مع المتغيرات الهائلة التي شهدها العالم في هذا العصر الموسم ب “عصر العولمة”؛ دخلت الثقافة حيز الصراع، فلم تعد الحواجز التقليدية المتبعة في السابق تكفي لتحصين المجتمعات من الثقافات غير المرغوب فيها، التي تهطل من نوافذ الفضاء المفتوح، في حراك مستمر عطّل ماكينة الاتقاء بالحجب والمنع، وإزاء هذا الوضع أصبح من اللازم أن تدخل جميع المجتمعات في سوق التنافس بحثًا عن ترسيخ قيمها الحضارية وموروثاتها الثقافية بما يحقق لها التأكيد على «الهوية» الخاصة بها، بما يجعلها رقمًا عصيًّا على التجاوز في دفتر الحضارة الإنسانية الماثل في الحاضر، كما تسعى أيضًا إلى تمرير ثقافتها عبر هذه النوافذ المفتوحة تعريفًا بما تمتلكه من ثقافة قادرة على الإضافة بتميزها.. ولن يكون ذلك ممكنًا ما لم تكن الثقافة نفسها حاضرة بقوة في المشهد عند كل مجتمع، وفي كل دولة، فإن العناية والاهتمام بالجانب الثقافي لم يعد ترفًا يمكن أن تقضم مساحته السياسة أو الاقتصاد أو غيرهما من الجوانب التي كانت تحوز على الجانب الأكبر من الاهتمام لدى جميع الدول بلا استثناء، فالثقافة في الواقع الراهن أحد «الأسلحة» المهمة لأي دولة من أجل حضورها في المشهد العالمي بهوية مائزة، وصوت مفرد، وقيمة حضارية ضاربة الجذور في التاريخ، ممتدة الفروع في الحاضر.. ولقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا ملحوظًا بالثقافة في جوانبها المختلفة، ويبرز ذلك في حضور صوتها في كثير من المحافل العربية والإقليمية والدولية، وما كان لهذا أن يتحقق لولا العناية المبذولة من قبل القيادة الرشيدة، وإدراكها لدور الثقافة في السابق واللاحق. ومن مظاهر العناية بالشأن الثقافي يطل مركز الملك فهد الثقافي، هذا الصرح الذي ولد عملاقًا، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في يوم الثلاثاء 25 شعبان 1421ه الموافق 21 نوفمبر 2000م إبان احتفال المملكة باختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية. فخلال هذه السنوات العشر التي مضت على عمر المركز استطاع أن يقدم الكثير من الخدمات للمجتمع، ويتطلع الآن ليكون مصدر إشعاع ثقافي يتجاوز صيته المحيط المحلي والإقليمي إلى العالمي. ولعل صورة المركز في مرآة المستقبل تتجلى في كلمات معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام الذي يقول: «أصبح مركز الملك فهد الثقافي أحد أبرز معالم العاصمة الرياض الثقافية والحضارية، فأبوابه مشرعة وإمكانياته متاحة لكل الفعاليات والنشاطات التي تستقطب المبدعين في مختلف مجالات الفكر والأدب والفنون، التي بدورها تدفع بالشأن الثقافي إلى فضاءات أوسع وعطاءات أفضل، تتواكب مع تطلعات مثقفينا ومبدعينا. والمركز منذ أن ضُم لقطاعات وزارة الثقافة والإعلام مطلع عام 1424ه/2002م وهو يشهد حركة دائبة وفاعلة من الفعاليات التي استضافها والزيارات التي استقبلها سواء المحلية منها أو العربية أو العالمية. ويمضي الخوجة في حديثه كاشفًا مستقبل المركز في سياق قوله: والوزارة بإذن الله وبدعم ورعاية الدولة ماضية في جعل المركز بوابة للحراك الثقافي المحلي ونافذة عالمية للتفاعل مع نشاطات الشعوب الشقيقة والأمم الصديقة، وذلك من خلال فعاليات الأسابيع والأيام الثقافية التي ستستضيفها المملكة وسيكون لهذا الصرح الشامخ دور في احتضانها وإبرازها للمتلقي والمثقف السعودي الذي يأمّل من الإسهام الفعلي في إثراء المشهد الثقافي المحلي بكل جديد ومفيد يتواكب مع روح العصر في ظل ثورة المعلومات والاتصالات المتوجة بالعولمة وحوار الحضارات، ذلك الحراك المنشود يعضد حركة التنمية الشاملة التي تشهدها مملكة الإنسانية في مختلف مرافق الحياة في ظل قيادتنا الحكيمة. المركز.. الرؤية والطموح كان الغرض الأساسي من فكرة إنشاء مركز الملك فهد الثقافي متمثل في أن يكون المقر الأمثل لتنظيم واستضافة الفعاليات الحكومية والخاصة، بحيث يكون نقطة التقاء حضاري تشع منها ثقافة المملكة وحضارتها عبر ما يقدم فيه من فعاليات ونشاطات إبداعية وثقافية متنوعة، كما هدف من إنشائه أن يكون منبرًا شاملًا ومفتوحًا لكل الفعاليات المختلفة من محاضرات وندوات ومؤتمرات ومعارض وورش عمل في المجلات الأدبية والفنية والإعلامية والتربوية والاقتصادية والصحية والتعليمية، وبالجملة كل الأنشطة المحتملة والتي تخدم المجتمع، كما شرع أيضًا ليكون بوابة للحراك الثقافي المحلي ونافذة عالمية للتفاعل مع الشعوب الأخرى باستضافة فعالياته عبر توثيق الصلات معها عبر نشاطه المختلف الجوانب. ولضخامة هذه الغايات والأهداف جاءت مساحة المركز البالغة 100 ألف متر مربع ملبية لهذه التطلعات، فالدور الأول من هذا المركز منبسط في مساحة 10 آلاف متر مربع، أما الأدوار الثلاثة الأخرى فتبلغ مساحة كل واحد منها 23 ألف متر مربع، ويبلغ ارتفاع المبنى 28 مترًا. ويتألف الدور الأرضي من بهو رئيسي يؤدي إلى قاعة الفنون التشكيلية، والقبة الفلكية، وقاعة المحاضرات، وقاعة الاستقبال، والاستراحات، وقاعة الطعام، بالإضافة إلى مكاتب الإدارة، وغرف الخدمات. أما الدور الأول فيشتمل على قاعة استقبال كبار الشخصيات، وثمة قنطرة يسلكها الضيوف ليدلفوا إلى القاعة الكبرى، وقاعة الندوات والمكتبة. ويحتوي الدور الثاني على القاعة الكبرى، وقاعة الندوات، والمتحف، بجانب قاعة متعددة الأغراض، وبعض المكاتب الإدارية. ثالث الأدوار يتألف من غرف التمارين المسرحية، والزينة، وهي خاصة بالممثلين، بجانب ذلك هناك عدد من مستودعات المناظر الخلفية ومستلزماتها مع مطعم ملحق. تفاصيل أقسام المركز الرئيسة * البهو: صُمم لإقامة معارض الكتاب والفنون التشكيلية والمعارض المصاحبة. * قاعة الفنون التشكيلية: تتألف من عدة قطاعات فسيحة هيئت معماريًّا على شكل منحدرات انسيابية لتتيح للزوار حرية التنقل بسهولة أثناء إقامة المعارض والمراسم والنشاطات التشكيلية المختلفة. * القبة الفلكية: تقع في الدور الأرضي، وتمثل الثقافة العلمية المعاصرة لعلوم الفلك والفضاء، وقد وُزّعت مقاعدها البالغ عددها 208 مقاعد بطريقة دائرية لتمكين المشاهدين من متابعة العروض بسهولة ويسر، وتتألف أجهزة القبة من جهاز العرض الرئيسي الذي زوّد بمئتي مصباح إضافي مثبت عليه 44 جهاز عرض صغيرا لعرض الظواهر الفلكية، وهناك أجهزة أخرى مساعدة منها جهاز لعرض ظاهرتي الكسوف والخسوف، وجهاز لعرض السحب العالقة، وجهاز لرصد المجموعة الشمسية، وآخر للشهب والنيازك، ومثله للأقمار الصناعية، وثمة أجهزة معدة لرصد الأبراج السماوية أيضًا. كما تقوم إدارة القبة الفلكية بإعداد مطويات فلكية مبسطة لغير المتخصصين، وقد تم حتى الآن إصدار 15 مطوية منها، كذلك تصدر الإدارة نفسها النشرة الفلكية مطلع كل شهر ميلادي. * قاعة المحاضرات: تقع في الجهة الشرقية من البهو، ولها بوابة خاصة بالسيدات، هذه القاعة مزودة بأحدث التقنيات للترجمة الفورية إلى ثلاث لغات بجهاز لاسلكي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وبها غرفة تدار آليًا للتحكّم بالصوت والإضاءة والصورة والإسقاط. * قاعة كبار الشخصيات: تتعدد في المركز قاعات كبار الزوار المهيأة لاستقبال ضيوف المركز أثناء الفعاليات والزيارات. * قاعة الاحتفالات الكبرى: تعد الأضخم بين جميع قاعات المركز من ناحية المساحة وطريقة التصميم، وهي مجهزة بوسائل سمعية وبصرية وصوتية ذات دقة تقنية عالية. * قاعة الندوات: كمثيلاتها الأخريات أعدت بأحدث الأجهزة السمعية والبصرية والصوتية، ولها ستارة أمان من الألياف الزجاجية. * المكتبة: مزودة بإضاءة غير مباشرة، تستوعب 80 قارئًا في وقت واحد وتبلغ طاقتها الاستيعابية المستقبلية 30 ألف كتاب. * المتحف: يقع في الدور الثاني، ويعرض نماذج تراثية من تاريخ الحضارات والدول المتعاقبة على الجزيرة العربية، خصوصًا الإسلامية منها، كما يعرض أيضًا بعض المسكوكات النقدية العربية والإسلامية، ويضم خزائن عرض للمقتنيات الأثرية مزودة بإضاءة غير مباشرة. * الاستوديو وغرف التحكّم: تضم القاعة الكبرى استوديو متكامل التجهيزات مؤلف من سبع كاميرات بين ثابتة ومتنقلة، مع قاعة للتحكم بالصوت والصورة والإضاءة. * القسم النسائي: يتولى تنسيق الزيارات التي يستقبلها المركز والفعاليات والبرامج التي ينظمها ويستضيفها والخاصة بالسيدات والأطفال. بعض النشاطات الثقافية للمركز نظّم المركز خلال العشر سنوات الماضية العديد من الفعاليات في الجانبين الثقافي والفني تحديدًا ومن بينها الأسبوع الثقافي الليبي، ومعرض الصور الفوتوغرافية للتراث العالمي في الصين، والأسبوع الثقافي الإيراني، والمعرض الفوتوغرافي البريطاني، ومعرض الفن التشكيلي السوداني المعاصر، والأيام الثقافية التونسية، والأسبوع الثقافي العماني، والحفل الفلكلوري والموسيقي الروسي، والأسبوع الثقافي الجزائري، والحفل الفلكلوري الكوري الجنوبي، وحفل البيانو الألماني الأول والثاني، والأيام الثقافية اليمنية، والأيام الثقافية التركمانستانية، بجانب تنظيم العديد من المحاضرات والمؤتمرات والمهرجانات والفعاليات الأدبية والثقافية والفنون التشكيلية والمسرحيات.