العمارة من الناحية الوظيفية وكيف تسهم في بناء الصورة الثقافية للمدينة يمكن ان نتلمسها من خلال توقفنا عند مركز الملك فهد الثقافي الذي يقع غرب مدينة الرياض على الحافة الشرقية لوادي حنيفة كأحدث وأكبر المراكز الثقافية والعلمية العربية, فقد تم تنفيذ المشروع على مساحة أرض قدرها (105000) مائة وخمسة آلاف متر مربع بينما بلغت مساحة البناء (33000) ثلاثة وثلاثون ألف متر مربع. ويحتوي المشروع على قاعة للاحتفالات الكبرى تتسع لثلاثة آلاف شخص وتشتمل على مدخل خاص لكبار الشخصيات وعدة مداخل رئيسية للجمهور. كما يوجد قاعة احتفالات صغرى تتسع ل480 مقعدا وقسم لكبار الشخصيات مكون من قاعة استقبال ومجلس وقاعة طعام, كما يوجد قاعة للفنون التشكيلية وقبة فلكية تتسع ل210 مقعدا وقاعة للمحاضرات تتسع ل350 شخصا ومتحف للتراث الوطني ومكتبة عامة ومكاتب للإدارة. من الناحية المعمارية يشكل المجمع كتلة بصرية ضخمة تتدرج في الصعود لتصل اقصى ارتفاع لها فوق فراغ منصة قاعة الاحتفالات الكبرى. هذه الكتلة التي يمكن تمييزها عن بعد تنكسر في المقدمة لتتيح للزائر تمييز المدخل الرئيس للمجمع. هذه المحاولة لتخفيف حدة المصمت الذي يسيطر على واجهة المبنى عبر ايجاد فراغ زجاجي شفاف يقطع الكتلة في المنتصف ليتخذ موقعا محوريا مواجها البهو الرئيس وقاعة الاحتفالات الكبرى. كما انه يمتد للخارج ليشكل محورا بصريا من خلال صف اشجار النخيل في جانب وبروز كتلة المبنى في الجانب الآخر لتأكيد المخل وتوجيه الزوار خصوا اذا ما عرفنا ان امتداد هذا المحور يصل الى نقطة دخول للمشروع ككل. من الداخل يشكل مسقط المبنى مربع مفرغ في الوسط ليتيح للزوار الاستمتاع بالمظاهر الاحتفالية التي تتضمنها وظيفة المبنى ويربطهم بكل اجزاء المبنى, فالفضاء الرئيس يرتع لثلاثة أدوار هي ارتفاع الكتلة الرئيسية ويفتح مباشرة على المدخل الرئيس الذي يعلوه جدار زجاجي مزخرف يحمل علم المملكة العربية السعودية وينصع لوحة رائعة تضيف للبهو احساسا فريدا خصوصا عندما تنعكس ألوان الزجاج التي تتخللها الإضاءة الطبيعية على جدران وأعمدة وأرضية البهو الرخامية. ان المركز بكل بساطته الفراغية والبصرية ومظاهره الاحتفالية الداخلية يؤكد إيماننا بأن العمارة تعكس فعلا الثقافة وتصنع لها المناخ الملائم. وربما تكون الهوية المعمارية او الخصوصية المعمارية كما يسميها البعض, والتي تمثل سؤال ثقافي تاريخي لم يجد اجابة بعد, تعني التفرد بصفات وخصائص معينة تعكس الهوية الثقافية وتميز مجتمعنا معينا بعمارة لها شكل ولون وتكوين وذاتية مواد بناء نابعة من ثقافة وتقاليد المجتمع, إلا اننا نحتاج ان نفهم انه لا يوجد هناك هوية معمارية نهائية او مستقرة, أي أننا لا نتطلع الى ان تكون للرياض هوية معمارية ثابتة علىمر الزمن بل نتمنى ان تكون هوية الرياض متطورة كعمارتها. ربما يكون ما ذكرناه هو المعادلة الصعبة او هو حديث لا يؤدي الى نتيجة فكيف يمكن ان نطالب بهوية متطورة باستمرار وفي نفس الوقت نؤكد على انها لا بد ان ترتبط بالجذور الثقافية؟