخية للمؤرخين الأجانب. وكتبه الأدبية لا تدرس بصورة تليق بقيمتها الحقيقية رغم دقة معلوماتها وروعة أسلوبها. وتحدث الباحث احمد حسين الطماوى عن تحقيق النصوص الأدبية عند محمد صبري السربوني، فأوضح أن السربوني فطن إلى ما تحتوىه النصوص الأدبية من تصفيحات وتحريفات، الأمر الذي يجعل عدة نسخ من ديوان واحد - مثلا - مختلفة، وقد علل الدكتور صبري اختلاف النسخ باختلاف الروايات المنقولة، وباختلاف السماع. وقد وقف السوربوني على تحريفات وتصحيفات كثيرة، ورجح كلمات اهتدى إليها على كلمات وردت في النصوص. نضيف إلى ذلك انه فحص أكثر من نسخة أو طبعة لديوان البحتري قبل أن يقدم على الكتابة عنه، وفحص النسخ المختلفة ووازن بينها، وتحدث عن الناقص والتام منها، وانتبه لما في النصوص من تصحيفات وتحريفات، واجتهد في تصحيحها وشرح مستوعر ألفاظها، وهو ما يدخل في علم تحقيق النصوص من أوسع الأبواب. وحول قراءة السربوني للشعر أكد د. السيد إبراهيم أن السربوني ينطلق في قراءته للشعر وتقديره له من منطلق فكرة تصوير الواقع، إذ يرى أن التصوير ملكة أساسية عند كل شاعر موهوب، وهو ينظر إلى الأدب العربي في جملته على انه منذ نشأته إلى اليوم يتنازعه عاملان: عامل الحقيقية وعامل الخيال، وقد كان انتصار الثاني على الأول من اكبر الأسباب التي حالت دون بلوغه الدرجة التي كان خليقا بها، وهو يربط العامل الأول بالتصوير، ويجعل العامل الثاني مرادفا للمبالغة التي تجافى ما عليه واقع الحال.