يقول ابن فارس في معجمه: ان الجيم والميم واللام اصلان: احدهما تجمع الشيء وعظمه والآخر حسن،ويضرب لذلك امثلة منها:قولك اجملت الشيء اي جمعته، ويجوز أن يكون الجمل من هذا المعنى لعظم خلقه. والأصل الثاني: الجمال وهو ضد القبح، والجمال كما قال ابن قتيبة: من (الجميل) وهو ودك الشحم المذاب، يراد به ماء السمن يجري في وجهه، ونستطيع ان نجمع بين اصلي - بفتح اللام - ابن فارس فنقول: ان تجمع معاني الحسن في الشيء يجعله جميلا.. واليك عزيزي القاريء ما اورده نوكس في كتابه النظريات الجمالية حين قال نقلا عن احد الفلاسفة: (الجمال هو اما اصيل او مقارن، او بكلمات افضل، هو اما مطلق او نسبي..الجمال المطلق هو ذلك الجمال الذي ندركه في الاشياء دون حاجة لمقارنته بأي شيء آخر، بل يغدو هو نفسه نموذجا يحاكى، كذلك الذي تجده الطبيعة وفي الصور المشغولة والاشكال والازهار والورود والفراشات والعصافير واصداف البحر فهي جمالات في ذاتها لا تنتمي لاي تصور لموضوع او لغاية، هي تسير بشكل تلقائي ولذاتها فقط. وكذلك تشابك الاغصان وتداخلها.. هي جمالات حرة وكذلك بعض الوان الموسيقى الذي قد يخلو من المضمون ولا تصحبه كلمات، فالحكم على جمال هذه الاشياء هو الذوق نفسه). اما الجمال الثاني فهو ما يسمى الجمال النسبي او الجمال المقارن، لأنه يستند الى علاقته بأشياء اخرى، فالجمال الذاتي - كما يذكر نوكس- هو موضوع للحس فقط.. كأن تدرك جمال سنديانة فارعة او جمال نهر دافق هو امر لا يحتاج الى اكثر من فعل النظر اما ادراك الجمال النسبي فأمر يحتاج بالاضافة الى عناصره الخاصة الى الفهم والتفكير، اذ ليس بمقدورنا ان ندرك جمال آلة ما مثلا الا اذا ادركنا وجه استعمالها او الغاية منها، ذلك رأي فلسفي في الجمال، وهو رأي منطقي قد يصل بك - عزيزي القاريء- الى حد الاقناع، ما علينا، لنترك الفلاسفة والمناطقة وأحوالهم العميقة في رؤيتهم للجمال ولنذهب الى اللغويين لنحلق معهم في فضاءاتهم الجميلة عن الجمال، وفي الجمال، فهذا ابو هلال العسكري من علماء اللغة في القرن الرابع الهجري يربط لفظة (الجمال) بمفردات اخرى تستدعيها هذه اللفظة الجميلة مثل الوضاءة والحسن والقسامة والوسامة والصباحة والبهاء وغير ذلك من مفردات اللغة الواسعة. فهو يقول في اختصار وتصرف - ان الوضاءة تكون في الصورة لأنها تتضمن النظافة فتقول جارية وضيئة اذا كانت حسنة نظيفة. اما القسامة فانها حسن يشتمل على تقاسيم الوجه اي الملامح، واما الوسامة فانها حسن يظهر للناظر ويتزايد عند التوسم فيه اي التأمل فيه وهو كما قال الشاعر:==1== يزيدك وجهه حسنا==0== ==0==اذا ما زدته نظرا ==2== ويعلق على ذلك فيقول: الوسامة ابلغ من الحسن وذلك انك اذا كررت النظر في الشيء الحسن واكثرت الوسم له نقص حسنه عندك، والوسيم هو الذي تزايد حسنه على تكرير النظر، اما الصباحة فانها اشراق الوجه وصفاء بشرته مأخوذ من الصبح.. فقد قيل للصبح صبح لبريقه.. والملاحة..هي ان يكون الموصوف بها حلوا مقبول الجملة وان لم يكن حسنا في التفصيل.. ويذكر العسكري ان الجمال في الجسم والعقل والأخلاق اما البهاء فانه جهارة المنظر يقال:(رجل بهي) اذا كان مجهر المنظر وليس هو في شيء من الحسن والجمال.